مساهمة أوروبية محدودة
تتّـفق البلدان الأوروبية حول ضرورة تجاوز الخلافات الداخلية الكبيرة التي شقّـتها خلال أزمة الحرب الأمريكية البريطانية على العراق.
ويُـنتظر أن يشارك الاتحاد والبلدان الأعضاء في مؤتمر الدول المانحة الذي ستحتضنه العاصمة الإسبانية يومي 23 و24 من الشهر الجاري.
إن الانسجام الذي أبدته أوساط الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة قد لا يكفي لتأمين سخاء الأوروبيين ومساهمتهم بقدر كبير في جهود إعادة إعمار العراق.
فقد حدد البنك الدولي مبلغ 36 مليار دولار لتمويل برامج إعادة الإعمار في الأعوام المقبلة. إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية وغموض الرؤية السياسية ورفض الولايات المتحدة الالتزام برزنامة محددة لتسليم السلطات والسيادة لحكومة عراقية، من شأنه دفع الدول المانحة إلى الحذر والتردد.
ويعكس مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن رغبة واشنطن في السيطرة على عملية إعادة الإعمار من جهة، ويقيّـد دور الأمم المتحدة في إعادة بناء مؤسسات واقتصاد العراق من جهة أخرى.
وسيدفع الموقف الأمريكي الأطراف الدولية الأخرى، ولاسيما الاتحاد الأوروبي، إلى الإحجام عن تقديم تعهدات مالية كبيرة تمتد على سنوات. وقد يجمع مؤتمر مدريد حصة محدودة لا تتجاوز التزامات العام المقبل.
مقترحات المفوضية الأوروبية
وافقت المفوضية الأوروبية على مقترحات قدّمها مسؤول العلاقات الخارجية، كريس باتين للمساهمة بقيمة 200 مليون أورو في نطاق الجهود الدولية للمساهمة في مسار إعادة إعمار العراق خلال عام 2004.
وربط كريس باتين تقديم الهبة الأوروبية بشروط تُـوفِّـر الأمن وفتح آفاق سياسية لاستعادة سيادة العراق ونقل السلطة من إدارة الاحتلال إلى حكومة عراقية منتخبة، ووضع إطار دولي شفّـاف لإنفاق معونات الدول المانحة.
وتأتي المقترحات الأوروبية في نطاق التمهيد لاجتماع الدول المانحة يومي 23 و24 أكتوبر في مدريد. كما يرى كريس باتين أن البلدان الأوروبية والأطراف الدولية الأخرى “تُـجمع اليوم حول أهمية الدور الذي يجب أن تضطلع به الأمم المتحدة في مسار إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة العراقية”.
وقال باتين أمام البرلمان الأوروبي بأنه “مهما كانت درجات عمق الخلافات التي شقّـت المجموعة الدولية بسبب الحرب، فإن كافة أطراف المجموعة الدولية تلتقي حول الحاجة إلى عراق آمن ومنفتح وديموقراطي”.
ودعا كريس باتين إلى مشاركة الدول المجاورة للعراق في مسار إعادة الإعمار، وذلك رغم العلاقات الصعبة التي كانت تربطه بجيرانه. وكان كريس باتين زار دمشق في الأسبوع الماضي ونقل عن القيادة السورية “الاستعداد للمشاركة في مسار إعادة الإعمار وفق المقتضيات التي سيتمضنها قرار مجلس الأمن”.
وسيقدم الاتحاد الأوروبي مبلغا قدره 40 مليون أورو في غضون الأشهر الأخيرة من العام الجاري للمساهمة في إعادة تأهيل البنى التحتية والثقافية. ويضاف المبلغ إلى هبة 200 مليون للعام المقبل، وكذلك لقيمة المساعدات الإنسانية المقررة في حدود 100 مليون للعام الجاري.
وأوضح المفوض الأوروبي كريس باتين في مؤتمر صحفي بأن مؤتمر الدول المانحة في مدريد يهدف إلى “إيجاد إجماع دولي حول الهياكل والأولويات التي ستتركّـز حولها جهود المجموعة الدولية وإطلاق مسار إعادة الإعمار في غضون عام 2004”.
وتشترط المفوضية توفر شروط “تحسن الوضع الأمني والالتزام الواضح لإقامة حكومة عراقية ذات سيادة، وإنشاء إطار متعدد الأطراف يلتزم الشفافية في إعادة الإعمار”.
اختلاف الأولويات
وينصح خبراء المفوضية في النقاشات الجارية مع المؤسسات الدولية وممثلي الحكومة العراقية المؤقتة بأن تتركّـز جهود إعادة الإعمار حول “خلق شبكة خدمات اجتماعية لتقديم المعونات الأساسية، وإعادة تأهيل محطات وقنوات المياه، والصرف الصحي والمستشفيات، والتعليم والتشغيل، وتعزيز هيئات المجتمع المدني، ودعم سياسات حماية حقوق الإنسان”.
وبينما تطغى المخاوف الأمنية، أكد عضو المفوضية كريس باتين بأن التراجع عن إعادة الإعمار وتقديم الخدمات الإنسانية سيكون “انتصارا للجماعات المتطرفة في العراق”.
وأكدت إدارة المعونات الإنسانية في الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى “التزامها أسلوب المرونة” في التعاطي مع الوضع الأمني المتدهور الذي دفع العديد من هيئات الإغاثة إلى تعليق نشاطها وسحب موظفيها الأجانب.
وقال رئيس مكتب المعونات الإنسانية الأوروبية في بغداد، بول فيلر في حديث خاص إلى سويس انفو، بأن المفوضية الأوروبية أنفقت حتى الآن ما قيمته 69,5 مليون أورو في مجالات الصحة والصرف الصحي ونزع الألغام. إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية حال دون الشروع في تنفيذ 25% من المشاريع التي تعاقدت بشأنها المفوضية مع المنظمات غير الحكومية.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت خفض عدد موظفيها وسحب 30 منهم، فيما يظل 40 فقط في العراق. وقدر عدد موظفي الأمم المتحدة بنحو 650 قبل عملية تفجير مقرها في بغداد في 19 أغسطس الماضي.
كما أعلنت منظمة مساعدة المعاقين “هانديكاب انتيرناشيونال” تعليق نشاطها في العراق، وذلك جراء تصاعد عمليات العنف والاعتداءات ضد عمال الإغاثة والهيئات الإنسانية.
وقال بول فيلر إن عمال وموظفي هيئات الإغاثة يواجهون الأخطار الأمنية نفسها التي تتهدد كل يوم السكان المدنيين في العراق، وهي مخاطر الجريمة والسرقة والاختطاف والسيارات المفخّـخة والوقوع في أماكن المواجهات والعمليات العسكرية.
نور الدين الفريضي – بروكسل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.