مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مرحبا بعمال الشرق في الحقول السويسرية!

يـوظف القطاع الزراعي السويسري منذ الآن عددا كبيرا من عمال أوروبا الشرقية Keystone

تـُجمع الغالبية الساحقة في القطاع الزراعي السويسري على ضرورة دعم توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص إلى الدول العشر الجديدة في الاتحاد الأوروبي، إذ تتوقع كسب يد عاملة وفيرة ومتحمسة وقانونية.

في المقابل، تدعو أقلية موالية للتيار اليميني المتشدد إلى التصويت بـ”لا” في استفتاء يوم 25 سبتمبر مثيرة مشاعر الخوف من الأجنبي.

موقفُ غرفة القطاع الزراعي، وهي بمثابة “برلمان” اتحاد المزارعين السويسريين، واضح لا لُبس فيه: 62 صوتا مقابل 5 يؤيدون التصويت بـ”نعم” في استفتاء 25 سبتمبر القادم حول توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص ليشمل الدول العشر الجديدة في الاتحاد الأوروبي وهي: استونيا وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا والجمهورية التشيكية وهنغاريا وقبرص ومالطا.

ومعلوم أن الزراعة من القطاعات التي تحتاج لـيد عاملة قابلة للتكيف ومستعدة دائما للإكتفاء بأدنى الأجور. وفي سويسرا، طالما قدِمت تلك اليد العاملة من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال. لكن مع مرور السنين، تطورت الأوضاع ولم يعد فقراء أوروبا يتمركزون في دول جنوب القارة بل في شرقها.

تنقل “عادل ومنطقي”

وفي تصريح لـسويس انفو، قال جون دوبرا، نائب رئيس اتحاد المزارعين السويسريين ونائب الحزب الراديكالي (وسط اليمين) في البرلمان الفدرالي: “نحن نحتاج لهؤلاء العمال. بالنسبة لهم، يعني القدوم إلى سويسرا لمدة شهرين أو ثلاثة فرصة لكسب بعض المال. إنه نظام “الكسب مقابل الكسب” (بالنسبة للطرفين، أرباب العمل والمأجورين)”.

وينظر اتحاد المزارعين السويسريين إلى حرية تنقل هؤلاء العمال كمسألة عدالة، حيث صرح السيد دوبرا في هذا السياق “إن الاتحاد الأوروبي هو زبوننا الأول ومزودنا الأول بالمنتجات. فمن المنطقي إذن أن نقيم معه علاقات متميزة”.

لكن بعض المزارعين لا يتفقون مع هذه الرؤية. ففي بداية أغسطس الجاري، خرجت فئة صغيرة عن الصف مُطالبة بالتصويت بـ”لا” يوم 25 سبتمبر. وتنتمي هذه الأقلية من المزارعين إلى أنصار حزب الشعب السويسري اليمني المتشدد، الذي يـُعد ممثل المزارعين في عدد من الكانتونات الهامة مثل برن وفو وغراوبوندن.

وعلى غرار زملاءه، نفى نائب حزب الشعب السويسري في كانتون فالي ألبريت بيتلو أن يكون موقف المزارعين الموالين للحزب اليميني مبنيا على مشاعر الخوف من الأجنبي، إذ أكد أن العمال الذين يريدون القدوم لجني الفواكه والخضر في مزرعته يمكن أن يأتوا من “العالم بأسره”. لكنه شدد في المقابل على “عدم ضرورة فتح المجال أمام حرية تنقل كاملة”.

الخوف من قدوم “حثالة إجتماعية”!

فماذا يخشى إذن هذا المزارع “المنشق”؟ يجيب من دون أي تردد “من الحثالة الإجتماعية. من أولئك الذين سيأتون بأسرهم وسيتواجد عدد كبير منهم بعد ذلك، عبر اللجوء إلى الحيل والمكر، في عداد العاطلين عن العمل أو المستفيدين من التعويضات عن فقدان الدخل”، أي أنهم سيثقلون كاهل النفقات الإجتماعية.

وبنبرة متأسفة، استطرد السيد بيتلو في حديثه لسويس انفو قائلا: “لقد تم إلغاء وضع العامل الموسمي دون إلغاء المواسم”. ولا يعدُُّّ هذا البرلماني النائب الوحيد في صفوف حزب الشعب السويسري الذي يحـنُّ إلى حقبة العمل الموسمي.

وكان وضع العامل الموسمي قد أدين آنذاك كـ”نظام إقطاعي” ومخالف لحقوق الإنسان. ولم يعد في كافة الأحوال يتوافق مع روح وطبيعة الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها سويسرا مع الإتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، أوضح نائب رئيس اتحاد المزارعين السويسريين جون دوبرا أن وضع العمل الموسمي يجسد “رؤية ماضوية تُُعامل المأجورين كبضائع وليس كبشر”.

وبصراحة قد لا تحتمل التأويل، أضاف السيد دوبرا أن المزارعين الذين يناضلون حاليا ضد حرية تنقل الأشخاص هم “مُجرد أغبياء، وقلة قليلة من مُنْتَخَـبِي حزب الشعب السويسري الذين يعززون مشاعر الخوف من الأجنبي لينالوا رضى الناخبين”.

لا يجنون أموالا طائلة في الحقول

وبعيدا عن هذه الخلافات، تفضل نقابة المُزارعين “أوني تير” (Uniterre) – التي تناضل من أجل تحقيق زراعة مـُستديمة- عدم شن حملة لفائدة أو ضد استفتاء 25 سبتمبر القادم. فـالأهم بالنسبة لهذه النقابة لا يتمثل في أصل العمال، بل في ظروف العمل والأجور التي سيتقاضونها.

وتناضل نقابة “أوني تير” – التي لها فروع في كانتونات فريبورغ ونوشاتيل وجورا وفو- من أجل اعتماد اتفاقيات عمل جماعية في القطاع الزراعي، وهي فكرة يعارضها اتحاد المزارعين السويسريين الذي يكتفي بإصدار توصيات في مجال الأجور تختلف من كانتون لآخر.

ويتراوح أجر العامل الزراعي غير المتحصل على التكوين ما بين 3000 و4470 فرنك صافية في الشهر (أي قبل اقتطاع الضرائب والتأمين على البطالة، إلخ). أما إذا كان العامل حاصلا على التكوين، وأبا لأسرة، ويعمل منذ 13 عاما على الأقل في المجال الزراعي، فتبقى أبواب الأمل مفتوحة أمامه إذ يمكن أن يقبض أكثر من 7000 فرنك في الشهر.

في المقابل، تُقفل أبواب الحلم في وجه زميله الموسمي الذي لا خيار أمامه سوى القبول بـ2675 فرنك في السنة الأولى.

وعندما يعلم المرء أن رب العمل يختزل من هذه الأرقام (الصادرة عن اتحاد المزارعين السويسريين) نفقات مأكل ومشرب ومسكن العامل الموسمي، يُدرك على الفور أنه لا يتبقى لهذا العامل سوى القليل من الفرنكات لتغطية احتياجاته اليومية في سويسرا ذات مستوى العيش المرتفع. فما بالك بإرسال مبلغ منها إلى أسرته البعيدة؟

8000 عامل سري؟

وإن صدقت توقعات بعض العاملين في القطاع الزراعي، فهنالك عمال يرضون بأقل من ذلك بكثير خاصة في صفوف المهاجرين السريين. ويقدر فيليب سوفان الذي يدير “النقابة الأخرى” (L’Autre Syndicat) أو “النقابة البديلة” في كانتون فو عدد العاملين الزراعيين غير القانونيين في سويسرا بـ8000 على الأقل.

وتحاول هذه النقابة الصغيرة تجميع تحت غطاء واحد العاملين الزراعيين غير الحاصلين على رخصة الإقامة، والذين لا يستفيدون بالتالي من أية حقوق، ولا يتوفرون على صوت يتحدث باسمهم.

وعلى غرار نقابة “أوني تير”، تناضل “النقابة الأخرى” من أجل اعتماد اتفاقيات عمل جماعية في القطاع الزراعي. ورغم خلافاتها مع اتحاد المزارعين السويسريين، تدعو هذه النقابة الصغيرة – على غرار الإتحاد- إلى التصويت بـ”نعم” يوم 25 سبتمبر القادم.

مارك-أندري ميزري- سويس انفو

(نقلته للعربية: إصلاح بخات)

حسب معطيات اتحاد المزارعين السويسريين لعام 2000:
تجاوز عدد السويسريين النشيطين في المجال الزراعي 115 ألف شخص، من ضمنهم الأسر الزراعية وعمالها السويسريين.
في عام 2004، ودائما حسب معطيات الاتحاد، وظف القطاع الزراعي السويسري قرابة 12 ألف عامل أجنبي في قطاعات زراعة الأشجار وحقول الكروم والغابات والصيد. وحصل حوالي 10 الف منهم على تصريح إقامة يقل عن عام.
من مجموع هؤلاء، قدم 4 من أصل 5 من دول الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر “القديمة” التي كانت تستفيد أصلا من حرية تنقل الأشخاص، بينما قدم الباقون من دول أخرى، معظمهم من أوروبا الشرقية.
حسب تقديرات “النقابة البديلة” في كانتون فو، يتعين إضافة حوالي 8000 عامل غير شرعي على أرقام مجموع العاملين في القطاع الزراعي السويسري.

إن صوتت أغلبية الناخبين السويسريين لصالح توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص إلى الدول العشرة الجدد في الاتحاد الأوروبي في استفتاء يوم 25 سبتمبر المقبل، لن يتمكن عمال تلك الدول من القدوم على الفور إلى سويسرا إذ أن الإجراءات المرافقة لتطبيق الاتفاق تحدد شروطا واضحة:

لغاية 31 مايو 2007، سيتمكن فقط المأجورون من قبرص ومالطا والمستقلون في الدول العشر الجديدة من الالتحاق بسوق العمل السويسرية بنفس شروط عمال الدول الخمسة عشر التي كانت تشكل الاتحاد الأوروبي قبل انضمام الأعضاء الجدد، وذلك في حدود الأعداد التي يتيحها قانون الهجرة.

بالنسبة للباقين، ستُفتح السوق السويسرية بصفة تدريجية. رخص العمل لفترة 5 سنوات لن تتجاوز 1300 في السنة الواحد، بينما لن تتجاوز رخص عام واحد 12400 رخصة. وسيرتفع تدريجيا سقف نوعي هاتين الرخصتين بالتوالي إلى 3000 و29000 بحلول عام 2011.

وفي حال تدفق المهاجرين بشكل كبير، يمكن أن تمدد سويسرا ذلك الأجل إلى عام 2014. من جهة ثانية، يجب على رب العمل الذي يريد توظيف عامل من أوروبا الشرقية أن يثبت أنه لم يجد في سويسرا كفاءات مماثلة.

اخيرا، سيتعين على الكانتونات التأكد من أن ظروف العمل والأجور “سويسرية محضة” وأن لا أحد يحاول استغلال التعويضات المقدمة على البطالة. وبالتالي، لن يحصل الأجانب الحاصلون على رخصة إقامة قصيرة على تعويضات البطالة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية