مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مكتبة جنيف: فن وعلوم وذاكرة مدينة

swissinfo.ch

يؤكد معرض تنظمه هذه الأيام مكتبة جنيف العامة والجامعية أن العلاقة بين الكتاب والثقافة والعلم لا تنفصل، بل هي حلقة متكاملة، تعكس أيضا ذاكرة المدينة التي طبقت شهرتها الآفاق.

ويقدم المعرض جزءا من أهم المخطوطات والكتب واللوحات التي تقتنيها المكتبة، وتمثل في الوقت نفسه صورة حية لتطور المنهج العلمي والثقافي الذي مرت به جامعة جنيف عبر قرابة 500 عام.

يتنقل زائر المعرض بين العديد من الأجنحة؛ منها ما يتحدث عن تاريخ المدينة وتطور الحياة فيها منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم، وقسم خاص بالوثائق العلمية التاريخية، وآخر يقدم تطور فن الدعاية والإعلان، وجناح يعرض أهم المخطوطات والكتب من شتى أنحاء العالم، لها قيمتها العلمية والأدبية وتعكس تطور الفكر الإنساني في جنيف وسويسرا والعالم، وقسم خاص بالشرق الأوسط.

ويقول المعرض إن اهتمام مكتبة جنيف بالعالم العربي والإسلامي بدأ مع انشائها منذ القرن السادس عشر، إذ سعى المفكرون والعلماء آنذاك للتعرف على الفكر الإسلامي كجزء من الدراسات اللاهوتية لاسيما وأن جنيف كانت في ذلك الوقت أحد أهم مراكز نشر المذهب البروتستانتي في العالم، حيث اهتم الباحثون بدراسة اللغات القديمة مثل العبرية والهيروغليفية واليونانية والقبطية والعربية، إلى جانب اللغات المندثرة مثل السومرية والكلدانية.

فالمعرض يقدم برديات باللغات العبرية والقبطية، تضم صلوات وأدعية مسيحية، وشرائح من التلمود تعود إلى السنوات الأولى بعد الميلاد، تم جمعها من مصر وفلسطين وسوريا والعراق، ويعود الفضل في هبوطها فوق أرفف المكتبة إلى جوليس نيكول (1842 – 1921) الذي جاب المنطقة بحثا عن جذور التاريخ والعلاقة بين الأديان، وكللها زميله الباحث إدوارد نافيل (1844 – 1926) ببردية من كتاب الموتى الفرعوني الشهير.

اهتمام بالفكر الإسلامي

اما الفكر الإسلامي، فمن الواضح أن مكتبة جنيف تضم مجموعة لا يستهان بها من أمهات الكتب في مختلف الفروع المتعلقة به، ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك هو اهتمام جان هومبرت أستاذ فقه اللغات بالحضارة العربية نقله معه من باريس إلى جنيف، ليؤسس في جامعتها قسم اللغة العربية في القرن التاسع عشر، بعد أن تراكمت في المكتبة أعداد محترمة من الكتب والمخطوطات العربية.

فمن بين المخطوطات المعروضة وثيقة بخط اليد للبروفيسور هومبرت يقارن فيها بين الحروف العربية والفارسية والهندية، ويدون فيها بخط أنيق منسق بين أساليب ربط الحروف العربية وبناء الكلمة، وعلاقة الحروف بالعمليات الحسابية. وكتاب آخر بخط اليد يعود إلى القرن الخامس عشر، بقلم محمد بن أحمد الشريف الحسني يشرح فيه قواعد اللغة العربية والنحو والصرف، وكتاب آخر بقلم ابو الحسن على بن القاسم الجزيري حول القانون الإسلامي ترجح إدارة المكتبة انه يعود للفترة ما بين 1462 و 1485.

فضلا عن عدد كبير من المخطوطات حول الشعر العربي والأدب والفلسفة باللغة العربية، وملاحظات الاساتذة السويسريين عليها اثناء القائهم لمحاضراتهم حول الإسلام في جامعة جنيف لاساتذة مثل جان هومبرت وماكس فان بيرخم، ذلك الأخير الذي زود المكتبة بالعديد من الصور والخرائط والرسومات حول اشهر المساجد في منطقة الشام وتركيا.

ويقال أن أول كتاب عربي وصل إلى مكتبة جنيف كان نسخة بخط اليد من القرآن الكريم مكتوبة بخط النسخ وبثلاثة ألوان على ورق من القطع الكبير، تعود إلى القرن السابع عشر، ومحفوظة في مغلف من الورق المقوى، حرصت إدارة الجامعة آنذاك على أن تكون تحت تصرف دارسي اللغة العربية وعلوم الأديان، سيما وأن النسخة مكتوبة بخط كبير وواضح، وتقول مصادر المعرض أن كلا من ايتيان غيرار وفانسان مينوتوللي هما اللذان نجحا في تسهيل حصول المكتبة عليها.

وتوجد في المعرض نسخ مختلفة الحجم من المصحف الشريف، مكتوبة جميعها بخط اليد، واحدة منها تعود إلى عام 1824 وعليها اسم من نسخها (عمر الرجائي عن استاذه في علم الخط العربي محمود الحميد في تركيا) وهي نسخة بالحجم الصغير، لكن حروفها واضحة واستخدم فيها الخطاط اسلوبا جميلا في الكتابة وترتيب الآيات البينات، واحاط كل صفحاته بإطار من ماء الذهب.

ثقافة فارسية وأدب الرحلات

ومن الثقافة الفارسية يقدم المعرض نسختين من أشهر الكتب الفارسية، وهما (شاهنامة) في نسخة بخط اليد تعود إلى القرن السادس عشر، بها العديد من الرسومات بألوان براقة زاهية وكأنها من انتاج المطابع الحديثة، ونسخة من كتاب (ظفرنامة) قيل أنها من الهند وتعود إلى عام 1678، لا تقل في رونقها على الشاهنامة.

أما كتب الرحلات ومذكرات من جابو المنطقة العربية من شرقها إلى غربها فمن الواضح أنها لا تعد ولا تحصي في المكتبة، حيث اختارت للمعرض كتابا ضخما يحمل عنوان (رحلة إلى مصر والنوبة) بقلم جان جاك ريفو يعود إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشر، يرصد فيه جولته في النيل من القاهرة إلى جنوب الوادي، وبه العديد من الرسومات والتعليقات، عن الحياة في تلك الفترة، وكتاب آخر لمذكرات الفريد بواسييه لجولاته في شمال افريقيا يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث استخدم التصوير الفوتوغرافي في تسجيل خطوات رحلته إلى جانب ملاحظاته.

ولعل أبرز ما يقدمه المعرض في هذا الجناح، هو رسم تخطيطي للحشرات والنباتات التي كانت شائعة في حوض النيل والمناطق المحيطة به، أعده جان جاك ريفو (1786 – 1852) في مطلع القرن التاسع عشر، ويلاحظ أن الباحث حرص على كتابة كافة التفاصيل حول حياة تلك الحشرات والنباتات باللغات الفرنسية والعربية واللاتينية، وهو ما استفاد منها الباحثون في التعرف على التطور الزراعي والسكاني في بعض المناطق في شمال افريقيا، سيما وأن الباحث كان دقيقا للغاية في وصفه لحياة الحشرات ونمو النباتات، وليس من المعروف إن كان لتلك الوثيقة الهامة علاقة مع رسم تخطيطي آخر لمنابع النيل بالحجم الكبير، حرص معده على تحديد اماكن البحيرات والمسافات بينها وارتفاعاتها والقبائل المحيطة بها.

مخطوطات علمية نادرة

ومثلما فعل أساتذة جامعة جنيف مع العالمين العربي والإسلامي، كان لهم اهتمام آخر بقارتي أسيا وافريقيا، فالمعرض يقدم خريطة بالحجم الكبير للقارة الإفريقية تعود إلى بدايات القرن الثامن عشر، وتبدو في حالة جيدة مقارنة مع امكانيات الرسم والطباعة المتاحة آنذاك، ولكنها حرصت على توضيح الخواص الطبيعية للقارة وأهم ما بها من ثروات طبيعية، واختلاف المناخ بين ربوعها.

كما يوجد بالمعرض مخطوطات نادرة بأقلام علماء سويسريين متخصصين في الفلك والرياضيات والفلسفة والطب وعلوم الحياة ، مثل خريطة النجوم في السماء من أعمال الفلكي جورج كريستوف ايمارت تعود لعام 1705، وملاحظات عالم الفيزياء جورج لويس لوساج حول نظرية الجاذبية لنيوتن لم يجد سوى أوراق اللعب ليدونها عليها، وهي أعمال تمثل قيمة تاريخية وجمالية، فمن الملاحظ أن طباعة الكتب في المراحل الأولى كانت تبرز أهمية الكتاب ومضمونه من خلال الإهتمام بالرسومات الجمالية والزخارف على جوانب الصفحات واغلفة الكتب السميكة للغاية، كما يلاحظ أيضا أختلاف حروف الطباعة من لغة إلى أخرى، فحروف اللغة اللاتينية مثلا لم تكن مطبوعة لنفس شكل أحرف اللغة الألمانية التي تختلف بدورها عن الفرنسية أو الإيطالية، وربما يعود ذلك إلى محاولة كل لغة وضع نمط للخط الذي تكتب به، يكون منسجما مع فلسفتها.

وفي جناح جنيف يشاهد الزائر صورا نادرة من المدينة منذ العصور الوسطى، من بينها أمثلة وثائق تخطيط الشوارع والمنازل، وترتيب المرور من وإلى المدينة بحكم وقوعها مباشرة على نقطة حدود مع فرنسا، وتطور الحركة التجارية فيها وعلاقة الدين بمختلف جوانب الحياة وصولا إلى العلمانية الكاملة، وظهور الطبقات البرجوازية، ويبدو أن أرشيف المكتبة الإجتماعي لم يتسع إلا لكل ما هو على صلة بالأثرياء وحياتهم المرفهة والطبيعة الجميلة.

كما كشف المعرض أيضا عن تشكيلة كبيرة من مقتينات المكتبة من الملصقات الدعائية السياحية، للترويج لجنيف والمناطق المحيطة بها، صيفا وشتاءا، ووفقا لبيانات المعرض، فقد نجحت تلك الملصقات في أن تكون أعمالا فنية مثلما كان لها أثر تجاري، فاحتفظ بمجموعة كبيرة منها، ويقدم المعرض للزوار أيضا شريطا للفيديو، حول الأساليب التي تستخدمها المكتبة لتوثيق محتوياتها بشكل يضمن الحفاظ على ذاكرة المدينة برموزها المختلفة؛ الثقافية والأدبية والتاريخية والعلمية والدينية.

سويس انفو – تامر أبوالعينين – جنيف

تنظم مكتبة جنيف العامة والجامعية بالتعاون مع متحف رات للفن، معرضا يقدم بعضا من النفائس التي تضمها المكتبة، تحت عنوان “فن ومعرفة وذاكرة .. كنوز مكتبة جنيف” وذلك في الفترة ما بين 23 نوفمبر 2006 و18 فبراير 2007.

يضم المعرض أجنحة مختلفة لأهم المؤلفات حول تاريخ جنيف وأهم الشخصيات التي عاشت فيها أو كان لها ارتباط وثيق بها في الأدب والسياسة والثقافة والعلوم، إلى جانب تراث اساتذة جامعتها وما خلفوه من أعمال ووثائق تارخية في مختلف الفروع، هي في حد ذاته ثروة علمية هامة.

خصص المعرض جناحا لعرض بعض ما في المكتبة من نفائس الكتب والمخطوطات من العالمين العربي والإسلامي، تتناول الديانتين اليهودية والقبطية والحضارة الإسلامية من الفلسفة والشعر والأدب والتاريخ.

وصفها الأديب السويسري الراحل نيكولا بوفييه بأنها “مغارة علي بابا”، لما تشتمل عليه من كنوز معرفية وأدبية وفنية، وتعد ذاكرة مدينة جنيف منذ حوالي 500 عام.

لا تذكر الوثائق الرسمية سنة إنشاء المكتبة بالتحديد، لكنها ظهرت مرتبطة بعام 1561، أثناء تجديد مبنى جامعة جنيف وتوسيعه.

1702 تعتبر سنة تاريخية في مسيرة المكتبة، بعد أن تقرر افتتاح قاعتها الكبرى للعموم ولم تعد مقتصرة على الباحثين والطلبة، وحرصت الجامعة منذ ذلك الوقت على أن يتولى أمر المكتبة شخصيات لامعة من المفكرين وذوي الرأي في الثقافة والفنون أو مختلف العلوم الدينية أو التطبيقية، مما اكسبها صيتا وسمعة جيدة في أوروبا.

1834 تطور نظام المكتبة وحرصت على توسيع مقتنياتها؛ فاهتمت بالوثائق والمخطوطات والأعمال الفنية وكانت أول من حرص على تسجيل وقائع الحياة الإجتماعية والثقافية في جنيف، من خلال مجموعات كبيرة من الصور الفوتغرافية والمذكرات الخاصة بكبار الشخصيات من أبناء جنيف أو من سكنوا فيها للدراسة أو العمل.

1872 انتقلت المكتبة إلى مقرها الحالي في Promenade des Bastions الذي يجمع بين النمط الكلاسيكي والحداثة، إذ تعتمد المكتبة على أفضل تقنيات التوثيق في العالم وطرق صيانة ومعالجة المخطوطات الأثرية.

تضم المكتبة منذ عام 1907 جزءا للعموم وآخر خاصا بالأكاديميين والدوريات العلمية المتخصصة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية