مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا بعد القرارات النووية العربية؟

صورة غير مؤرخة لمركز الأبحاث النووية المصري في إنشاص التي تبعد حوالي 60 كيلومترا عن القاهرة Keystone

إن الوتيرة التي تتحرّك بها 9 دول عربية، على الأقل، في اتِّـجاه إنشاء محطّـات طاقة نووية، بعد اتِّـخاذ قياداتها قرارات بذلك، تبدو سريعة، لكن ما يحدث ليس سوى البداية.

فالطريق إلى امتلاك برامج نووية مدنية لا يزال طويلا، وستجتاحه المشكلات من كل جانب ولن تصل كل تلك الدول غالبا إلى نهايته، وقد بدأت دولتان منها في الترنح مبكرا.

لقد بدأت المسألة كلها كموجة عامة، لم يكن أحد يرغب في التخلف عنها، فقد تغيرت – كما ذكر الملك عبد الله عاهل الأردن – قواعد اللّـعبة مرة واحدة، في وقت كانت التأثيرات السياسية لبرنامج إيران النووي وصدمة ارتفاع أسعار النفط وأحلام تنشيط المشروعات النووية المجمّـدة، تضغط على الجميع، بدرجة أدّت إلى قِـيام مُـعظم دول المنطقة بإطلاق إشارة نووية من نوع ما.

القرارات النووية

لكن ما هي الأطراف التي يمكن أن تصبح فعلا أعضاء في نادي مفاعلات الطاقة العربي؟

فالملاحظة المثيرة هي أنه باستثناء تلك الدول العربية التي تعاني من مشكلات حادّة كالعراق (التي كانت قد اقتربت يوما ما من صناعة القنبلة)، ولبنان والصومال وموريتانيا وجُـزر القمر البعيدة، اتّـخذت كل الدول الأخرى قرارات نووية، يشمل ذلك سوريا، التي لا يزال ثمة جدل حول طبيعة المنشأة التي قصفتها إسرائيل في شمالها.

لكن كثيرا من تلك القرارات المُـشار إليها لا تزال إعلانات نوايا عامة، فباستثناء مصر (منذ أسبوعين فقط) والأردن وليبيا، لا يبدو أن الدول الأخرى قد اتّـخذت قرارات نهائية تتعلّـق بالبدء في التنفيذ الفعلي لعملية إنشاء المحطات النووية، وما يجري هو عمليات لدراسة الجدوى الاقتصادية والنفقات المالية والإمكانيات الفنية وتجاوزت تلك العملية أحيانا ذلك إلى تحديد قدرة المفاعلات المطلوبة والحديث عن الشركاء الخارجيين.

إن الفيصل في الأمر يتعلّـق بظهور بنود في الميزانية المالية لعام 2008 لأي دولة، تتجاوز النفقات العادية لمؤسساتها النووية إلى نفقات إضافية تتّـصل بإجراء أبحاث محدّدة، ذات علاقة بموقع إقامة المحطات أو بعناصر دورة الوقود النووي من مواد أو مفاعلات، وباستثناء الدول المشار إليها، لا يزال الجميع في مرحلة الدراسة، بل إن ليبيا لم تتقدّم كثيرا فيما يتجاوز التنقيب عن المواد النووية.

المثير أن اليمن فقط هي التي قامت رسميا بتوقيع اتفاقية شديدة التحديد مع شركة “باور كوربوريشن” الأمريكية لبناء 5 مفاعلات نووية من الجيل الثالث، بطاقة 1000 ميغاوات لكل منها وبتكلفة 15 مليار دولار، على أن يبدأ إنشاء المحطة الأولى عام 2009، قبل أن تظهر مشكلة واحدة، وهي أن العملية كلها وهمية، حيث لم تكن هناك شركة بهذا الإسم أصلا، لتبدأ حالة من عدم الثقة في كل ما يتعلق بهذا البرنامج أصلا.

ما بين 8 و10 سنوات

إن العجلة لا تعني الجدّية فيما يتعلق بالبرامج النووية، فمن المعروف أن المسافة الزمنية الفاصلة بين اتِّـخاذ قرار بإنشاء محطة للطاقة النووية وبين تشغيل تلك المحطة بالفعل، تصل إلى ما بين 8 و10 سنوات، إذا سارت الأمور بشكل مُـنتظم، منها 3 سنوات في إجراء الأبحاث وتجهيز الموقع، وحوالي 5 سنوات في بناء وتجارب تشغيل المحطة النووية، وإذا سارت العملية على التوازي، بحيث يتم التجهيز والتوريد معا، ربّـما تتمكن الدولة من توفير سنة تقريبا.

هنا، تتمتّـع مصر بمِـيزة كبيرة، وهي أن لديها موقع مجهّـز سلفا لإقامة مابين 4 – 5 مفاعلات طاقة نووية، إسمه “الضبعة” في الساحل الشمالي، لكن ثمّـة معركة مكتُـومة حول هذا الموقع، فهناك من يعترضون، فيما يبدو، على بناء المفاعلات وسط أكبر الاستثمارات السياحية في مصر، ولن تقتصر مشكلة “المواقع” على مصر، فعلى الرغم من أن كل الدول تشير ببساطة إلى مواقع ملائمة لإقامة تلك المحطات، سيُـواجه بعضها مشكلات حقيقية بهذا الشأن.

على أي حال، تبدو بعض الدول العربية غير متعجِّـلة، وأولها الدول النفطية التي تخطط للاعتماد على هذه المحطات، كبدائل طاقة بعد عام 2015 على سبيل المثال، فدول الخليج والجزائر وليبيا تشهَـد حركة واسعة تتعلّـق بالدراسات والاتفاقات والزيارات، لكن تقديراتها للمدى الزمني الخاصة بنهاية تلك العملية، تمتد طويلا عبر الزمن. وحتى في تونس، فإن بعض مسؤوليها يقرِّرون أن المحطة المقترحة، ستنتهي فى حدود عام 2020.

إمكانيات متفاوتة

ويمثل تفاوت قُـدرات الدول النووية الحالية عاملا آخر شديدَ الأهمية في تحديد ما سيجري بعد اتِّـخاذ القرار، ففي حين أن دولا مثل مصر ثم الجزائر ثم ليبيا ثم المغرب لديها برامج بحثية تتضمّـن مفاعلات نووية قائمة، سيكون على دُول أخرى أن تبدأ تقريبا من المربّـع رقم واحد، كالسودان، التي يبدو أنها بدأت التراجع سريعا بعد إعلان الرئيس البشير في طهران عن نواياه النووية، التي غالبا ما كانت مدفوعة بعوامل سياسية.

المشكلة الحقيقية تأتي من تفاوت الإمكانيات في حالة الدولة الواحدة، فإذا كانت عملية إقامة برنامج نووي تتطلّـب مثلا دعما سياسيا وكوادر فنية وقدرات مالية وتقبلا دوليا، فإن توافر المنظومة كلها لا يتيسّـر في كثير من الأحوال.

فالدول التي تتمتع بقدرات مالية، ليست لديها كوادر فنية، والعكس صحيح أحيانا، وفي حالة توافر العاملين نِـسبيا، كما هو الحال بالنسبة للجزائر، تتدخّـل عوامل كالقلاقل الداخلية أو حساسيات الجوار في الصورة، وفي حالة دولة مثل المغرب، يبدو البرنامج في حاجة إلى بنية وموارد أقوى مما هو متوافر، لذلك، فإن التدقيق في عناوين الاتفاقات النووية الدولية التي جرت حتى الآن في كل الحالات تقريبا، والتي نشطت خلالها فرنسا على ساحة شمال إفريقيا لبدء تعاون نووي مع ليبيا والمغرب وتونس والجزائر، وكذلك الاتفاقات التي جرت مع الولايات المتحدة، يشير إلى أنها تتعلّـق بتفاهمات حول مساعدات فنية، فلم يحدّد أحد نوعية مفاعلاته حتى الآن.

الخطوات الصعبة

إن قواعد اللّـعبة قد تغيّـرت بالفعل، كما أكد العاهل الأردني، لكن ليس تماما، فالموافقات التي حصلت الدول العربية عليها دوليا لا تزال قَـيد الاختبار، وكل تحركات “الموردين النوويين” المستعدين للتعاون مع دول المنطقة، لا تزال مبدئِـية، فربّـما تظهر توجّـهات جديدة مع الوقت، وربما يتِـم الضغط على بعضها لتوقيع البروتوكول الإضافي لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما يتقاعس الشركاء في وقت ما.

فمن الصحيح أن كل الدول العربية تقريبا تحاول الاستفادة من الدرس الإيراني بصورة ما، فلم يتحدّث أحد عن تخصيب اليورانيوم محليا كمصدر للوقود، بفعل الحساسيات الفنية، وهو ليس اقتصاديا على أي حال في تلك المراحل المبكرة، رغم أن بعض الدول بدأت في الإشارة إلى وجود كِـميات هائلة لديها منه، كالأردن وليبيا والجزائر والمغرب.

كما أن الجميع يدركون أن إثارة متاعِـب سياسية قد توقّـع المفاعلات العربية في “مأزق بوشهر”، وهو مفاعل الطاقة المدني الوحيد حاليا في المنطقة، والذي استغرقت عمليات بنائه حوالي 32 سنة حتى الآن، ولم يعمل بعد، رغم أن الشريك الخارجي هو روسيا الاتحادية المستقلة القادرة على مناوأة الآخرين وقت الحاجة.

إن معظم الدول العربية تحاول نِـسيان القِـصص السياسية، فهي ترغب بجدية في امتلاك برامج طاقة للتعامل مع صدمة المستقبل النفطية، بعيدا عن أوهام السلاح النووي، لكنها لن تتمكن من تجنّـب فكرة أن هناك قرارات كبيرة سيكون عليها أن تتّـخذها، فيما يتعلق بطِـرازات المفاعلات وتمويل البرامج والأمان النووي والنفايات النووية والشركاء الخارجيين وغيرها، وهنا سيأتي دور العوامل الداخلية.

إن المنطقة العربية سوف تشهد بالتأكيد ظهور مفاعلات طاقة نووية في المستقبل، كما حدث بالجوار في إيران، وقد يحدُث في حالة تركيا، وربّـما إسرائيل، لكن هناك أسئلة كبيرة تُـحيط بكل ذلك، وسيتوقّـف مستقبل برنامج كل دولة على مدى الجدية و”مستوى الكفاءة” التي ستدير بها شؤونها النووية في الفترة القصيرة القادمة، فالبدايات ستُـحدد مَـن سيستَـمر ومَـن سيعود إلى قواعده آمنا مرّة أخرى.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

القدس (أ ف ب) – عبر وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان عن مخاوفه من برامج نووية مصرية معتبرا انها ستشكل “سيناريو لكارثة رهيبة” لاسرائيل.

وحذر زعيم حزب “اسرائيل بيتنا” اليميني المتطرف للناطقين باللغة الروسية من أنه “إذا بدأت مصر والسعودية برنامجا نوويا فان ذلك يمكن أن يؤدي الى سيناريو كارثة رهيبة بالنسبة لنا”.

وأضاف أن “نواياهما يجب ان تؤخذ على محمل الجد وتهدف الى تحضير العالم لما ستفعلانه”.

من جهة أخرى قال ليبرمان أن عدم الاستقرار السياسي في باكستان يشكل تهديدا كبيرا لاسرائيل نظرا إلى أن هذا “البلد يمتلك السلاح النووي وصواريخ يمكنها أن تجهز بشحنات نووية”.

وأضاف “في حال سيطر الطالبان أو اسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة) عليها فانهم سيمتلكون اسلحة نووية لاستخدامها في اعمالهم الارهابية في وقت لا يخفون فيه نواياهم (التدميرية) حيال اسرائيل”.

وأعلن الرئيس المصري حسني مبارك في 29 تشرين الاول/اكتوبر ان مصر ستمتلك محطات نووية مدنية عدة مطلقة بذلك برنامجا جمد منذ عشرين عاما بعد كارثة تشيرنوبيل في 1986.

وأتى هذا الاعلان رغم انه لا يشكل مفاجأة في اجواء مثقلة بالتوتر بسبب الملف النووي الايراني وبعد غارة اسرائيلية في ايلول/سبتمبر على سوريا على موقع افادت تقارير انه يشتبه في انه يضم نشاطات نووية.

وأعلنت ست دول خليجية بينها السعودية وكذلك اليمن والاردن وليبيا والجزائر في وقت واحد تقريبا منذ عام انها تريد امتلاك برنامج نووي مدني.

وإسرائيل لم تعترف يوما رسميا بانها تمتلك السلاح النووي لكنها المحت الى ذلك. ويقول خبراء دوليون ان اسرائيل تمتلك على الارجح حوالى 200 رأس نووية. وهي الدول الوحيدة في الشرق الاوسط التي لم توقع على معاهدة حظر نشر الاسلحة النووية.

وليبرمان معروف بتصريحاته النارية. فخلال الحملة الانتخابية في 2001 دعا الى شن هجمات وقائية على ايران وتحدث عن امكانية ان تدمر اسرائيل سد اسوان في حال نشوب حرب مع مصر اول دولة عربية وقعت السلام مع اسرائيل العام 1979.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 9 نوفمبر 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية