معرض “آثار غزة” في جنيف ومشروع المتحف في الطريق
لعبت جنيف ومسؤول الثقافة فيها، باتريس مونيي، دورا رئيسيا في تنظيم معرض التحف الأثرية لغزة والتحضير لمشروع بناء أول متحف أثري في قطاع غزة.
وتشير آخر المعلومات إلى افتتاح المعرض في 26 أبريل سيتم بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إطار جولته الأوروبية.
لعبت مدينة جنيف وبالاخص باتريس مونيي، المسئول عن الثقافة فيها دورا هاما في تحضير معرض الكنوز الأثرية لغزة الذي يعتبر أكبر معرض أثري فلسطيني يقام في الخارج. وهو المعرض الذي سيفتتحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم 26 ابريل 2007.
كما تسهر مدينة جنيف على إعداد مشروع متحف للآثار في قطاع غزة وعلى تكوين إطارات متاحف فلسطينية مثلما ورد في الحوار الذي خص به باتريس مونيي سويس إنفو.
سويس إنفو: كيف نشأت فكرة المعرض ؟
باتريس مونيي: كانت لجنيف منذ مدة روابط قوية مع غزة ومع باقي المناطق الفلسطينية إما عن طريق مشاريع التنمية والتعاون. يضاف الى ذلك أن لي علاقة خاصة بالمنطقة من خلال اتصالاتي بالكنائس المسيحية عبر صديقي ألان بيطار صاحب المكتبة العربية في جنيف. فهذا الصديق المسيحي هو الذي سمح لي بالإطلاع على القضية الفلسطينية منذ ثلاثين سنة، ولم انقطع منذ يومها عن الاهتمام بالمنطقة.
وقد أتيحت لي الفرصة لتجديد الإهتمام بالمنطقة عندما قام باحث الآثار في مدينة جنيف مارك اندري هالديمان بأبحاث آثرية في الأردن الى جانب الأب هامبير من الكنيسة الإنجيلية بالقدس.
كما قابلنا في مدينة غزة المقاول الفلسطيني السيد خضري الذي استطاع جمع هذه المجموعة الرائعة من التحف الأثرية، وهذه العوامل المختلفة هي التي دفعتنا الى التفكير في استثمار كل ذلك في تنظيم معرض في جنيف ، بعد أن علمنا ان ممثلة السلطة الفلسطينية في بروكسل ليلى شهيد تحتفظ بحوالي 200 قطعة بعد عرضها في باريس.
وقد اعتبرنا أن جمع كل هذه القطة سيمكننا من الحديث عن غزة بماضيها وموقعها على البحر البيض المتوسط بشكل جيد.
وبما أن علاقاتنا مع عدد من الفنانين الفلسطينيين كانت جيدة نتيجة لعمل الفنان السينمائي السويسري نيكولا فاديموف، ونتيجة لعثورنا على فرقة من فناني موسيقى الراب الشباب الفلسطينيين، فكرنا في إشراك كل هؤلاء الفنانين في التظاهرة الى جانب المعرض الأثري حول غزة في متحف الفن والتاريخ، ثم عرض الصور واللوحات الفنية. وفي قاعة “المعمل L’Usine” نعرض من خلال فرقة “الراب” وجها آخر في وسط شبابي عن الثقافة المعاصرة في قطاع غزة.
وأعتبر أن هذا الإنجاز يعتبر من أجمل الانجازات التي حققتها خلال فترة تولي القطاع الثقافي بمدينة جنيف.
سويس إنفو: أكيد أن تنظيم خروج قطع أثرية في الظروف التي تعرفها منطقة غزة ليس بالأمر السهل؟
باتريس مونيي: بالطبع تنظيم معرض من هذا النوع لم يكن بالسهل ليس فقط لأن الأمر يتطلب توفير شاحنات لنقل تلك القطع الى خارج قطاع غزة بل أيضا للحصول على موافقة كل الأطراف المتواجدة في المكان. وقد حصلنا على هذا التعاون بحيث رافقتنا الفرق المختلفة بما في ذلك السلطات الإسرائيلية حتى الحدود المصرية مع قطاع غزة.
ويجب ان نقول ان اقتناع دول الاتحاد الأوروبي والسلطات المصرية كان أهون من إقناع السلطات الإسرائيلية والجهات الفلسطينية المختلفة. ويجب ان اقول أن الكل ساهم في العملية والكل فهم بأننا لم نكن بصدد التدخل في المسار السياسي خصوصا وأن السمعة التي كانت لسويسرا في المنطقة سمعة جيدة.
سويس إنفو: الى اين وصلت التحضيرات بخصوص المعرض؟
باتريس مونيي: نحن اليوم في إطار ادخال اللمسات الأخيرة. وسنقوم في السادس والعشرين من أبريل بعملية الافتتاح بحضور الرئيس الفلسطيني الذي أكد هذا الحضور قبل أيام، اللهم إلا إذا طرأ طارئ هام كما تعلمون. وسيرافقه في ذلك وزير الخارجية زياد أبو عمرو الذي له علاقات جيدة مع جنيف منذ أن كان نائبا برلمانيا وشارك الى جانبنا عندما كنت عضوا في البرلمان الفدرالي في اللقاءات التي تمت بين ممثلي المجلس الوطني الفلسطيني والكنيسيت الإسرائيلية هنا في جنيف.
هذا المعرض الذي سيستمر لعدة أشهر سترافقه عدة نشاطات ثقافية فلسطينية أما موسيقية او فنية وأدبية. ونختتم الكل في نهاية فصل الصيف بانطلاق مشروع تصميم متحف غزة.
سويس إنفو: هذا المعرض هو أكبر معرض لتحف أثرية فلسطينية تعرض في الخارج، ما هي الرسالة التي يراد الترويج لها من خلال تنظيم هذا المعرض؟
باتريس مونيي: سيقدم الرئيس محمد عباس نظرته لهذه الرسالة، بينما أرى أنا من منظور جنيف أن هناك رسالتان: أولا لإظهار بأن قطاع غزة ليس فقط ما تتناقله محطات التلفزة في العالم من مآس وصور مروعة، بل إن لغزة ماض حافل ومزدهر عندما كانت أحد اكبر موانئ حوض البحر البيض المتوسط. ولدينا ادلة على ذلك اليوم من خلال هذه القطع الأثرية. كما ان غزة تعتبر أرضا مفعمة بالإيمان والصبر وأن أهلها يواصلون التمسك بالعيش رغم الصعوبات اليومية.
ومن هذا المنطلق ستلعب جنيف دور الواجهة التي تسمح بعكس ما يتم هناك. وإننا نعتبر أن موافقة اهل غزة على ذلك يعتبر هدية لسكان جنيف، وهو ما سيعمل على تعزيز سمعة جنيف كمدينة دولية منفتحة على العالم باختلافاته وجوانبه التكاملية.
سويس إنفو: بعد هذا الجهد الكبير لتنظيم المعرض هل سيسمح له بالإنتقال إلى عواصم أخرى؟
باتريس موني: هناك اهتمام من قبل أثينا وبروكسل. وبروكسل تعتبر مهمة لأنه بعد المرور في جنيف الدولية، ستسمح مرحلة بروكسل بتعزيز إطلاع الأوروبيين على واقع قطاع غزة. وأملي أن يعرف المعرض طريقه أيضا الى الولايات المتحدة الأمريكية ولو أن ذلك ليس سوى “تفكير بصوت عال” في الوقت الحالي.
سويس إنفو: من المشاريع التي تلعب مدينة جنيف دورا هاما فيها أيضا مشروع بناء متحف في قطاع غزة، هل الظروف الحالية مهيئة لمشروع مماثل والى اين وصلت التحضيرات؟
باتريس مونيي: إني اتذكر دوما الإجابة التي كان زياد ابو عمرو يرددها للصحفيين عندما يسألونه هل أن إقامة متحف من أولويات الفلسطينيين في الوقت الحالي والذي كان يرد: “إن لنا روحا أيضا”.
وحتى ولو كانت الظروف التي يعيشها الفلسطينيون صعبة، فإنني اعتقد ان بإمكانهم إظهار جوانب من ماضيهم ومعتقداتهم وحاضرهم بشكل مبدع وهذا ما نحاول القيام به بكل تواضع.
فمشروع بناء متحف في منطقة مدمرة بالكامل يتطلب إنجاز مشروع مقنع في جوهره يشتمل على فنيات عرض أثري عصرية، ومتواضع في شكله الخارجي بحيث يتلائم مع الوسط المتواضع الذي سيقام فيه.
المشروع يلقى تزكية من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي سيضع حوالي مليون دولار لتمويل مسابقة تصميم هذا المتحف كما أن منظمة اليونيسكو مستعدة لترؤس هذا المشروع.
وقد حددنا ميزانية انجازه بحوالي 30 مليون دولار وإنني أعتقد أن الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي المهجر قادرة على جمع هذا المبلغ.
