مبادرة لتوحيد أنظمة التعليم في سويسرا
ما أن أعلن الحزب الراديكالي عزمه على طرح مبادرة لتوحيد أنظمة التعليم السويسرية حتى قامت الدنيا ... ولم تقعد بعد!
بعض الناقدين أتهم الحزب ب”الانتهازية السياسية”، أما بعض الكانتونات فقد وصفت المقترح ب”التدخل الصارخ” في شئونها.
الغريبُ عن سويسرا وغيرُ المطلع على طبيعة أمورها سيصاب بالتأكيد بالدهشة عند سماعه عن الضجة التي أثارها مقترح الحزب الراديكالي.
هو سيواجه بأمرين قد يكونان غائبين عن علمه: أولهما أن النظام التعليمي في سويسرا غير موحد، وأن الدعوة إلى توحيده تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، ولكنها كانت دائما ما تنزل على أذان “غير راغبة” في السماع.
تدعو المبادرة، التي أعلن الحزب الراديكالي يوم الأحد الموافق 17 أكتوبر عن رغبته في طرحها على الناخبين في استفتاء شعبي، إلى توحيد أنظمة التعليم في سويسرا.
وبصورة أكثر تحديدا فإن الحزب يريد خط سياسات موحدة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بسن الدخول إلى المدرسة، وسن انتقال التلميذ من مرحلة دراسية إلى أخرى، وسن البدء في تعلم لغة أجنبية أولى، وتوحيد المناهج التعليمية خاصة فيما يتعلق بمادة اللغة الأجنبية الأولى، وتعميم منح الطلاب علامات دراسية على أدائهم التعليمي.
كل على هواه!
ما تكشف عنه المبادرة تحديداً هو أن سويسرا لا تحوز على سياسة تعليمية موحدة. فالنظام الفدرالي الذي تقوم عليه الكنفدرالية أدى في تداعياته إلى احترام مطلق لحق كل كانتون في سويسرا، المكونة من 26 كانتونا، في تشكيل نظامه التعليمي.
وهو ما يعني واقعيا وعمليا تواجد 26 نظاماً تعليمياً في سويسرا، هذا إذا تجاهلنا الفروقات القائمة بين مدارس كل بلدية وأخرى ضمن نفس الكانتون!
بطبيعة الحال هناك أسس تعليمية عامة يجب احترامها في أنظمة تعليم الكانتونات. فعلى سبيل المثال يشير مؤتمر مدراء التعليم في الكانتونات السويسرية في موقعه على الإنترنت إلى القواعد الخاصة بالتعليم الابتدائي حيث “يدخل الأطفال إلى المدارس الابتدائية في حد أدني في سن السادسة. وهي مرحلة دراسية إجبارية ومجانية لكل الأطفال”.
الهدف من التعليم في تلك المرحلة، كما تشير المنظمة التعليمية الرسمية، هو الوصول إلى “علاقة متوازنة بين مقدرات (التلميذ) الاجتماعية والشخصية والتخصصية”. أما مسألة تنظيم وتمويل المدارس الابتدائية فإنها “تقع على عاتق الكانتون بالتعاون مع البلديات”.
مسؤولية الكانتون هذه انعكست على اختلاف طول فترة التعليم الابتدائية. فهي تستمر في 20 كانتون لمدة 6 سنوات، على حين تتفاوت في الكانتونات الست الباقية بين 4 إلى 5 سنوات.
وبصورة أكثر تفصيلاً، تختلف الكانتونات مثلاً في السنة الدراسية التي يتم فيها البدء في تعلم لغة أجنبية الأولى في المدرسة الابتدائية (5 الابتدائية في برن ، 4 الابتدائية في نيوشاتيل، و 3 الابتدائية في فريبورغ).
كما تختلف أنظمتها التعليمية في مسألة الدرجات الدراسية ( جنيف ألغت نظام الدرجات، التيتشينو يتم فيها تقييم التلاميذ بالدرجات في السنة الأولى الابتدائية، وزيوريخ في السنة الثالثة الابتدائية).
دعوة لها ما يبررها!
هذا الاختلاف في الشكل والمضمون التعليمي كان الدافع وراء الدعوة التي أطلقها الحزب الراديكالي. فالمبادرة تسعى إلى تغيير هذا الوضع، وقد تؤدي إلى المطالبة بتجريد الكانتونات من حقها في وضع سياساتها التعليمية، ووضع هذه المسؤولية في يد الحكومة المركزية. إنها ببساطة دعوة إلى مركزية التعليم.
يبرر الحزب الراديكالي مبادرته بأنها أصبحت ضرورية وأنه لا مفر منها. ويقول إن اختلاف وتعدد الأنظمة التعليمية بين كانتونات سويسرا يمثل مشكلة بالنسبة للعائلات التي تضطر إلى تغيير محل إقامتها، وتتنقل بين جهات البلاد.
والأهم أن النظام الحالي أساء إلى مستوى التعليم في سويسرا بصفة عامة. فقد أظهرت دراسة أعدتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (مقرها باريس)، ونشرت نتائجها في عام 2001، أن النظام التعليمي السويسري بدأ يتراجع في مستواه دولياً.
عدا عن ذلك، تقول البرلمانية الراديكالية كريستا ماركفالدر، التي كلفها الحزب بوضع إطار المبادرة، “إن الجدل الذي أثير حول تقديم سن تدريس لغة أجنبية ثانية في المدارس الابتدائية أظهر أن الكانتونات ليست في وضع يسمح لها بالتوفيق بين برامجها التعليمية”.
وتردف قائلة في حديث مع جريدة NZZ الأسبوعية الناطقة باللغة الألمانية “يبدو من الواضح أن الكانتونات تتحمل ما هو فوق طاقتها. ولذلك يجب على الحكومة الفدرالية أن تتولى عملية التنسيق” بينها.
ردود فعل مستاءة وغاضبة!
هناك إذن حاجة إلى التغيير لا ينكرها أحد، ورغم ذلك فإن ردة الفعل التي جوبهت بها دعوة الحزب الراديكالي كانت مستاءة في أحسن تقدير وغاضبة في أسوأها.
الاستياء عبر عنه العديد من المختصين والمسؤولين عن التعليم، الذين اتهموا الحزب ب”الانتهازية السياسية”. فهم لا يجادلون في أهمية إصلاح أنظمة التعليم في سويسرا لأن هذا مطلب “تفرضه مقتضيات بقاء سويسرا وقدرتها على التنافس دولياً” كما يقولون.
لكن السبب الرئيسي لانزعاجهم يعود إلى أن هناك خطة فدرالية لإصلاح عملية التعليم يجري العمل على استكمال جوانبها واستشارة الكانتونات بشأنها، لذلك فهم يستغربون أن يتقدم الحزب بهذه المبادرة في هذا التوقيت بالذات.
في هذا السياق، اعتبرت المتحدثة بإسم المؤتمر السويسري لمدراء التعليم في الكانتونات جابريلا فوكس أن الخطط القائمة للإصلاح التعليمي تعالج كل القضايا الأساسية، وأعربت في الوقت ذاته عن رفضها لفكرة “النظام التعليمي المركزي”. وتقول: “علينا أن نتذكر أنه في سويسرا تمول الكانتونات النظام التعليمي الإجباري بنسبة مائة في المائة”.
رفض الكانتونات ..
ردود الفعل الغاضبة في المقابل، عبرت عنها الكانتونات التي تستميت في الدفاع عن حقها في سن نظامها التعليمي وفقاً لخصوصيتها، والتي أدى رفضها لمبادرة مماثلة للإصلاح عام 1974 إلى عدم تمريرها رغم تصويت الناخبين المؤيد لها.
فعلى سبيل المثال، جاء رد كانتون فو على المقترحات مزيجا من الغضب والسخرية، وهو موقف متوقع يتلاءم مع طبيعة سكان ذلك الكانتون، الذين اشتهروا برفضهم الشديد لكل ما هو مركزي.
وزارة التعليم في الكانتون ردت بلطف وتهذيب ساخرين قائلة: “الفكرة جميلة، ويعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وهناك من يقدمها لنا مرة كل عشرين عاماً”.
أما أرباب العمل في كانتون فو فقد أعربوا عن رأيهم بحدة لا مواربة فيها، حيث قال المتحدث باسمهم كريستوف ريموند “هذه القضية غير قابلة للتفاوض”.
كان السيد ريموند، وهو مدير السياسة العامة في مركز أرباب العمل، قد نشر كتاباً أسمه “تحرير المدرسة” يقول فيه إن المقترح الراديكالي “غير دقيق شكلا، ومرفوض مضمونا”، وأضاف “نحن سنناضل إلى النهاية ضد مركزية النظام التعليمي الذي يظل اختصاصا محلياً(تابعا للكانتون) بالأساس”.
هذا “النضال” سيقف بالتأكيد حجر عثرة ضد خطة الحكومة الفدرالية لإصلاح التعليم، ومبادرة الحزب الراديكالي الداعية إلى مركزيته.
في كل الأحوال، فإن رفض الكانتونات المتوقع لدعوة الحزب الراديكالي سيعوض عنه قبولها بحد أدني من إصلاح التعليم، الذي تتضمنه خطة الحكومة الفدرالية. فالمؤكد أن حتى اشد الكانتونات اعتزازا باستقلاليتها تبدو اليوم مدركة أن دوام الحال على ما هو عليه أصبح .. غير ممكن.
إلهام مانع – سويس إنفو
دراسة المنظمة الأوروبية للتنمية والتعاون الاقتصادي (تختصر البيزا):
صنفت سويسرا في المرتبة السابعة في الرياضيات.
أعطتها درجة منخفضة في مواد العلوم بصفة عامة.
جاء الطلاب السويسريون في المرتبة 17 في مقدرات القراءة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.