ضغوط الفرنك القوي تُـلاحـق الشركات السويسرية في السوق الداخـلية
باتت الصناعات التصديرية السويسرية - التي تمر أصلا بمرحلة صعبة - في مواجهة واقع جديد يتمثل في استغناء الشركات التحويلية عن منتجاتها في داخل سويسرا كما في خارجها بسبب الفارق في الأسعار.
فالعديد من الشركات السويسرية التي تصدّر منتجاتها إلى بلدان منطقة اليورو تحصل على قطع الغيار التي تحتاجها من السوق المحلية. لكن قطاع الهندسة الميكانيكية والكهربائية يستعد لمواجهة سيل من الواردات ذات الأثمان البخسة، في فترة يستفيد فيها الأجانب من مزايا أسعار الصرف.
ورغم أنه من المحتمل أن يكون خفض الأسعار في صالح بعض البائعين، وربما كذلك أيضا بعض المستهلكين، فإنه يمكن أن يؤدي كذلك إلى مزيد من المتاعب بالنسبة للصناعات المحلية، ويعجّل بفقدان المزيد من العاملين لوظائفهم.
من ناحيته، أطلق جوزيف موشارت، المدير التنفيذي لشركة Fraisa العاملة في مجال الآلات الميكانيكية الدقيقة تحذيرا خلال كلمة له أمام المؤتمر الذي نظمته الرابطة السويسرية لصناعة الآلات والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2011.
وأوضح موشارت في تصريح إلى swissinfo.ch أن “هذه مشكلة لم تحظ باهتمام كاف، وحتى الآن لم تخفض الشركات المروّجة لمنتجات اجنبية في البلاد أسعارها بشكل كبير. ولكن إذا ما استمرت معدلات سعر صرف العملة على هذه الحال لمدة أطول، فإنها سوف تستغل ذلك لصالحها، وسوف تقوم بخفض أسعارها في سويسرا”. وأضاف: “عندئذ سيكون على الشركات السويسرية أيضا اللجوء إلى خفض الأسعار نتيجة لذلك”.
ظلال من الشكوك تخيم على قطاع الوظائف
لمواجهة احتمال حصول تماثل في القيمة بين الفرنك واليورو، اضطر المصرف الوطني السويسري في شهر سبتمبر 2011 إلى اتخاذ جملة من التدابير للإبقاء على سعر صرف اليورو الواحد عند معدّل 1.20 فرنك، وهو ما نجح في تحقيقه حتى الآن، لكن رجال الأعمال واصحاب الشركات يشتكون من أن منتجاتهم قد فقدت الكثير من قدرتها التنافسية في الاسواق الأوروبية رغم تلك الخطوة.
ويحذّر هانس هيس رئيس الرابطة السويسرية لصناعة الآلات والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية من أن 10.000 موطن شغل مهددة في هذا القطاع إذا ما استمر ارتفاع أسعار المنتجات السويسرية بنسبة تتراوح بين 10% و15% مقارنة بأسعار المنافسين لها في البلدان الاوروبية.
وأضاف هيس في حديث إلى swissinfo.ch: “علينا أن نعمل من أجل تضييق هذه الفجوة إما مباشرة عن طريق تسريح العمال، او ترحيل مشروعاتنا إلى البلدان المجاورة، وهو ما من شأنه أيضا أن يؤدي إلى فقدان فرص عمل في سويسرا”.
وإلى حد الآن تجنبت شركة Fraisa تسريح العمال بفضل العقود طويلة الامد التي سبق أن أبرمتها مع شركائها الأوروبيين والتي تنص على معدّل لصرف العملة بقيمة 1.34 فرنك لليورو الواحد، لكن موشارت توقّع تراجع الأرباح بنسبة 40% قبل استخلاص الضرائب وفوائد المدفوعات بالنسبة لعام 2012 عندما تنتهي آجال العقود بحلول موفى هذه السنة.
كما توقّع موشارت أن تتقلص هوامش الأرباح بنسبة 50% في السوق السويسرية مع انخفاض الأسعار. وتزوّد Fraisa حرفائها بقطع غيار لصانعي الساعات، ولصانعي المعدات الطبية، والتجهيزات المختلفة، بما في ذلك قطع الغيار الخاصة بصناعة الطائرات.
أزمة الإئتمان
لمواجهة الخسائر المتوقعة، تقوم Fraisa حاليا باستثمار 18 مليون فرنك سويسري في ابتكار تقنية جديدة سوف تجعل العملية الإنتاجية أكثر نجاعة وجدوى. كذلك تدرس هذه الشركة إمكانية خفض ساعات عمل موظفيها في سويسرا البالغ عددهم 210، أو ترحيل المزيد من أنشطتها الإنتاجية إلى ألمانيا أو المجر، وهي عدوى سوف تعمل على تجنّبها ما أمكن ذلك.
لكن يمكن أن تطال هذه الشركة، وإن بشكل غير مباشر، أزمة القروض الإئتمانية إذا ما ازدادت أزمة الديون في أوروبا سوءً. ورغم ان المسؤولين في هذه الشركة لا يتوقعون حصول ازمة من هذا القبيل في سويسرا على حد قول موشارت، فإنه لا يمكن استبعاد حصول ذلك بالنسبة للشركاء في البلدان الأوروبية الأخرى.
وأوضح موشارت أن “المصارف الأوروبية الكبرى وعدت بزيارة رساميلها في ما يتعلّق بحجم الإئتمان” لكنه أضاف أن “ما نخشاه هو أنلا تكتفي هذه البنوك بزيادة حجم السيولة لديها، بل أن يترافق ذلك بخفض حجم ائتماناتها، وأن يصبح من الصعب على الأطراف المورّدة لمنتجاتنا الحصول على قروض”.
من جهة أخرى، أكد موشارت أنه توجد اشارات قوية تفيد بأن شركاء في إيطاليا وهنغاريا سوف يواجهون معضلة في هذا المجال خلال العام المقبل.
الأرقام تميل إلى الأسوء
في سياق متصل، كشف مسح شمل أعضاء الرابطة السويسرية لصناعة الآلات والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية أن 36% من الشركات تشارف حاليا على ولوج عتبة مرحلة صعبة بسبب الفرنك القوي. فقد تراجعت أسعار الصادرات بمعدّل 4.8% خلال الأشهر التسع الأولى من هذا العام، في محاولة للتعويض عن أسعار الصرف غير المناسبة.
وفي الوقت الحاضر، تشير ثلثا الشركات إلى أن القيمة المبالغ فيها للعملة السويسرية قد أثّرت سلبا وبقوة على أعمالها مقابل 50% فقط بحسب إستطلاع سابق أنجز في شهر فبراير 2011.
وفيما تكرّر رابطة صناعة الآلات والتجهيزات دعوتها المصرف الوطني السويسري إلى العمل من أجل مزيد تقليص قيمة الفرنك مقابل اليورو، حثت الحكومة على منح حوافز طويلة الأجل مثل خفض الضرائب، وزيادة تحرير قطاعات الطاقة. ونفى هيس أن يكون القطاع الخاص بصدد المطالبة بدعم القطاع العام من أجل بقائه، وشدد على أن كل ما تم حتى الآن هو المطالبة بتدخل الحكومة لمنح الشركات فرصة من أجل التقاط الأنفاس.
وأضاف رئيس رابطة صناعة الآلات والتجهيزات: “لو كانت المشاكل التي نواجهها اليوم جزء من اتجاه طويل الأمد على مدى العقد الماضي مثلا، يمكن أن نتفهّم الموقف المنتقد لمطالبة الشركات بتدخل الدولة لإنقاذها، لكن ما نشهده هو ارتفاع مفاجئ وسريع لقيمة الفرنك خلال فترة قصيرة جدا”. واختتم هيس قائلا: “كل ما نطالب به هو أن توفّر الحكومة الظرف المناسب الذي يمنحنا الوقت الكافي لحل هذه المعضلات”.
صناعة الآلات والتجهيزات الميكانيكية: كشف إستطلاع للرأي شمل 280 شركة تمثل 28% من مجموع أعضاء الرابطة السويسرية لصناعة الآت والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية أن ثلث تلك الشركات تعاني من خسائر بسبب الفرنك القوي.
قال أكثر من 50% من تلك الشركات أن هامش الربح قد تقلص بنسبة 6%، وراوا في ذلك خطرا على هذه الصناعات.
يقول ثلثا الشركات التي شملها المسح أن “صناعاتهم تأثرت جدا” بسبب الفرنك القوي، مقابل 54% فقط خلال فبراير الماضي.
ينتظر ثلث هذه الشركات تراجع الطلب على سلعها في المستقبل القريب مقابل 14% فقط في فبراير الماضي.
نحو 17% من الشركات اضطرت فعلا إلى خفض عدد موظفيها، وتقول 28% من هذه الشركات أنها تخطط لفعل ذلك في المستقبل القريب.
رابطة صناعة النسيج تطالب باتخاذ تدابير إضافية:
في أعقاب النداء الذي توجهت به يوم 15 نوفمبر 2011، دوائر صناعة الآلات الميكانيكية، إلى المصرف الوطني السويسري لتقلليص قيمة الفرنك تكررت الدعوة يوم الأربعاء 16 نوفمبر من طرف رابطة دوائر النسيج السويسرية لنفس الغرض.
في الأيام الأخيرة ظلت قيمة الفرنك تتراوح بين 1.23 و1.24 بعيدا عن مستوى التماثل في القيمة (تقريبا) الذي حققه الفرنك في بداية شهر أغسطس 2011.
وفي بيان صدر يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2011 طالبت رابطة صناعة النسيج السويسرية بتدخل المصرف الوطني السويسري لتثبيت قيمة الفرنك عند 1.35 مقابل اليورو الواحد. وأكدت الرابطة الممثلة لهذا القطاع على أن “استمرار الإرتفاع المشط في قيمة الفرنك ينال من القدرة التنافسية” للشركات السويسرية.
إضافة إلى ذلك، تضمّن البيان تحذيرا من أن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى فقدان المزيد من مواطن الشغل، وقد خسر القطاع حتى الآن 200 موطن شغل، كما تراجعت الصادرات بحوالي 8% خلال الأشهر الثلاث الأولى من النصف الثاني من هذا العام.
ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، تواجه عملية التجديد والإبتكار في القطاع بعض العراقيل، كما تخيم عليه مخاطر ترحيل المشروعات إلى بلدان أخرى أقل كلفة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.