الأزمة المالية: “خـُطط إنقاذ تتجاهل مصالح الدول الفـقـيرة”
أشاد كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في نهاية الأسبوع المُنصرم بالتقدّم الذي أُحرز على نطاق تنسيق الجهود الدولية من أجل مواجهة الأزمة المالية، لكن مجموعة الدول العشرين والمنظمات غير الحكومية تقول إن تلك الجهود لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول النامية.
فبعد ثلاثة أيام من المناقشات الماراتونية في واشنطن ثم في باريس، إستطاعت الدول الصناعية إحراز تقدم واضح في مواجهة الأزمة المالية، وإقتراح إجراءات إستثنائية لإنقاذ المصارف والبنوك من الإنهيار، وتقديم الضمانات الكافية لحماية ودائع المدخرين.
ورحّب السيد دومينيك ستروس – خان، رئيس البنك الدولي، بهذه التدابير قائلا: “هذه الإجراءات جاءت نتيجة تعاون وتنسيق، وهي إجراءات عملية ومفصلة. وبالتالي نستطيع القول أن كل البلدان تقريبا ستستفيد من خطط الإنقاذ هذه”.
هذا التقييم لا تشاركه فيه الدول السائرة في طريق النمو، التي تخشى أن تعود فوائد هذه الجهود على الدول الصناعية فقط. ومن هنا طالبت مجموعة العشرين، التي تضم دولا مثل تركيا والبرازيل والمملكة العربية السعودية، أن تنص خطط الإنقاذ على تعويضات “للدول البريئة” على حد عبارة وزير المالية الكيني جون ميشوكي.
وقال وزير الاقتصاد البرازيلي غيدو مونتيغا الذي ترأس بلاده مجموعة العشرين: “إن الإدعاء بانحصار عدوى الأزمة المالية في دائرة البلدان الصناعية غير صحيح. نحن نواجه أزمة مالية عالمية تعاني منها كل الدول”.
الأضرار الجانبية للأزمة المالية
هذا الشعور بعدم الرضا تقاسمته عدة منظمات غير حكومية رأت أن المصاعب التي تمر بها الدول النامية قد وُضعت على هامش أجندة المؤسسات المالية العالمية، التي تحوّل كل اهتمامها أخيرا إلى معالجة الأزمة المالية في البلدان الغنية.
وجاء في بيان صادر عن “أوكسفام”، وهو إئتلاف للأعمال الخيرية ومكافحة ظواهر الفقر، تعليقا عن المؤتمر السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي انعقد نهاية هذا الأسبوع: “المؤتمر يقترح حلولا في منتهى السُّـخرية للبلدان الفقيرة. فقادة العالم يعترفون بتفاقم أزمة الفقر في الدول النامية، لكنهم يتجاهلونها في النهاية”.
وورد أيضا في البيان الذي نقلت وكالة الأنباء الفرنسية AFP مقتطفات منه: “في الوقت الذي تحشد فيه البلدان المتقدمة 1000 مليار لإنقاذ المصارف من الإفلاس، تعجز عن توفير 1% من ذلك المبلغ لإعانة الدول الفقيرة لتجاوز أزمة الغذاء التي يعاني منها الملايين من البشر”.
إسراع الدول الصناعية في دعم البنوك ترجعه السيدة أنّا كاترين غلاس، الكاتبة للشؤون السياسية بمنظمة “إعلان برن” في حديث إلى سويس إنفو: “إلى خضوع الحكومات الغربية لضغوط القاعدة الإنتخابية التي يتكون أغلبها من المودعين الصغار، وليس في هذه البلدان قاعدة إنتخابية مشابهة للضغط من أجل البلدان الفقيرة”.
وترى كاترين غلاس أن الدول الفقيرة ستتأثر إلى حد بالغ بهذه الأزمة “لأن حركة رؤوس الأموال لا تعترف بالحدود الجغرافية، والإقتصاد الدولي مُعولم، وسيكون من العدل، لمواجهة هذا النوع من الأزمات، إنشاء مؤسسة دولية لتنظيم وتقنين الأسواق المالية الدولية”.
أما منظمة “وان”، منظمة غير حكومية مناهضة للفقر المُدقـع، فهي تأسف في بيان لها: “لكوننا في الوقت الذي نغذّي البنوك بالمزيد من رؤوس الأموال، ننسى ونتجاهل الأفواه التي تفتقر إلى الغذاء.
وتحذّر هذه المنظمة من أن “المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة في مجال مكافحة أمراض نقص المناعة،والمالاريا، وتمدرس الأطفال، هي الآن في خطر بسبب الأزمة المالية العالمية”.
وتتوقع هذه المنظمة الإنسانية أن “تترك هذه الأزمة المالية آثارا بالغة على القارة الإفريقية، وذلك من خلال تراجع الطلب على المنتجات الإفريقية، ونقص المبالغ المالية التي يرسلها عادة المقيمون في الدول الغنية إلى ذويهم في الدول الفقيرة، وتراجع فرص الحصول على مساعدات ومنح”.
إصلاحات غير كافية
وخلال مؤتمره السنوي الذي انعقد يوم الأحد 12 أكتوبر الجاري، قرر البنك الدولي منح بلدان جنوب الصحراء مقعدا إضافيا بمجلس إدارته، ويدخل هذا الإجراء حيز النفاذ سنة 2011.
وأضاف البيان الصادر في ختام المؤتمر: “ستتعزز حقوق التصويت بالنسبة للبلدان النامية داخل البنك الدولي في المستقبل من أجل السماح لها بالمشاركة الفاعلة في آليات إتخاذ القرار”.
لكن هذه الإصلاحات المقترحة، تراها المنظمات غير الحكومية غير كافية ولا تعبّر عن رغبة جدية في الإصلاح. وتقول منظمة أوكسفام “إن التغييرات المقترحة ضمن مجلس إدارة البنك الدولي هي عبارة عن خطوة قزم، في حين تحتاج هذه المؤسسة إلى خطوة عملاق”.
وتضيف المنظمة قائلة: “تحتكر أوروبا ثلث الكعكة داخل هذه المؤسسة الدولية، ولا تستفيد منها البلدان الناميةإلا الفتات. ومن أجل إصلاح حقيقي، لابد أن يتاح للبلدان الفقيرة عدد أصوات شبيه بعدد الأصوات التي تتمتع به البلدان الغنية”.
أما السيدة أنّا كاترين غلاس، الكاتبة للشؤون السياسية بمنظمة “إعلان برن”، فترى ألا فائدة من هذه الإجراءات “ما لم تؤد إلى تغيير جوهري على مستوى النظام المالي العالمي، وما لم تؤد إلى تغيير حقيقي في مستوى الرؤية الإقتصادية السائدة”.
وتضيف هذه السيدة في عبارات مناهضة للعولمة: “علينا مكافحة النهج الليبيرالي الجديد الذي تعتمده المؤسسات المالية الدولية في دعوتها إلى تحرير التجارة العالمية، وإلغاء الرسوم الجمركية أو الإجراءات التي تحمي المنتجات المحلية في البلدان الفقيرة”. أما المطلوب من وجهة نظر أنّا كاترين فهي “إجراءات حقيقية تغير الرؤية والإطار المتحكميْن في الإقتصاد العالمي”.
ومن مجموع 24 عضوا بمجلس إدارة البنك الدولي، لا تملك القارة الإفريقية سوى مقعديْن. ولا يبدو أن تغييرا حقيقيا ستشهده هذه المعادلة قريبا.
سويس إنفو – عبد الحفيظ العبدلي مع الوكالات
يمكن تلخيص أبرز القرارات التي توصل إليها إجتماع باريس الذي خصص لدراسة الأزمة المالية العالمية يوم الأحد 12 أكتوبر 2008 في النقاط التالية:
العمل على إنعاش المعاملات المالية بين المصارف والبنوك من أجل تجاوز المخاوف التي تمنع البنوك من منح القروض، وفي هذا الإطار تلتزم الحكومات في البلدان المشاركة في توفير الضمانات الضرورية لتلك القروض. وتمتد هذه الضمانات لخمس سنوات، انطلاقا من يناير 2009.
إلتزام الحكومات بتعزيز رؤوس أموال البنوك من أجل أن تواصل المصارف القيام بدورها في تمويل الإقتصاد عبر تقديم القروض للشركات وللخواص. وللوصول إلى ذلك، تعتزم الدول إمتلاك أسهم في رؤوس أموال البنوك. وسيتم هذا في إحترام تام لقوانين السوق، وبحسب الأوضاع المالية لكل مصرف.
إعادة تجديد رأس مال البنوك التي تواجه مصاعب، وفي هذا الإطار، تلتزم الحكومات بمنع إفلاس المؤسسات المالية التي يمكن أن تنجر عنها أزمات إقتصادية لاحقا. وتقول الحكومات إنها تفعل ذلك لحماية مصالح المُكلفين (دافعي الضرائب)، ولتقديم ضمانات لأصحاب الودائع.
التخلي عن معايير المحاسبة الجديدة التي تفرض على الشركات تقييم أسهمها بحسب أسعار السوق، وليس على أساس أسعار الشراء. ويُنظر إلى هذه المعايير الجديدة على أنها سبب إضافي لتكريس الأزمة.
تعزيز علاقات التعاون بين بلدان الإتحاد الأوروبي، فالحكومات تريد تعزيز عمليات تبادل المعلومات بين بعضها البعض، ويُؤمل أن تنجح القمة الأوروبية القادمة يوما الأربعاء والخميس في تحسين آليات “إدارة الأزمة”.
تماما مثل البنك الدولي، أسس صندوق النقد الدولي سنة 1945.
يهتم هذا الصندوق تحديدا بالتعاون الدولي في المجال المالي، ويعمل من أجل ضمان إستقرار الأسواق المالية، وتجنب الأزمات الإقتصادية.
يبلغ عدد أعضاء صندوق النقد الدولي 185 بلدا، ويساهم كل بلد في رأسمال المؤسسة بحسب حجم اقتصاده.
ويتمتع كل بلد بعدد من الأصوات يتناسب وحجم مساهمته في صندوق ورأسمال المؤسسة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.