مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“البنوك السويسرية لم تتصرف كما يجب”

Keystone

بعد الكشف عن قضية التجسس الأمريكي على آلاف التعاملات المصرفية الدولية بمبرر "محاربة الإرهاب"، أثيرت تساؤلات في سويسرا حول فعالية السرية المصرفية.

وأكد الخبير المالي في جامعة زيورخ هانز غايغر لسويس انفو أنه كان يتعين على المصارف السويسرية إبلاغ حرفاءها بأن قوانين السرية المصرفية لم تكن تحمي تحويلاتهم الدولية.

قلـل أكبر بنكين سويسريين، وهما اتحاد المصارف السويسرية “UBS” ومجموعة “كريدي سويس”، من أهمية حادث تجسس وزارة الخزانة الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إي” طوال خمسة أعوام على آلاف التحويلات المالية الدولية التي تديرها شركة الاتصالات المالية العالمية “سويفت” (SWIFT) التي يوجد مقرها في بروكسل.

وأوضح المصرفان السويسريان، وهما عضوان في مجلس إدارة “سويفت”، أن تحقيقات وكالة الاستخبارات الأمريكية ارتبطت بمعطيات محدودة فقط. وفي تصريحات لسويس انفو، قال اتحاد المصارف السويسرية وجمعية المصارف السويسرية إن عمليات المراقبة التي قامت بها “سي آي إي” لم تسئ لمبدأ السرية المصرفية المعمول به في الكنفدرالية.

لكن لجنة الرقابة المالية السويسرية وصفت ذلك التصرف بــ”الكيل بمكيالين”. وعبر عن نفس الاستياء من تصرف البنكين السويسريين الأستاذ هانس غايغر، الخبير المالي في معهد المصارف السويسرية التابع لجامعة زيورخ، الذي أجرت معه سويس انفو الحوار التالي:

سويس انفو: ما هي دلالات عمليات المراقبة التي أجرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية بالنسبة لحرفاء المصارف؟

هانس غايغر: إن اطلاع وكالة الاستخبارات الأمريكية على قاعدة البيانات الرئيسية لجمعية “سويفت” ووصولها إلى هذا النوع من المعلومات مُثير للصدمة.

إن “سويفت” تُمثل القلب النابض التكنولوجي للصّيرفة الدولية. فالأمر لا يتعلق فقط بالدفعات المالية، بل بتحويلات السندات المالية والتبادلات الأجنبية، وكل شيء. عندما تأمر بتحويل مالي دولي، يجب أن تذكر المبلغ وإسم كل من الراسل والمتلقي ورقم حسابهما البنكي لإجراء عملية التحويل.

لكن ما أثار صدمتي حقا هو أن يقرأ الحرفاء هذه المعلومات في وسائل الإعلام وعدم توصلهم بها مُسبقا من قبل مصرفهم.

سويس انفو: ماذا كان يتعين على المصارف القيام به في هذه الحالة؟

هانز غايغر: لا أعلم عدد البنوك الذين علموا بهذا الأمر، لكن كان يجب على المصارف التي علمت بذلك إبلاغ حرفاءها – وذلك دون الإشارة إلى عملية وكالة الاستخبارات الأمريكية – بأنه إذا ما قاموا بتحويلات خارج سويسرا، فإن المصارف السويسرية لا تتمتع بأية صلاحيات قانونية لفرض السرية.

وإذا لم يكن بوسعها التأثير في تصرفات الوكالات الأجنبية، كما حصل في هذه القضية، فإنه كان يتعين عليها، على الأقل، إبلاغ حرفاءها بأن الأمور لا تسير كما يعتقدون. كان هذا سيعطي الإشارة على الأقل بأن السرية المصرفية السويسرية نسبية قليلا.

قول الحقيقة هو أفضل دائما من قول ما يريد الشخص سماعه وإعطاءه شعورا إزاء شيء سيتبين لاحقا أنه خطأ.

سويس انفو: لقد علم الناس بالتأكيد بأن عمليات المُراقبة تمت بالفعل؟

هانس غايغر: إن المصارف كان بإمكانها أن تتوقع، إلى حد معقول، أن الحرفاء سيعلمون أن بياناتهم تغادر البلاد عندما يقومون بتحويل مالي إلى الخارج. لكن لم يكن من المتوقع أن يعلم الزبون بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية تشاهد تلك البيانات حتى وإن كان العميل غير مشتبها.

في إطار قوانين محاربة غسيل الأموال، يتعين على المصارف الكشف عن تفاصيل أية تحويلات مشبوهة إلى مؤسسة خارجية. وكانت البنوك حريصة جدا على إعلام الحرفاء بذلك، لكنها لم تقل لهم شيئا يذكر عن نوع المراقبة الذي أجرته وكالة الاستخبارات الأمريكية.

سويس انفو: لكن البنوك قللت من شأن عملية وكالة الاستخبارات الأمريكية…

هانس غايغر: من الناحية القانونية، لا يبدو أن هذه المراقبة عرضت السرية المصرفية السويسرية للخطر. لكن إذا كنتم عميلا لبنك سويسري، فستشعرون بأن هذا الأمر له علاقة كبيرة بالسرية ولئن كان المحامون يقولون أشياء مخالفة.

إن الطريقة التي تقدم بها سويسرا نفسها كمركز للسرية المصرفية تخلق الانطباع بأن أولى الأولويات هي حماية سرية الزبون.

سويس انفو: هل سيؤثر هذا على نزاهة المصارف السويسرية؟

هانس غايغر: قد لا يكون الأمر بهذه الحدة لأن القضية تؤثر على كافة المصارف حول العالم. فهنالك 8000 بنك عضو في جمعية “سويفت”، والسويسريون ليسوا متضررين أكثر من الآخرين.

بالتأكيد، هنالك شعور بأن المصارف السويسرية محمية أكثر من غيرها، لكنني أعتقد أن البنوك السويسرية ستتابع ذلك إلى أن يذهب بعيدا.

سويس انفو: كيف قد يؤثر ذلك على مستقبل السرية المصرفية؟

هانس غايغر: لقد تنبأ الناس منذ فترة بأن تآكل السرية المصرفية أمر لا مفر منه، ليس بسبب الخدمات السرية وإنما لأسباب تكنولوجية.

إن حماية الخصوصية تعاني في ظل الانترنت والمجتمع العالمي المتكامل والمتشابك. وهذا التحول الأخير ليس إلا قطعة إضافية من الفسيفساء.

سويس انفو – ماتيو آلن – زيورخ

(نقلته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

“شركة الاتصالات المالية العالمية بين المصارف” (سويفت) هي تعاونية تأسست عام 1973 ويوجد مقرها ببروكسل في بلجيكا.
تدير “سويفت” نظاما مؤمنا لنقل الإرسليات الإلكترونية بين المصارف حول العالم، ويلجأ لهذه الخدمة حوالي 7800 مؤسسة مالية، بما فيها المصارف ووكالات السمسرة والاستثمارات، للتواصل مع شركائهم في أكثر من 200 بلدا.
قال متحدث باسم “سويفت” إن هذه الشبكة تدير يوميا حوالي 9 مليون بيانا يتضمن تعليمات أو تأكيدات لتحويلات مالية بقيمة تقارب 6 تريليون دولار (7,5 تريليون فرنك سويسري).
في سويسرا، يتعامل 99 مصرفا و254 مؤسسة مالية مع شركة “سويفت”، وتصل قيمة التحويلات المالية لـ200 بليون فرنك.
تتكون هيئة إدارة “سويفت” من 25 ممثلا عن مؤسسات مالية من بينها مؤسستان سويسريتان.
نائب المدير هو ستيفان تسيمرمان، من اتحاد المصارف السويسرية (UBS)، وإيف ماس من مجموعة “كريدي سويس”.

كشفت صحيفة نويورك تايمز يوم 23 يونيو الماضي عن مراقبة وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إي” للتحويلات والتعاملات المالية الدولية التي تمر عبر شركة “سويفت” على مدى 5 سنوات.

قالت جمعية المصارف السويسرية إنها “فوجئت باكتشاف عمليات المراقبة الجارية”.

من جهته، عبر السيد هانس بيتر تور، المفوض الفدرالي لحماية المعطيات، عن انشغاله واعتبر أنه لا توجد أية قاعدة قانونية لتحويل معلومات تخص حرفاء وأنه يجب إعلامهم بذلك. فيما قال البنك الوطني السويسري إنه “لا يملك أي سلطة رقابة قانونية في بلجيكا”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية