مجهر ذري يُعيد اكتشاف الدماغ
للمرة الأولى في تاريخ العلوم، نجح فريق من علماء المعهد التقني الفدرالي العالي، وعلماء جامعة لوزان في مشاهدة التفاعلات بين الخلايا العصبية في الدماغ.
وقد تمكّـن العلماء من متابعتها بفضل مجهر جديد يعمل بالطاقة الذرية
يُـعتبر نجاح هذه التجربة التي تمّـت تحت إشراف فريق من العلماء والباحثين المتخصصين بفروع عِلمية مختلفة كالطبيعيات والأحياء والطب والكيمياء وغيرها، حدثا أساسيا في تاريخ العلوم، لأنه يفتح الأبواب لأحد الفروع العلمية التي لا تزال في المهد، وهي العلوم النانومترية.
فهذه العلوم لا تستهدف فنون التصغير والنمنمة كما يظن البعض، وإنما تطمع في التحكّـم في أدقّ خصائص المادّة كالذرات والجُـزيئات والخلايا، من أجل تسخيرها لأغراض شتى قد تكون تكنولوجية صرفية أو كيميائية أو طبية.
ولا يقتصر الطابع التاريخي لهذه التجربة التي تمت في لوزان على تحويل الذرات البروتينية النانومترية إلى ذرات منظورة على الشاشة الصغيرة فحسب، بل وفي إمكانية الجمع والفصل بين عدد منها وقياس الطاقة الكامنة بينها، حسب الرغبة والطلب.
وبفضل توفّـر هذه الإمكانية، نجح عالم الفيزياء، أليكساندر يرسين، صاحب المجهر الذري الجديد في تسخير هذه التّحفة التكنولوجية لتصوير وقياس التفاعلات بين عدد من النويرونات الناقلة للشارات الكهرو مغناطيسية بين خلايا الجهاز العصبي المركزي، ألا وهو الدماغ الذي يحتوي على أكثر من عشرة مليارات خلية عصبية.
وقد حاز هذا الحدث الذي يُسلّـط الأضواء على طريقة تبادل المعلومات بين نويرونات الدماغ على مقالة خاصة في مجلة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم والوسائل العلمية Proceedings of the National Academy of Sciences
تحقيق الأحلام أصبح ممكنا
وتقوم أهمية هذه التجربة، التي أنجزها فريق متعدد الاختصاصات من جامعة لوزان والمعهد التقني الفدرالي العالي في نفس المدينة، على حقيقة أنها تمثل خطوة رئيسية باتجاه فهم آلية تدفق المعلومات بشكل شارات كهرو مغناطيسية منظورة بين خلايا الدماغ، وهو ما سيسمح مستقبلا بابتكار العقاقير والأدوية التي تساعد على التحكم بسيل تلك المعلومات لعلاج مشاكل الذاكرة أو بعض الأمراض المستعصية المرتبطة بفقدان الذاكرة.
ولا داعي للقول أن إمكانية مشاهدة نشاطات أصغر الجزيئيات في الدماغ وتوفّـر القدرة على التأثير على هذه الدقائق، تفتح آفاقا غير محدودة لدراسة أعمق وأدق لوظائف الفصوص الأربعة للدماغ، ودراسة كيفية انسياب المعلومات في كل من المخ والمُخيّـخ، وفي كامل هذا الجهاز العصبي المركزي المنسّق لأحاسيس الإنسان ولنشاطاته جمعاء.
إلا أن هذه الإمكانيات الجامعة للعلوم والتكنولوجيا تحت سقف واحد، ستُـمهد السبيل لطرق ميادين لا تزال في حكم الخيال حتى الآن، مثل تصميم المحركات النانومترية القادرة على عبور الشرايين لتنظيفها من الجلطات الدموية أو تصميم الناظمات والتجهيزات البيوتكنولوجية الذكية القادرة على ضبط نشاطاتها وإصلاح ذاتها بذاتها عند الضرورة.
وجدير بالذكر أن هذا الحدث العلمي النانومتري يأتي بعد 17 عاما تقريبا على اختراع الأداة المجهرية الأولى لتصوير التركيبة الذرية لسطح المواد بمساعدة ما يُـعرف بالمجهر النفقي الذي تمّ اكتشافه في عام 1986 وعاد بجائزة نوبل للفيزياء على مخترعيه، الألماني Gerd Binnig، والسويسري Heinich Rohrer .
جورج أنضوني – سويس إنفو
نجح فريق مختلط من علماء المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان وعلماء جامعة لوزان في لصق ذرتين من الذرات البروتينية الناقلة للمعلومات بين خلايا الدماغ ببعضهما البعض، وفي فصلهما بعد ذلك لقياس القوة الرابطة بينهما قياسا دقيقا. وتمت هذه التجربة تحت ناظر مجهر جديد يعمل بالطاقة الذرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.