وهو المشروع الذي سنطلق مسابقة التصميم المعماري له مع نهاية المعرض على أن تستغرق أشغال انجازه حوالي أربعة أعوام.
سويس إنفو: وكيف تكون مساهمة جنيف في المشروع؟
باتريس مونيي: جنيف سوف لن تسهم ماليا ولكن من خلال الخبرة في مجال الآثار والهندسة المعمارية. فقد اعتمدنا ميزانية متواضعة لتغطية نفقات تكوين خبراء فلسطينيين في مجال المتاحف. وفي المقابل بإمكان علماء آثار من مدينة جنيف المشاركة في الحفائر الأثرية في غزة. وبهذه الطريقة يمكن للطرفين الاستفادة.
سويس إنفو: كانت هناك نية للشروع في مسابقة تصميم مبنى المتحف. لماذا تم تأخير ذلك؟
باتريس مونيي: التأخير راجع الى أن زياد أبو عمر الذي كان مكلفا بإدارة المشروع دعي للمشاركة في تشكيل الحكومة الفلسطينية كما تعرفون، والفكرة الحالية هي اطلاق المسابقة المعمارية عند نهاية معرض غزة أي بعد حوالي اربعة أشهر، على أن نشرع في سبتمبر أو أكتوبر في إعداد المواصفات والشروط المطلوبة في هذا المتحف.
وأنا على استعداد للتوجه مرتين أو أكثر الى المنطقة بصحبة مهندسين معماريين لتحديد تلك المواصفات. ومن المتوقع أن نشرع في عملية البناء بعد عام او عام ونصف من الآن.
سويس إنفو: هل يمكن توقع عراقيل في مرحلة التشييد؟
باتريس مونيي: من المحتمل أن تشهد مرحلة الإنجاز بعض المشاكل. لكن الخبرة التي عشناها أثناء تنظيم المعرض مع جميع الأطراف، تسمح لنا بالاعتقاد أنه بالإمكان التوصل الى شبه اتفاق او معاهدة تقضي باعتباره أرضا محايدة لحماية هذا المتحف من القصف او التحطيم، لأن ذلك سيكون من قبيل الجنون لأنه عبارة عن جزء من ذاكرة وروح هذا الشعب.
سويس إنفو: تشييد متحف يعتبر حدثا ثقافيا هاما ولكن عندما يتعلق الأمر بمتحف فلسطيني الا تعتقدون بأن للخطوة بعدا أعمق؟
باتريس مونيي: يمكن قول ما هو أعمق من ذلك، لأننا عندما نتحدث عن فلسطين اليوم يتعلق الأمر بعدة مناطق، وغزة واحدة من تلك المناطق التي تعرف بعض المشاكل بسبب الازدحام السكاني وعمليات الإغلاق رغم توفر السواحل الجميلة والأراضي الخصبة.
فعندما نشيد بها مبنى هام بمحتوى أثري معبر، هذا الحدث سيسمح أولا لأهالي غزة باكتشاف ماضيهم الذي تختلط فيه الحقب ما قبل المسيحية والمسيحية والإسلامية واليهودية، كما أنه سيعمل على جلب زوار للمنطقة مما يعمل بشكل متواضع على الشروع في بناء قسم من الأمل والمستقبل. ولعل التضارب يتمثل في أننا نعرض مآثر قديمة ولكننا نتحدث عن بناء جانب من المستقبل. ولو نتمكن في تحقيق ذلك فنكون قد أسهمنا بقسط بسيط ومتواضع.
الأمر يتعلق بمنطقة لم يكتب تاريخها نهائيا وعلينا أن نكتشفه. ومن هذا المنطلق يمكن القول بان ما نقوم به هو بمثابة تشييد جسر ثقافي بين الماضي والحاضر وبين الأجيال بإمكانه على المدى البعيد أن يرسي قواعد التعايش في المنطقة.
سويس إنفو: هل بإمكان الثقافة ان تحقق ما لم تستطع الدبلوماسية والسياسة إنجازه؟
باتريس مونيي: لا أعتقد أن بإمكان جنيف تمكين الأخوة الأعداء من المصالحة. انا كسياسي اعتقد بأن السياسة تسمح بمحاولة إدارة أمور المجتمع بشكل جماعي، وهذا ما نفلح فيه تارة ونخفق فيه تارة أخرى. أما الثقافة في مفهومي فهي كل ما يشجعك على التمتع بالحياة من جهة مثل الشعر والأدب والفن وما إلى ذلك. كما ان الثقافة هي كل ما يسمح لك باكتشاف الآخر وفهمه.
فعندما تقرأ لمحمود دوريش الذي كان من بين أولى مطالعاتي عن أدب المنطقة، فإنك تنغمس في واقع فلسطين، ولو أنني اعتبر أن فهم الآخر لا يعني موافقته الرأي كلية وقبول كل أفكاره. فأنا بإمكاني أن أعيش مع شخص أتشاجر معه كل يوم ولكنني اعتبر ان من حقه أن يعيش الى جواري. ولكن لو أتمكن من فهمه أحسن هذا سيسهل علي هذا التعايش.
فالطريقة المثلى للتعايش هي الشروع في التخلي عن مطالبة الآخر بالرحيل. وأنا هنا لا أتحدث عن الوضع بين فلسطين وإسرائيل لأن من المشروع للشعوب المطالبة بأراضيها. وأنا من المناصرين لإقامة دولة فلسطينية حتى لا يكون هناك لبس. ولكن ما اريد قوله هو أنه حتى داخل المجتمع الفلسطيني نجد أن التعايش صعب. وهنا تتدخل الثقافة لكي تبني هذه الجسور لتوعيتنا بأن لنا ماضيا مشتركا وتراثا مشتركا ومن ثمة نحن مضطرون للعيش معا.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
يستعد متحف الفن والتاريخ بجنيف لتنظيم معرض للآثار الفلسطينية، وذلك ما بين 27 أبريل و 7 أكتوبر 2007 بعرض أكثر من 500 قطعة أثرية تمثل مختلف الحقب التي مر بها قطاع غزة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى أواخر العهد العثماني.
المعرض الذي سهر على إعداده كل من مارك اندري هالديمان وماريال مارتينياني ريبر من متحف الفن والتاريخ بجنيف، يعد أكبر معرض ينظم خارج الأراضي الفلسطينية على الإطلاق. ويهدف – حسب السيد هالديمان- الى “إعطاء صورة عن غزة للرأي العام السويسري والأوروبي والعالمي تعكس هذا الثراء الخارق للعادة للمعالم التاريخية التي تزخر بها المنطقة وليس فقط ما تتناقله وسائل الإعلام يوميا من مآس”.
ما سيعرض في جنيف من تحف فنية فلسطينية من قطاع غزة يمثل بقايا حضارات متعاقبة امتدت من فترة ما قبل التاريخ حتى العهد العثماني. وتقول الخبيرة السويسرية ماريال ماريتنياني فيبر أن “ما سيطغى على قطع المعرض هو ما يعود للحقبة الإغريقية من قطع فخارية وغيرها إما صنعت في المنطقة أو تم جلبها الى قطاع غزة من مناطق أخرى خصوصا من قبرص واليونان”.
وإلى جانب الحقبة اليونانية، تشير السيدة ماريال إلى أن “منطقة غزة تزخر ايضا بآثار الحقبة المسيحية رغم أن دخول الديانة المسيحية عرف بعض الصعوبات بسبب تفشي الديانات البدائية وبالأخص الرومانية التي كانت تقدس الإله زويس”.
وتشير بالخصوص الى شخصيات مسيحية مثل القديس هيلاريون الذي لم يذع صيته ونفوذه في طاباطا مسقط رأسه في غزة فقط بل أيضا في قبرص حيث أقيم له دير هناك قبل تتم إعادة رفاته الى موطنه الأصلي.
وتشير الخبيرة السويسرية الى أن قطاع غزة يزخر أيضا بمعالم أثرية هامة تعود للحقبة النبطية ثم الإسلامية التي تمتد من العصر العباسي حتى العثماني.
وعن تنظيم المعرض تشير السيدة ماريال مارتينياني فيبر الى ان افتتاح المعرض سيكون بجرتي فخار من قطاع غزة تم العثور عليهما في حفائر جرت تحت كاتدرائية جنيف. وتقول السيدة ماريال “إن هذه القطع الفخارية كانت تستعمل لجلب الخمر الذي يوزع في القداس الديني”.
ويختتم المعرض الذي يشتمل على 500 قطعة، بعضها يمثل الحياة اليومية في القطاع مثل الصيد والبحرية، بسارية آثرية تعود للحقبة البيزنطية، وقد أعيد استعمالها كحجر قبور لجندي شارك في حملة الجنرال أللنبي أثناء فترة الانتداب البريطاني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.