مجلس حقوق الإنسان يدين انتهاكات إسرائيل في لبنان
أدان مجلس حقوق الإنسان في جلسته الخاصة انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان مطالبا بإرسال لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق في أنواع الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل
وقبلت الدول الإسلامية إدخال تعديلات على هذا القرار لمطالبة كل الأطراف باحترام القانون الإنساني الدولي، وعارضته الدول الغربية معتبرة أنه “غير متوازن”.
يمكن القول أن مجلس حقوق الإنسان عرف للمرة الثانية منذ ولادته الحديثة في شهر يونيو الماضي إختبارا جديدا عند تطرقه يوم الجمعة 11 أغسطس في جنيف، في جلسة خاصة، للأوضاع في لبنان على ضوء الحرب الجارية بين حزب الله والقوات الإسرائيلية منذ حوالي شهر.
الجلسة التى دعت إليها الدول الإسلامية تطرقت “للحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في لبنان التي سببت نشوءها العمليات العسكرية الإسرائيلية”، كما جاء في التسمية الرسمية.
وقد تمخضت هذه الجلسة الخاصة عن اعتماد مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الإسلامية، المدعمة بالأفارقة والآسيويين ودول أمريكيا اللاتينية، بأغلبية 27 صوتا ومعارضة 11 غالبيتهم من الدول الغربية، وامتناع 8 عن التصويت، من بينهم سويسرا.
المطالبة بتحقيق
مشروع القرار الذي قدمته باكستان باسم 23 دولة عربية وإسلامية “أدان العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان التي تشكل انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان”.
كما أدان القرار “بقوة الهجمات الجوية الإسرائيلية العشوائية والواسعة النطاق، لاسيما على قرية قانا، واستهداف قوات حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في جنوب لبنان”.
وعبر القرار بالخصوص عن “الشعور بالسخط لإستمرار إسرائيل دون عقاب في القتل الجنوني المستمر للأطفال والنساء والمسنين وغيرهم من المدنيين في لبنان”.
وقد أدان قرار مجلس حقوق الإنسان ما ارتكبته إسرائيل في لبنان معددا “قانا، ومروحين، والدوير، والبياضة، والقاع، والشياح، والغازية وغيرها”.
وطالب القرار إسرائيل بـ”الوقف الفوري للعمليات العسكرية ضد السكان المدنيين، والأهداف المدنية، وضرب الهياكل الأساسية المدنية الحيوية”.
ومن القرارات العملية التي نص عليها هذا القرار: إرسال “لجنة تحقيق رفيعة المستوى بصورة عاجلة، تتألف من أصحاب الولاية المناسبة في إطار الإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان، ومن خبراء في القانون الإنسان الدولي”.
وتتمثل المهمة التي حددها مجلس حقوق الإنسان للجنة تقصي الحقائق في: “التحقيق في استهداف إسرائيل بشكل منهجي للمدنيين وقتلهم في لبنان، وفحص أنواع الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، ومدى امتثال أو عدم امتثال هذه الأسلحة لبنود القانون الدولي”.
وحدد المجلس لهذه اللجنة مهلة حتى الفاتح سبتمبر/أيلول 2006 لتقديم نتائج تحقيقها للمجلس.
دعوة لتحمل المسئولية
وركزت الدول العربية والإسلامية التي تعاقبت على منصة مجلس حقوق الإنسان في هذه الجلسة الخاصة على ضرورة تحمل مجلس حقوق الإنسان الفتي “لمسؤولياته أمام التاريخ”. فقد تسائل ممثل لبنان كيف “أن بلدا عانى من الهولوكوست بالأمس يرتكب بدوره مجازر اليوم”.
ممثل فلسطين، السيد محمد أبو الكوش، الذي يعيش شعبه نفس التجربة والذي شارك في تنظيم جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان قبل شهرين تقريبا، طالب بضرورة “دفع إسرائيل الى المحاسبة” معبرا عن “الأسف لكون القرار الذي اتخذه المجلس بخصوص الانتهاكات في فلسطين لم يطبق حتى الآن، لأن السلطات الإسرائيلية لم ترد لحد الآن”، مُستنتجا أن ذلك “يمثل بداية غير مرضية بالنسبة لمجلس حقوق الإنسان”.
ممثل المجموعة العربية في مجلس حقوق الإنسان، السفير التونسي سمير العبيدي، أعرب عن اعتقاده أن “ما ارتكبته إسرائيل ولا زالت ترتكبه في لبنان، وعلى مدة أكثر من ثلاثين يوما، هي جرائم حرب، وترقى في حقيقتها الى جرائم ضد الإنسانية”.
