مستقبل غزة بين التصورات الإسرائيلية والرهانات الإقليمية
رغم قيام الجيش الإسرائيلي بسحَـب آلياته من بعض مناطق العمليات في قطاع غزة، بعد أن عاث فيه تدميرا وقتلا، عشية مجيء كونداليزا رايس في زيارة للمنطقة، إلا أنه من السابق لأوانه القول أن حكومة اولمرت قررت إنهاء الهجوم على غزة وعلى حركة حماس وقيادييها أو أنها قرّرت الاكتفاء بالجُـرعة السابقة من العقاب الجماعي للفلسطينيين المقيمين في غزة.
كما أنه من المبكّـر القول أن هناك تصورا إسرائيليا بشأن مستقبل القطاع، يقبل بنوع من التعامل مع حركة حماس المُـسيطرة بالفعل عليه، والتي قدّمت بدورها عدّة اقتراحات لإقرار هُـدنة متبادلة، تشمل أمورا عدة.
فالتصورات الإسرائيلية المطروحة رسميا وشبه رسميا، تتعامل مع غزة باعتبارها كيانا مُـعاديا يستحق العقاب الجماعي بكل الطّـرق والحِـيل. وفي البيان الذي أصدره وزير الدفاع الإسرائيلي بشأن سحب الآليات من شمال القطاع، أكّـد بأن نية وزارته تتّـجه إلى إعادة تعديل الوضع الذي يمثله إطلاق الصواريخ الفلسطينية المحلية الصّـنع، رغم عِـلم الجميع بأن هذه الصواريخ لا تمثل تهديدا حقيقيا من أي نوع لإسرائيل، وأن تأثيرها أكبر في الجانب المعنوي منه في الجانب المادي.
لكن الأمر بالنسبة لإسرائيل يتخطّـى ذلك إلى توظيف إطلاق الصورايخ من أجل إعادة هيكلة العلاقة مع القطاع كُـليا، والتخلص من أعبائه الاقتصادية والقانونية والسياسية، بل واستخدام هذا الوضع في إعادة تعريف القضية الفلسطينية على نحو لا يتضمّـن بالضرورة إقامة دولة فلسطينية تجمع بين الضفة الغربية والقطاع، ومن ثمّ إعادة توصيف القضية الفلسطينية باعتبارها تخُـص فلسطينيي الضفة وحدهم والسلطة التي تعيش بينهم في رام الله.
هذه الإعادة في التعريف والتوصيف، يمكن أن تعني إعادة ربط الضفة بالأردن، سواء في صورة حُـكم ذاتي تحت مظلة المملكة الأردنية الهاشمية أو عبر إقامة كِـيان محدود القِـيمة في أجزاء من الضفة، وبحيث يكون ممنوعا أمام عودة اللاجئين من أي جيل كان.
هذا السِـياق العام تحدّث عنه مسؤولون إسرائيليون بصِـيغ مختلفة، ويمكن وضع جمود المباحثات التي سار على دربها كل من محمود عباس وأولمرت منذ اجتماع أنابوليس الشهير في نوفمبر الماضي، وأيضا ما قبل أنابولس في خانة تمهيد الأرضية لنوع جديد من التفكير في شأن الدولة الفلسطينية و”التسوية التاريخية” الممكنة في اللّـحظة الجارية.
وفي السياق ذاته، يمكن وضع العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على شمال القطاع التي بدأت في 27 فبراير لمدة خمسة أيام مُـتتالية، ومن قبل رفض إسرائيل التّـجاوب مع المطلب المصري بزيادة عدد القوات من 750 إلى 1500 جندي لضبط الحدود المشتركة مع غزة، فضلا عن الدعوات التي أطلقها ساسة إسرائيليون كبالونات اختبار في أكتوبر الماضي وأعيد الإشارة إليها في ديسمبر الماضي، باعتبارها خيارا تقبل به مصر، وقِـوامه أن يقوم الناتو في ضوء توجّـهاته الجديدة، بلعب دور أمني على نِـطاق عالمي وإقليمي بنشر قوات في القطاع، لمنع حماس من إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي الإسرائيلية ولمحاصرة نفوذها بين الفلسطينيين في غزة، والتّـمهيد لاحقا إلى عودة نفوذ السلطة الفلسطينية، إن أمكن ذلك.
