مشروع “الإتحاد المتوسطي” يرمي لإحياء الدور الفرنسي
بين الخطاب الذي ألقاه المرشح للرئاسة الفرنسية نيكولا ساركوزي في فبراير الماضي في مدينة تولون، جنوب فرنسا (حيث الحضور القوي للجاليات المغاربية)، والعرض الذي قدمه جون بيير جويي، وزير الشؤون الأوروبية في حكومة ساركوزي، أمام وزراء خارجية دول "المنتدى المتوسطي" في جزيرة "كريت" اليونانية يوم 2 يونيو الجاري..
.. تبلور مشروع “الإتحاد المتوسطي” الذي تحمل لواءه الإدارة الساركوزية، بُغية استعادة فرنسا مكانتها في منطقة نفوذها التقليدية ومواجهة التمدد الأمريكي – الآسيوي.
والثابت، أن المشروع اختمر فترة طويلة قبل أن يكشف النقاب عن بعض ملامح ساركوزي نفسه في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 مايو الماضي.
وأكد مصدر فرنسي، رفض الكشف عن هويته لسويس أنفو، أن باريس تعمّـدت استثمار الاجتماع غير الرسمي للمنتدى، الذي جمع مؤخرا في اليونان 11 وزير خارجية من البلدان المطلة على البحر المتوسط، كي تقيس ردود الفعل على المشروع، خاصة أن بينهم من عارضه، مثل تركيا، ومن أيّـده مثل البرتغال، واعتبر المصدر أن الدعم البرتغالي الواضح، يشكل ورقة مهمة للمستقبل لأن البرتغاليين سيتسلون الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي من أيدي ألمانيا مطلع الشهر المقبل.
والظاهر، أن العرض الذي قدّمه الوزير جويي (باقتراح من وزير الخارجية البرتغالي)، أطفأ ظمأ الكثيرين، بمن فيهم بعض الأوروبيين الذين كان المشروع الفرنسي يُثير حفيظتهم أو على الأقل يُشوقهم لمعرفة مضامينه، أما الأمريكيون، الذين لم يكونوا أقل شوقا للإطلاع على تفاصيله، فنالوا مبتغاهم بالنهل من النبع خلال قمة بوش – ساركوزي في هايليغندام بألمانيا على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى، لكن هل يمكن القول أن قسمات المشروع باتت جلية بعد كل ذلك؟
مسار أوروبي متوسطي أعرج
جديد المبادرة الفرنسية، أنها طرحت صيغة للعلاقات الأوروبية المتوسطية أعلى من سقف مسار برشلونة، لا بل هي ترقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الإتحاد الأوروبي، ما دام الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة، وهي أتت صدى للانتقادات اللاذعة والمتنوعة التي صبّـها أصحابها، من الجنوب والشمال على حد سواء، على المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج، وخاصة بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لانطلاقه في برشلونة نفسها، ولعل هذا ما حمل سياسيين وأكاديميين من الضفة الجنوبية، على إبداء تفاؤلهم بالمشروع الفرنسي الجديد.
ويعتقد الكاتب والباحث التونسي أحمد ونيس، أن المشروع يمكن أن يعمق المسار الأوروبي المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات، التي ظهرت في جداره، وعزا ونيس، الذي عمل سفيرا لبلاده في مدريد وموسكو وعواصم أخرى، في تصريح لسويس انفو ذلك التفاؤل، إلى أن المفهوم نفسه ينبني على فكرة الإتحاد، “فهو معادل للإتحاد الأوروبي، لكن في حقل جغرافي واقتصادي مُغاير، ومعنى هذا، أن هناك عقلية جديدة تذهب إلى مدى أبعد من مفهوم الشراكة، أي إلى نظير للإتحاد الأوروبي”.
وشاطر هذا الرأي رئيس الوزراء الجزائري الأسبق إسماعيل حمداني، إلا أنه شدد على ضرورة إدماج ثلاثة أبعاد جوهرية في بنية الإتحاد المزمع إنشاؤه، وهي صوغ مفهوم مشترك للإرهاب، مع التخلي عن ربطه بالمسلمين، سكان الضفة الجنوبية (لأن لكل دين متطرفيه) والارتكاز على مفهوم المصالح المتوازنة ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بإرساء فكرة الأمن الجماعي، وقال لسويس أنفو، “إن مسار برشلونة لم يستطع استيعاب هذه الأبعاد وإيجاد أجوبة واضحة عليها”.
ورأى أنطونيو دياس فارينا، الأمين العام لأكاديمية العلوم السياسية في لشبونة، أن الإتحاد المتوسطي هو أفضل رد على التقلبات التي تعصف بالمنطقة، واعتبره وسيلة فعالة لتعزيز الاستقرار وإقامة حوار بين الحضارات والأديان المنتشرة على ضفتي هذا البحر.
غير أن هذا المشروع لن يكون محصنا من المطبّـات، التي وقع فيها مسار برشلونة، مما يطرح أسئلة عدة عن الضمانات التي ينبغي تأمينها لوضعه على السكة.
وفي رأي السفير ونيس، أن الانطلاق من فكرة الإتحاد، يُبعد المخاطر والمزالق، لأنه يتعدى المنظومة المبنية على الشراكة ويؤمِّـن الضمانات لتحقيق الغايات المأمولة من الإتحاد.
ضعف ومسؤولية مشتركة
لكن ما دام مسار برشلونة قد أظهر ضُـعف الإرادة، التي تدفع الأوروبيين لتطوير الشراكة، فما الذي يضمن أنها ستكون أقوى زخما وأشد مضاء في المشروع الجديد؟
أجاب ونيس على هذا السؤال بالعودة إلى أسباب تعثر مسار برشلونة، راميا الكرة في الملعبين معا، إذ أكد أن الضعف لوحظ لدى الجانبين والمسؤولية مشتركة، واستدل بتجربة أوروبا الشرقية والوسطى “اللتين حققتا الغايات المرسومة للشراكة، إذ انطلقتا من روحها قبل الانضمام للإتحاد الأوروبي”، على حد تعبيره.
وأوضح أن إرادة تلك البلدان كانت “القبول بإصلاح النظام الاقتصادي، ولكن أيضا إصلاح أنظمتها السياسية وإقامة المؤسسات وإرساء التعددية وصون حقوق الإنسان وإطلاق حرية الإعلام واحترام استقلال القضاء وإصلاح النظام التعليمي، وهي خطوات لم تحققها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط في ذلك الحيز الزمني، نفسه لأنها كانت متعلقة بتدفق التمويلات الأوروبية والمحافظة على الامتيازات، التي أتت بها اتفاقات سنة 1976 مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية”.
لكنه أكد أن بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، حصلت على تمويلات أكبر ومساعدات من البنك الدولي، كانت مخصصة للمنطقة المتوسطية، بينما لم نستفد منها نحن في المتوسط، بسبب تركيبة الشراكة، ومع ذلك، رأى أن للإتحاد الأوروبي نصيبه من المسؤولية عن إخفاق الشراكة، لأنه لم يف بالوعد في قضايا الشرق الأوسط، بل ظل يخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وهو لا زال يتّـهم المقاومة في الأراضي المحتلة بأنها إرهابا، ويسلط العقوبات على سوريا، بينما أراضيها محتلة، ولم يسلطها على الدولة المجرمة. ولما اندلعت الحرب في لبنان، رفض وقفها لأكثر من شهر، مع أن لبنان شريك للإتحاد، وهو يعلم أن الدولة اللبنانية غير قادرة على الدفاع، لأنها تحت سيف المقاطعة.
لكن على أي استخلاصات من مسار برشلونة أقام الفرنسيون مشروعهم الجديد؟ يوجد في أساس مشروع ساركوزي، تقرير وضعته نخبة من المخططين، مؤلفة من أكاديميين ورجال سياسة ودبلوماسيين بطلب من ساركوزي نفسه لما كان مرشحا للرئاسة، وأطلق عليه اصطلاحا عنوان “تقرير ابن سينا”، تيمنا ربما باسم الطبيب والفيلسوف المسلم المعروف.
ومن العناصر الجديدة في التقرير، مؤاخذته دول الإتحاد الأوروبي على تركيزها على العلاقات مع الحكومات في دول جنوب المتوسط وقلة سعيها لربط الجسور مع المجتمعات المدنية، وبخاصة المنظمات الأهلية، ذات الثقل والمصداقية في بلدانها، لكنه حث على الحذر أيضا من الحوار مع الأصوليين، مُكتفيا بالإشارة إلى ضرورة الاتجاه إلى القوى الإسلامية المعتدلة الرافضة للعنف، مع دفع السلطات الحاكمة في البلدان المتوسطية إلى التخلي عن نهج الانغلاق ومحاربة المعارضين المسالمين.
وطبعا، توجد العلاقات الفرنسية – المتوسطية في قلب هذه الرؤية، لأن ساركوزي يعكف مع فريقه الجديد على تحسين مركز فرنسا الإقليمي والدولي على السواء، في إطار قوس يمتد من ضفاف البوسفور في تركيا إلى ضفاف الأطلسي في موريتانيا.
مصالح فرنسا العليا
ويعتقد الأكاديمي الإسباني خوان أنتونيو شافاريا، أن الانطلاق من هذه الزاوية، ليس ذنبا ولا عيبا، وإنما هو سبيل لبناء العلاقات في المستقبل على أساس المصلحة الجماعية والمنفعة المتبادلة، ويستدل شافاريا، وهو استاذ في جامعة مدريد للآداب الإسبانية وعضو مؤسسة “الإرث الأندلسي” الإسبانية، على صحة هذا المنظور، بالإرث الثقافي المشترك الذي تبادله سكان ضفتي المتوسط على مدى العصور، والذي جسده معمار قصر الحمراء في الأندلس.
ويلتقي عند هذه النقطة المركزية، مشروع ساركوزي ومبادرة سلفه شيراك، التي عرضها رئيس وزرائه دومينيك دوفيلبان في خطاب ألقاه في معهد العالم العربي في باريس يوم 20 مارس الماضي، والذي طرح من خلاله شراكة جديدة على بلدان المغرب العربي.
وانبنت مبادرة شيراك أيضا على عمل طويل، قام به فريق من الخبراء برئاسة أمين عام وزارة الخارجية آنذاك فيليب فور. ولاشك أن هناك رؤى مشتركة بين الطاقم الذي ساعد شيراك وذاك الذي طبخ مشروع خلفه، فكلاهما ينظر إلى مصالح فرنسا العليا، خاصة وهما ينتميان إلى تيار سياسي واحد.
والجدير بالذكر أن دوفيلبان عرض أربعة محاور رئيسية لتلك الشراكة الجديدة المعروضة على بلدان الإتحاد المغاربي، والتي قال إنه يمكن توسيعها إلى باقي البلدان المتوسطية، وهي تعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المغرب العربي وتطوير الشراكة في مجالي التكوين والبحث العلمي وإرساء تعاون متطور في قطاع الإعلام السمعي والبصري وربط علاقات متينة بين المنظمات الأهلية في الجانبين.
وطبعا، ثمة فوارق جوهرية بين المبادرتين، لأن مشروع ساركوزي يتوجه إلى جميع البلدان المتوسطية الشريكة للإتحاد الأوروبي (عشرة بلدان)، ويعرض عليها اتحادا شاملا، وليس مجرد شراكة، وإن لم تتوضح بعد أسُـس هذا الإتحاد.
رفض وتساؤلات
غير أن الأتراك الذين تعهد ساركوزي بإيصاد أبواب الإتحاد الأوروبي في وجوهم، سارعوا لرفض الإتحاد المتوسطي، مُعتبرين أن المطروح عليهم الانضمام للإتحاد الأوروبي، وليس مقعدا صغيرا في اتحاد من الدرجة الثانية، وقالوا على لسان وزير خارجيتهم عبد الله غل، إن الإتحادين كيانان مختلفان بعضهما عن بعض.
كما أن بعض النخب في المغرب العربي تتساءل عن مدى قابلية المشروع للتحقيق، بعدما رفض الإتحاد الأوروبي طلب العضوية الذي سبق أن تقدم به ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، فضلا عن الضيق الشديد من ترشح تركيا لعضوية الإتحاد.
وطالما أن بلدا في حجم تركيا أعلن رفضه الانضمام إلى الإتحاد المتوسطي، المنوي إنشاؤه، وأن بلدانا أوروبية منافسة لفرنسا وقوى أخرى من خارج المنطقة، مثل الإدارة الأمريكية، ستسعى لتعطيله أو ربما قص أجنحته. فهل سيكون بمقدوره أن يطير يوما ويحلِّـق في سماء المتوسط؟
تونس – رشيد خشانة
تونس (رويترز) – قالت مصادر رسمية، إن الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي أبلغ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، حرصه على تفعيل العمل المتوسطي.
وقال ساركوزي اليميني، الذي انتخب رئيسا خلفا لجاك شيراك، في رسالة شكر وجهها لرئيس تونس “آمل أن نتوفق في بناء اتحاد متوسطي مع البلدان المعنية، حتى نرفع سويا وبنجاح التحديات المشتركة”، وأضاف “أنا على يقين أنه يمكن في إطار هذا المشروع الطموح والأكيد، التعويل على دعمكم وحزمكم”.
وكان ساركوزي أعلن خلال حملته الانتخابية، أن تكثيف التعاون بين بلدان حوض البحر المتوسط في مختلف المجالات، سيكون ضمن أولويات برامجه، وتعهد الرئيس الجديد بتدعيم الشراكة بين فرنسا وتونس في كافة الميادين، وقال “أؤكد لكم الاهتمام الذي سأوليه للعلاقات المتميزة بين تونس وفرنسا والقائمة على روابط عريقة”.
وفرنسا هي الشريك التجاري الأول لتونس بحجم مبادلات تجاوز ستة مليارات يورو (نحو ثمانية مليار دولار) عام 2006 وبأكثر من 1100 مؤسسة استثمارية بقيمة 80 مليون يورو.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.