“مجموعات إرهابية ترغب في القضاء على إسرائيل”
البلدان الغربية المدعمة بقلة من البلدان والتي صوتت ضد مشروع القرار انتقدت فيه “نقص التوازن والانحياز لجهة واحدة”، في تلميح الى عدم إدانة ما يقوم به حزب الله.
فقد تحدثت فنلندا باسم الاتحاد الأوروبي معربة عن “الأسف لكون المشاورات لم تسمح بإدخال التعديلات المطلوبة”. وترى دول الاتحاد الأوروبي “أن المشروع المقدم لا يعرض إلا مطالب جهة واحدة، متجاهلا حتى الإشارة إلى أن هناك طرفا آخر في هذا الصراع”.
وقد ذهبت كندا الى حد تسمية حزب الله “بالميليشيا الإرهابية” معتبرة أن “هذا الصراع الذي تحول الى دمار وقتل على نطاق واسع، هو من صنع حزب الله والدول الداعمة له”.
وفي تدخلها امام الدورة الخاصة كبلدان غير عضوة في المجلس، انتقدت إسرائيل والولايات المتحدة مشروع القرار إذ هاجم السفير الإسرائيلي إسحاق ليفانون “الدول الجبانة التي تخوض حروبا على أراضي الآخرين”، في إشارة الى إيران وسوريا.
أما سفير الولايات المتحدة الأمريكية، فقد انتقد انعقاد الجلسات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، معتبرا أن ذلك “غير مفيد وقد يأتي بنتائج عكسية”.
واعتبر السفير الأمريكي وارن تيكونور “أن الصراع الحالي تأجج بهجوم غير مبرر ضد إسرائيل (…) وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”.
ويرى السفير الأمريكي “أن هذه الدورة والقرار المقدم لم يأخذا ذلك بعين الاعتبار”.
تعديلات أدت الى اقتناع أو امتناع
ورأت الدول الإسلامية التي تقدمت بمشروع القرار أن هذا الأخير يمثل أقل ما يمكن أن يقوم به مجلس حقوق الإنسان بالنظر الى ضخامة الانتهاكات المرتكبة في لبنان، بينما رغبت دول، ومن بينها سويسرا، أن يتم تعديله لكي يشمل كل انتهاكات حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي في كلا الطرفين.
وقد قبلت الدول الإسلامية إدخال تعديل على مشروعها الأولي بحيث أضافت “مطالبة كل الأطراف باحترام القانون الإنساني الدولي والكف عن أية اعمال عنف في حق المدنيين في أي ظرف من الظروف، ومعاملة المعتقلين والمدنيين وفقا لمعاهدات جنيف”.
واعتبرت دول مثل روسيا وبعض بلدان أمريكيا اللاتينية هذا التعديل “توازنا مقبولا” مما دفعها الى التصويت لصالح مشروع القرار.
لكن دولا أخرى مثل سويسرا، وعلى الرغم من ترحيبها بهذه التعديلات، قالت على لسان سفيرها بليز غودي إنها “كانت تأمل في أن يقوم المجلس بمعالجة الأوضاع الخطيرة الناجمة عن الصراع اللبناني الإسرائيلي بطريقة متوازنة وغير تمييزية”. لكنه يرى “ان المشروع المعروض على التصويت لا يجيب إلا بشكل جزئي على هذه المطالب”. وهو ما دفع سويسرا الى الانضمام الى الدول الثمانية التي امتنعت عن التصويت.
وفي حديثه للصحفيين عقب التصويت، أعرب السفير السويسري عن اعتقاده أن الدول الإسلامية، من مفهومها، ترى “أنه من الطبيعي ألا يكون هناك توازن في مشروع القرار لأن الأوضاع على الأرض غير متكافئة”. لكن السيد غودي أوضح بأن ما ترغب فيه سويسرا عند الحديث عن التوازن “ليس تحميل الطرفين نفس المسئولية، وأن القانون الإنساني الدولي، حتى في حالات استعمال مفرط وغير متكافئ للقوة، لا يسمح للطرف الثاني بعدم احترام تجنيب المدنيين قدر المستطاع ويلات الحرب”.
إدانة إسرائيل أمام مجلس حقوق الإنسان على ما ارتكبته في لبنان، رغم اعتراض الدول الغربية – ولئن كان سيعرف نفس مصير العديد من القرارات التي اصدرتها لجنة حقوق الإنسان من قبل ضد إسرائيل- فإنه يعد على الأقل أول قرار يتخذ في محفل دولي بشأن الصراع اللبناني الإسرائيلي في وقت مازل فيه مجلس الأمن يتعثر في التوصل الى مطالبة بوقف إطلاق النار.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.