خيار غير واقعي
كان من بين ردود الفعل الفلسطينية والمصرية على هكذا دعوات وإشارات، أن تمّ رفضها واعتبارها، خيارا غير واقعي، لأن المسألة من وِجهة النظر المصرية، ليست في نشر قوات دولية أو أجنبية، بل في التعامل مع كيفية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية.
كما أصدرت الفصائل الفلسطينية بيانات أكدت فيها أنها ستُـعامل قوات الناتو أو أية قوات أجنبية باعتبارها قوات احتلال، وستقاومها بكل الطرق، وهكذا بدا أن الخِـيار المطروح ليس نهاية أزمة، بل بداية لأزمة كبيرة ووَرطة أكبر للناتو.
الحق هنا، أن الناتو من جانبه أكد على لسان أمينه العام جاب دي هوب شيفر في العاشر من أكتوبر 2007 أنه “لا يُـوجد بحث رسمي أو غير رسمي في الحلف، للانخراط في غزة”، وليس لديه أي نية لإرسال قواته إلى الشرق الأوسط، كما أنه لم يتلقّ أي طلب لدخول لبنان أو سوريا أو غزة.
واعترف جاب دي هوب شيفر بأن الحلف لم يلعب حتى الآن دوراً في الصراع العربي – الإسرائيلي، وأنه غير ممكن الحدوث “إلا في حال تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة، وذلك من خلال تفويض من مجلس الأمن الدولي واستناداً إلى انخراط الأطراف المعنية بالشرق الأوسط”، وهي شروط يبدو من الصّـعب تحقيقها في المدى المنظور.
افتراض آخر
لكن بالقطع، هناك نظرية أخرى تفترض أن يتدخل الحلف في أي منطقة نِـزاع ملتهبة، طالما أنه يستهدف وضع نهاية لها تراعي الحقوق المختلفة لأطراف النزاع، ولو على الصعيد النظري، ولا بأس أن يُـستخدم شعار حماية الإنسانية وحقوق الإنسان كمظلة تجري من تحتها مياه الناتو في غزة، وهو افتراض يتطلّـب أولا أن يكون هناك وضع مُـلتهب أصلا يُـنذر بحرب أكبر من حدود القطاع أو يثير توتّـرا يتعدّى غزة والضفة وإسرائيل، إلى ما بعد حدود الشرق الأوسط كله.
وهنا، يلفت النظر أن تصريحات اولمرت ووزير دفاعه باراك، قبل وأثناء العدوان على القطاع، كانت تمهِّـد لعملية عسكرية كبيرة لا نهاية زمنية محدّدة لها، وذات أهداف فضفاضة، لا يمكن المحاسبة عليها وقابلة لأن تتدحرج إلى مناطق أخرى.
والمرجّـح هنا، أن الولايات المتحدة حين أعلنت عن إرسال المدمّـرة يو إس إس كول بالقرب من الشواطئ اللبنانية، كتعبير عن القلق من الأوضاع هناك وتعثّـر المبادرة العربية، كانت تستهدِف إرسال رسالة مُـزدوجة، شقّـها الأول، تحجيم رغبة حزب الله اللبناني في الانتقام أو الرد على إسرائيل بعد اغتيال أبرز قادته العسكريين عماد مغنية.
أما الشق الثاني، فهو توفير حماية معنوية وسياسية لحكومة أولمرت، التي قرّرت الاعتداء على القطاع لردْع المُـهاجمين فيه، وبحيث تؤدي هذه الحماية إلى أن تقوم إسرائيل بعمليتها العسكرية في غزة في جو ملائم، لا يشكل عليها أي ضغط.
وكِـلا الشقَّـين، هما نوع من المشاركة في العدوان على غزة ونوع من تشكيل أزمة إنسانية كُـبرى، قد يترتّـب عليها “تحوّل” في المواقف الرّافضة لاستدعاء قوات من تابعة للحلف الأطلسي إلى القطاع.
تناقض في الموقف الأمريكي
ومع ذلك، فإن مثل هذا الموقف يبدُو متناقِـضا مع مطلب البيت الأبيض بالاستمرار في المباحثات بين عباس وأولمرت ومعاكِـسا لأهداف الزيارة الحالية للوزيرة رايس إلى المنطقة لإحياء عملية السلام فيها والتوصّـل إلى شيء ملموس، قبل نهاية ولاية الرئيس بوش، ليُـمكن تسويقه باعتباره انتصارا أمريكيا.
هذا التناقض في السلك الأمريكي، مع غياب التوافق داخل الناتو نفسه على إرسال قوات إلى قطاع غزة وضُـعف السلطة الفلسطينية ورغبة إسرائيل تغيير الواقع بأيديها، حتى لو تطلب الأمر إعادة احتلال القطاع أو أجزاء منه، يجعل خِـيار قدوم قوات أطلسية إلى غزة مُـستبعدا إلى حين، ومن ثم، يرفع لدى إسرائيل من حظوظ الفكرة القائلة بأن يعود القطاع إلى السيادة أو الإشراف المصري، أو بمعنى آخر أن تتحمّـل مصر وزر الانقسام الفلسطيني، وتقوم بما لم تستطع إسرائيل نفسها القيام به فى ردع حماس ونُـظرائها عن مُـهاجمة جارهم فى الشمال، وهو خط أحمر تُـدركه القاهرة جيدا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
غزة (رويترز) – اشتبكت القوات البرية الاسرائيلية مع مقاتلي حماس داخل قطاع غزة يوم الثلاثاء 4 مارس 2008 في أول غارة من نوعها تقوم بها اسرائيل منذ الحملة العسكرية التي انتهت يوم الاثنين 3 مارس بعد ان استمرت خمسة أيام قتل خلالها ما يزيد على 120 فلسطينيا.
وقال شهود عيان فلسطينيون ومسؤولون من حماس إن طابورا من المركبات المدرعة الاسرائيلية عبر الحدود في وسط قطاع غزة وتعرض لنيران المورتر والرشاشات.
وحلقت طائرات هليكوبتر إسرائيلية في سماء الموقع في الوقت الذي طوق فيه الجنود منزل أحد النشطاء. وقالت حركة الجهاد الاسلامي إن الرجل من قادة جناحها العسكري.
وأكدت متحدثة باسم الجيش الاسرائيلي أن ثمة عملية عسكرية جارية في قطاع غزة لكنها امتنعت عن الافصاح عن تفاصيل.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد علق محادثات السلام مع اسرائيل ردا على حملتها العسكرية على قطاع غزة التي قالت اسرائيل إنها تهدف إلى وقف غطلاق الصواريخ عبر الحدود.
وحثت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عباس خلال زيارة للضفة الغربية المحتلة يوم الثلاثاء 4 مارس على العودة الى مائدة المفاوضات مع اسرائيل.
وكثيرا ما تقوم القوات الاسرائيلية بالتوغل بضع مئات من الامتار داخل غزة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 مارس 2008)
في عام 1994، أطلقت منظمة حلف شمال الأطلسي حوارا مع سبع دول متوسطية، يشمل كلا من مصر والأردن وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وإسرائيل.
ابتداءً من يونيو 1999، يشرف الحلف الأطلسي على قيادة قوات حفظ السلام في كوسوفو، بعد العمليات العسكرية التي شُـنّـت ضد القوات الصربية وبناء على القرار رقم 1244، الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
في أغسطس 2003، أعلن الحلف عن بدء أول عملياته العسكرية خارج القارة الأوروبية، وتولّـى منذ ذلك الحين قيادة قوات حفظ السلام في أفغانستان.
يومي 26 و27 نوفمبر 2005، احتضنت العاصمة القطرية حلقة دراسية عن “الناتو والشرق الأوسط الكبير ودور البرلمانيين” لبحث التصورات الأمنية في بلدان منطقة الخليج والإصلاح الاجتماعي والسياسي فيها، بالإضافة إلى انعكاسات الوضع بالعراق على تلك البلدان، وقد شارك في ندوة الدوحة ممثلون عن المجموعة البرلمانية المتوسطية الخاصة في الناتو.
بعد إسرائيل، التي وقعت في عام 2006 معاهدة مع حلف شمال الأطلسي، أبرمت مصر بدورها يوم 9 أكتوبر 2007 في بروكسل معاهدة مع الناتو، زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأنها قد تسمح مستقبلا لمصر “ببحث إمكانية قيام قوات من الحلف الأطلسي بتأمين حدودها المشتركة مع قطاع غزّة، خصوصا على امتداد معبر صلاح الدين (فيلاديلفي)”، لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية نفى ذلك يوم 10 أكتوبر 2007 وأوضح أن الطرفين وقّـعا اتفاقا يُـعرف باسم “برنامج التعاون الفردي”، يهدف إلى تعزيز التعاون بين الجانبين في العمل الذي يخدم المجالات الإنسانية.
يوم 29 يونيو 2007، جدّد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، عقِـب لقائه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، دعوته إلى نشر قوات دولية في غزّة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.