مُشاركة مصرية متنوعة تمزج بين الأصالة والحداثة والإنفتاح
يستضيف معرض الكتاب والصحافة في جنيف مصر كضيف شرف في دورته الثانية والعشرين من خلال أجمل ما تزخر به حضارتها من تراث أدبي وتحف أثرية فرعونية وبتمثيل يشمل مختلف الأجيال.
ولم تقتصر المشاركة المصرية في أهم تظاهرة ثقافية في سويسرا الروماندية على عرض مخزونها التراثي، بل حرصت على تسخير الوسائل الضرورية لإيصال رسالة حضارية لزوار المعرض عموما وللسويسريين بوجه خاص.
دورة هذا العام من المعرض الدولي للكتاب والصحافة التي تستمر من 30 أبريل حتى 4 مايو 2008، ستكون فرصة للجمهور السويسري ولزوار المعرض للاطلاع على وجهين من الأوجه المضيئة لمصر يشملان تراثها الأدبي الغزير وأصالتها العريقة في ميدان الكتابة والطباعة والصحافة، ونماذج رائعة من مخزونها الأثري الغني عن التعريف تقدم في المعرض الموازي “كنوز الفراعنة” أحسن تجسيد لعظمة الحضارة الفرعونية.
الدكتور ناصر الأنصاري رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب والمسؤول عن الحضور المصري في المعرض نيابة عن وزير الثقافة فاروق حسني (الذي لم يتمكن من الحضور إلى جنيف) توجه للسويسريين قائلا: “إذا كنتم قد قمتم بخطوة أولى في طريق الحوار الثقافي الطويل في زمن سابق عبر بعثات التنقيب والرحالة والبحاثة، فإن كل هذه الكنوز الثقافية أتت للقائكم اليوم”.
وقد لخص الرئيس السويسري باسكال كوشبان في كلمة ألقاها يوم الإفتتاح الشعور الذي يعتري السويسريين عند الحديث عن مصر وحضارتها حيث قال: “إن مصر هي جزء كبير من ماضينا، وتمثل تقاليد كتابة منذ آلاف السنين، واختراع ورق البردى الذي سمح بتداول النصوص عبر الحقب والأزمنة… ومصر ليست فقط الماضي بل أيضا ثقافة حية ومعاصرة مثلما تشهد على ذلك إعادة إحياء مكتبة الإسكندرية”.
أما رئيس المعرض ومؤسسه بيار مارسيل فافر فيشير إلى أن المشاركة المصرية تعتبر “استقبالا لبلد هام يعتبر أول ناشر باللغة العربية وبلدا ينظم معرضا متميزا. والمثير هو أن هذا الحضور لمصر اتخذ أبعادا مختلفة منظمة بشكل تفاعلي وجذاب”.
تنوع في تمثيل الأجيال والمؤسسات
الجناح المصري الذي صمم بشكل عصري جذاب لم يراعي فقط تمثيل التنوع الثقافي الذي تزخر به الساحة الثقافية المصرية، بل حرص منظموه على أن يكون واجهة تعكس هذا التنوع بكل أبعاده.
فقد اشتمل على مساهمة حوالي 20 مؤسسة ودار نشر، منها الحكومية من أمثال الهيئة المصرية العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية. وهناك دور النشر الخاصة مثل دار الشروق والدار المصرية اللبنانية ودار إيلياس ودار النهضة ودار العين ودار هالة. وقد تنافست دور النشر هذه في تقديم أعمال عدد من الأعلام مثل نجيب محفوظ وطه حسين و وتوفيق الحكيم بالإضافة إلى إبراز نتاج خيرة الأدباء والشعراء المعاصرين بل حتى الشباب منهم.
وقد استضاف الجناح أكثر من 30 شخصية أدبية وفكرية ستساهم بشكل أو بآخر في إثراء المناقشات والندوات التي تنظم في الجناح طوال أيام المعرض، نذكر منها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي والكاتب المسرحي أبو العلا السلموني، وجابر عصفور، ومحمد سلماوي رئيس إتحاد كتاب مصر.
ومع أن التمثيل المصري لم يهمل حضور الأدباء والمثقفين الشباب من أمثال مي التلمساني ومنتصر القفاش وحنان منيب، فإنه خصص مكانة هامة لمثقفي مصر المقيمين في الخارج وبالأخص في سويسرا من أمثال الأستاذ المختص في القانون الدولي الدكتور جورج ابي صعب، والدكتورة فوزية أسعد، والدكتورة فوزية العشماوي، والأديب بهاء طاهر والأديب والصحفي جميل إبراهيم عطية.
ويقول الدكتور عماد بدر الدين أبو غازي، المشرف على النشاط الثقافي في الجناح المصري “حاولنا أن يكون هناك تقديم للتنوع الثقافي الموجود في الإنتاج الفكري المصري ما بين الأعمال الإبداعية سواء رواية أو شعر او قصة قصيرة أو مسرح والدراسات المختلفة في المجالات التاريخ والسياسة والفلسفة والاقتصاد، وأيضا من حيث الأجيال”.
معرض يمهد لزيارة مصر
مصر لم تكن ضيف الشرف على معرض الكتاب والصحافة بمخزونها الأدبي فحسب، بل قدمت للزوار عينة عما تزخر به الحضارة الفرعونية من آثار كانت ولا زالت تجلب اهتمام وفضول الملايين من المعجبين من شتى أنحاء العالم. فقد اشتمل معرض “كنوز الفراعنة” الذي يمثل بحاله متحفا متكاملا على نسخ تكاد تضاهي في دقتها القطع الأصلية، لتماثيل كبار الفراعنة من رمسيس الثاني، ونفرتيتي وتوت عنخ أمون وحتشبسوت وغيرهم.
وإذا كان الهدف من تنظيم هذا المعرض يتمثل في ترغيب من لم يتعود على زيارة المتاحف في زيارة مصر، فإن حجم الإقبال الواسع الذي حظي به معرض “كنوز الفراعنة” منذ الساعات الأولى لافتتاحه يعتبر دليلا على نجاح المنظمين في إيصال الرسالة، بل إن طفلا صغيرا جاب المعرض مع والدته سارع إلى التساؤل: “متى يمكننا زيارة هذا البلد؟”.
تواصل مع الجمهور لإزالة الصور السلبية
إذا كان زائر معرض جنيف من غير العرب يلاقي بعض الصعوبات في التعرف على واقع الثقافة المدونة بالعربية في أجنحة بعض البلدان العربية التي شاركت في الدورات السابقة، فإن الجناح المصري بذل العديد من الجهد لتفادي هذه العقبة اللغوية، حيث حرص على تمكين الزائر من متابعة الندوات التي تنظم فيه بتوفير خدمة الترجمة الفورية لكل شخص.
في السياق نفسه، أقيم جناح مواز للجناح الرسمي يوفر للزوار ترجمة لأهم الأعمال الأدبية والفنية والأثرية المصرية باللغات الفرنسية والإنجليزية تولت الإشراف عليه المكتبة العربية في جنيف. وقد لقي هذا الجناح خلال اليومين الأولين إقبالا منقطع النظير مما يعكس شغف السويسريين بمعرفة المزيد عن مصر وعن حضارتها.
ومن أجل تمكين جمهور المعرض من استيعاب الرسالة المراد إيصالها، خُصص جناح لتقديم عرض تفاعلي من إعداد مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية يسمح بإعطاء لمحة عن التراث الحضاري المصري مرفوقة بشروح بالفرنسية.
ولم يكتف المصريون بالحديث عن أنفسهم بل تضمنت مشاركتهم في معرض الكتاب الحديث عن عدد من الرحالة والبحاثة والعلماء السويسريين الذين ساهموا بشكل أو بآخر في إثراء التراث الحضاري في مصر والمنطقة عموما. فقد تم تخصيص جلسة نقاش تحت عنوان “سويسريون في مصر” لتناول تجربة نماذج شخصيات لعبت دورا في حياة مصر من أمثال الشيخ إبراهيم بوركهارت أو يوهان بوركهارت مكتشف موقع البتراء الأثري والمدفون في مصر، أو ماكس فون برشم وجان نينه ومارغو فيون.
وقد أقامت المؤسسة الثقافية السويسرية بروهيلفيسيا معرض صور للرحالة السويسري يوهان بوركهارت تعكس رحلاته إلى كل من مصر والشام والحجاز. وبها بعض الصور للشيخ إبراهيم بوركهارت من ضمنها تلك التي يبدو فيها بزي عربي وقد كتب تحتها في رسالة موجهة لأهله “يا والدي العزيزين أتساءل ما إذا كنتم ستعرفوني لو تسنى لكم رؤيتي الآن بهذا الزي”.
وكما أشار الى ذلك الدكتور ناصر الأنصاري في كلمة الافتتاح، فقد “كان للأدب السويسري نصيب في نشاط حركة الترجمة في مصر في ستينيات القرن الماضي عندما قدم أنيس منصور والدكتور مصطفى ماهر وغيرهما نماذج شديدة التمييز من الأدب السويسري، فعرفنا فريدريش دورنمات، وماكس فريش، والحائز على جائزة نوبل هيرمن هيس”.
ويلخص عماد بدر الدين أبو غازي، المشرف على النشاط الثقافي في الجناح المصري الرسالة التي رغبت مصر في إيصالها للجمهور السويسري من خلال هذا الحضور المتنوع والغني بقوله: “إن ما نسعى لتقديمه هو أن مجتمعاتنا العربية لديها إبداع ثقافي منفتح على العالم ولديها قدرة على التفاعل مع الآخر وقدرة على قبول الآخر ولسنا منغلقين فهذا ما نريد أن نخرج به من هذا المعرض وإذا ما تحقق فسيكون ذلك مكسبا كبيرا”.
ويضيف الدكتور عماد “لقد كنت هنا قبل عامين وشاهدت أن تجربة الجزائر كضيف شرف كانت ناجحة بالنسبة لحضور الثقافة العربية … وما نقوم به هو محاولة أن نكمل بعضنا البعض لنقدم صورة إيجابية لعالمنا العربي تزيل ما ترسخ عنه من صور سلبية”.
أما رئيس المعرض ومؤسسه بيار مارسيل فافر فيثمن هذا المجهود الذي تبذله الدول العربية لتعزيز حضورها في معرض جنيف ويرى أن هناك إمكانيات لمشاركة عربية لما بعد عام 2010.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
تنتظم الدورة 22 من يوم 30 ابريل إلى 4 مايو 2008
المشاركون: 555 عارضا يقدمون من 15 دولة.
الزوار: يتوقع أن يزيد عن 100 ألف شخص.
ضيوف الشرف هذا العام: مصر كبلد أجنبي، كانتون سانت غالن من سويسرا المتحدثة بالألمانية، ومنطقة “آووسط” (Aoste) باعتبارها جهة حدودية (بين سويسرا وشمال إيطاليا).
من المشاركات العربية هذه السنة جناح تنظمه وزارتا التعليم العالي والأوقاف في المملكة العربية السعودية.
إلى جانب معرض الكتاب والصحافة يمكن للزوار الإطلاع في دورة هذا العام على:
– معرض “كنوز الفراعنة”.
– الدورة الخامسة لمعرض الكتاب الإفريقي المخصص لتشجيع النشر في القارة السمراء.
– رواق “أورب آرت” الذي يعتبر أكبر غاليري لعرض اللوحات الفنية والمنحوتات على مستوى أوروبا.
– صالون الطالب والتعليم العالي، المخصص للتكوين والتأهيل في شتى المجالات.
ويضم المعرض أيضا “القرية البديلة” التي تشتمل على أجنحة مخصصة تعرض فعاليات العديد من المنظمات المدنية والحقوقية والانسانية من ضمنها “الجمعية الثقافية للنساء المسلمات في سويسرا” ومنظمة “الحقيقة والعمل” الحقوقية التونسية ومنظمة “المساعدة الطبية الفلسطينية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.