معضلة العمل بدون ترخيص
لا يرتبط موسم الصيف في سويسرا بالحديث عن العطل والسياحة فقط بقدر ما يرتبط بفتح ملف العمالة غير القانونية والتي جرى العرف على تسميتها بـ"العمل الأسود".
ينتشر “العمل الأسود” في سويسرا في قطاعات مختلفة مثل التشييد والبناء والزراعة والفندقة لا سيما في فصل الصيف، حيث تزداد الحاجة إلى الأيدي العاملة المؤقتة والرخيصة، إلا أن قلة من السويسريين هم الذين يقبلون على مثل هذه الأعمال لضعف رواتبها فضلا عن صعوبتها أحيانا.
ولا تسمح القوانين السويسرية بتوفير العمالة الموسمية أو المؤقتة المطلوبة بشكل يتناسب مع فرص الشغل المتاحة، فمن الناحية الرسمية تكون الأولوية في تشغيل الأجانب لمواطني الاتحاد الأوروبي أو رعايا بلدان رابطة التبادل التجاري الحر EFTA ُالتي تضم أيسلندا والنرويج إلى جانب إمارة ليختنشتاين وسويسرا.
إلا أن هذه البلدان لا توفر العمالة المطلوبة في المجالات السالفة الذكر والتي يكون الإقبال عليها عادة من مواطني منطقة البلقان أو شرق أوروبا. وكحل وسط لهذه المشكلة، توصلت الجمعيات الفلاحية السويسرية إلى أسلوب يقضى باستقدام أياد عاملة شابة من شرق أوروبا وتشغيلهم تحت مسمى “التدريب” حيث من المفترض أن يكونوا من طلبة التعليم المهني في مجال الفلاحة.
هذا الحل يروق للكثير من المزارعين، فهو من ناحية يحل أزمة نقص الأيادي العاملة بشكل قانوني، ومن ناحية أخرى لا يكون راتب “العامل الفلاحي تحت التدريب” كبيرا. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الأسلوب لا يشكل خروجا فعليا من المأزق لا في المجال الفلاحي ولا في بقية المجالات التي لم تتمكن من العثور على “العمالة تحت التدريب”.
علاوة على ذلك، فإن السلطات لا ترغب في العودة مرة أخرى إلى مسألة تقنين العمالة الموسمية بعد أن ألغتها قبل سنوات، ويعول المختصون على التحاق العديد من دول شرق أوروبا بالاتحاد الأوروبي في وقت قريب مما سيجعل عملية تشغيلهم في سويسرا أمرا عاديا بموجب الاتفاقيات الثنائية بين الكنفدرالية والاتحاد الأوروبي.
حل منطقي أو تحايل على القانون؟
من جهة أخرى، ترى النقابات المهنية أن استقدام العمالة تحت شعار “التدريب الفلاحي” هو نوع من الاستغلال للعمالة الأجنبية من دول أوروبا الشرقية لضعف رواتبهم التي لا تقارن بالحد الأدنى الذي من المفترض أن يتقاضوه. إضافة إلى ذلك فمراقبة نوعية هذا التدريب المفترض أمر غير ممكن مما يضفى على العملية نوعا من عدم الجدية. فعلى سبيل المثال، يوجد في مزارع كانتون تورغاو شمالي سويسرا وحده ما بين 300 و400 “متدرب فلاحي” من أوكرانيا وبولندا دون أية مراقبة إرشادية أو تعليمية لما يقومون به.
وإذا كان هذا الحل مقبولا بشكل أو بآخر في المجال الفلاحي، إلا أنه يبقى أمرا غير وارد في مجال المعمار أو الفندقة حيث يخضع التدريب التعليمي فيهما لشروط قاسية ومعقدة.
تقابل السلطات السويسرية مشكلة “العمل الأسود” بالمزيد من المراقبة والمتابعة على المزارع ومواقع البناء والإنشاءات والفنادق والمطاعم لا سيما في المناطق المعروفة بانتشار المزارع مثل كانتونات فاليه وفو ونيوشاتيل أو بازل أو سان غالن، أو ذات الإقبال السياحي الكبير مثل جنيف أو منطقة وسط سويسرا.
كما تفرض الأجهزة المسؤولة غرامات مالية باهظة على أرباب العمل المخالفين مع امكانية مواجهة عقوبة السجن، إلى جانب ترحيل العامل الأجنبي واحتمال حرمانه من دخول سويسرا ثانية.
قد يكون الحل الوسط لهذه المشكلة هو إعادة العمل بنظام العمالة الموسمية المؤقتة بعد تعديله، وتعديل الثغرات التي كشفتها ظروف حروب البلقان في مطلع التسعينيات وساهمت في قدوم عدد غير قليل من اللاجئين إلى سويسرا. أو ربما تفضل السلطات الانتظار حتى توسيع رقعة الاتحاد الاوروبي ليشمل دول شرق القارة ومن ثم يكون دخول العمالة الرخيصة إلى سويسرا امرا عاديا.
تامر أبوالعينين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.