مراكز الحد الأدنى…
تختلف الأساليب التي تلتجئ إليها السلطات المحلية في سويسرا لمواجهة "الحالات الصعبة" في صفوف طالبي اللجوء.
لكن كانتون زيوريخ انفرد بإقامة مركزين منفصلين لإيواء من يوصفون بـ “غير المنضبطين”.
منذ أن شهدت سويسرا في موفى الثمانينات وبداية التسعينات تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين على أراضيها، تحولت القضايا المرتبطة بهم وبالأجانب عموما إلى بند قار في السجالات السياسية والقانونية والأمنية.
لكن انحسار الظاهرة بعد نهاية الحرب في يوغسلافيا سابقا وفي منطقة البلقان بوجه خاص وما صاحبه من تراجع كبير في أعداد طالبي اللجوء لم يضع حدا للجدل الداخلي أو للمشاكل المترتبة عنها.
فقد تغيرت شيئا فشيئا نوعية الوافدين على سويسرا طلبا للجوء والتحق الأفغان والعراقيون والأفارقة والجزائريون والتونسيون بالأكراد الأتراك والألبان والبوسنيين والصوماليين وسكان إقليم كوسوفو.
ومع آحتداد الأزمة الإقتصادية في سويسرا في العقد الماضي تعقدت طبيعة المشاكل المادية والقانونية والأمنية التي أصبحت تُـواجه الجهات المتعاملة مع طالبي اللجوء في مختلف الكانتونات مما دفع العديد من الجهات إلى ابتكار (أو اقتراح) أساليب صارمة للحد من ظواهر سلبية أصبحت تثير استنكار قطاعات واسعة الرأي العام.
تفرد زيوريخ
في هذا السياق كان كانتون زيوريخ – أكبر الكانتونات السويسرية- من أول المبادرين بإقامة مركز آعتقال مؤقت قرب مدرج مطار كلوتن لاحتجاز طالبي اللجوء الذين تقرر السلطات ترحيلهم.
هذه التجربة تطورت في موفى عام 1999 بإنشاء مركز مُجاور في بلدة روملاغ (Rumlag) المحاذية وآخر وسط مدينة زيوريخ مخصصين لطالبي اللجوء “العُصاة” أو “غير المنضبطين” الذين لا يتقيدون بالترتيبات المعمول في مراكز إيواء طالبي اللجوء أو لديهم نزوع لاستعمال العنف أو أبدوا مقاومة عند تنفيذ قرار ترحيلهم من سويسرا.
وعلى الرغم من بعض التجارب المماثلة – لكن المحدودة – في لوتسيرن والتيشينو، إلا أن كانتون زيوريخ انفرد بامتلاك هيكل إداري وقانوني منفصل للتعاطي مع هذا الصنف مع طالبي اللجوء.
وفي زيارة نُظمت لمراسلي وسائل الإعلام يوم الخميس 4 سبتمبر إلى مركز رولاغ، الذي يشتمل على خمسين سريرا ولا يتجاوز عدد نزلائه الأربعين شخصا معظمهم من الذكور، أكدت مديرته ليليان بيك أن “80% من النزلاء مروجون للمخدرات” وقالت: “نحن نهدف إلى منعهم من الترويج في مراكز طالبي اللجوء العادية. كما أننا نفتش الغرف دوريا تجنبا لانتقال التهريب إلى داخل المركز”.
وفي صورة اندلاع مشاكل بين سكان المركز يمتلك العاملون فيه (وهم تسعة) صلوحية اتخاذ قرار بحظر الدخول على شخص معين أو استدعاء الشرطة وخاصة عند صدور تهديدات ضدهم.
مزيد من التضييقات؟؟
وقد سمحت زيارة وسائل الإعلام إلى المركز باكتشاف الظروف “الدنيا” الموجودة في الحاويات الثلاث التي يتألف منها. فالغرف التي تشتمل على سريرين صغيرة الحجم ولا تشتمل إلا على موقد بسيط لمواجهة أيام البرد القارس.
ويحذر رودي هوفستيتر المسؤول عن دائرة الخدمة الإجتماعية في كانتون زيوريخ من مغبة المسارعة إلى الإستنتاج بأن جميع طالبي اللجوء مثيرون للمشاكل ويذكر بأن العدد الحالي لطالبي اللجوء في كانتون زيوريخ يزيد عن 13 ألف شخص فيما لا تتجاوز طاقة استيعاب مركزي “الحد الأدنى” المائة سرير!
وعادة ما يقضي “المتنطعون” أو “غير المنضبطون” خمسة أشهر في هذين المركزين قبل إدماجهم مجددا بعد أن يتحسن سلوكهم في الهياكل العادية.
ومن بين الإجراءات “العقابية” المعمول بها في هذه المراكز تقليص المخصصات إلى أدنى حد ممكن. إذ تقل فيها الأنشطة كما لا يُفرض على نزلائها متابعة دروس اللغة الألمانية (الإجبارية في مراكز الإستقبال العادية).
من جهة أخرى، يقوم الكانتون بالتصرف في كيفية تقسيم المبلغ اليومي (16فرنك و66 سنتيما) المرصود من طرف الكنفدرالية لفائدة طالب اللجوء “غير المتعاون”.
فبدلا من تخصيص 9 فرنكات و50 سنتيما للتغذية (في الحالة العادية) لا يمنح الكانتون إلى نزلاء مركزي “الحد الأدنى” إلا 8 فرنكات و50 سنتيما وعوضا عن 3 فرنكات يوميا كمصروف جيب لا يُعطيهم إلا فرنكين فقط.
وفي الوقت الذي يخشى فيه المراقبون أن يتحول ملف الأجانب واللاجئين إلى محور الإهتمام الرئيسي في الحملة الإنتخابية، ترتفع أصوات أخرى داعية إلى فرض المزيد من التضييقات تصل إلى حد المطالبة بحرمان طالبي اللجوء المتورطين في أعمال عنف أو سرقة أو اتجار بالمخدرات من حريتهم واعتقالهم لفترات طويلة في مراكز مخصصة لهم.
وفيما تؤكد السلطات الفدرالية رفضها للفكرة بسبب تعارضها الصارخ مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تصر بعض الأطراف السياسية اليمينة التوجه على استغلال بعض التجاوزات من أجل تمرير تشريعات معادية لطالبي اللجوء وللأجانب عموما.
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.