من أجل شراكة دولية لمواجهة تحدّيات الهجرة
تحت شعار "الهجرة تحَـدٍّ يجب مواجهته أم إمكانيات يجب استثمارها"، عقد قسم الأمن الإنساني بوزارة الخارجية السويسرية يوم 29 أكتوبر مؤتمره السنوي بالعاصمة الفدرالية برن بحضور العديد من المنظمات الدولية والجمعيات المدنية ومشاركة رسمية واسعة النطاق.
وفي خطاب الافتتاح، دعت رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية، الأطراف الدولية إلى إعادة النظر في سياساتها تُـجاه ظاهرة الهجرة، مُـعتبرة أنه “من غير المنطقي أن تنفق دول مثل الولايات المتحدة وبلدان الإتحاد الأوروبي من الأموال لإيقاف ظاهرة الهجرة، أكثر مما تخصصه لدعم جهود التنمية في البلدان النامية”.
بعيدا عن الخطاب الدبلوماسي المعهود، دعت السيدة كالمي – ري هذه الدول إلى الاعتبار من دروس التاريخ، مشدِّدة على أن “الجُـدران العازلة والأسلاك الشائكة لن تصمد أمام رغبة أولئك الرجال والنساء الطامحين للحرية والساعين للإنعتاق من الفاقة والحرمان”.
وحول السياسة التي يجب إتِّـباعها في سويسرا، تجيب وزيرة الخارجية بكلمات لا تخفى معانيها “سويسرا بلد منفتح ومتسامح، منسجِـم مع قيمه الأساسية ومُـحافظ على مصالحه ومصالح مواطنيه”، داعية الذين جعلوا من ملف الأجانب ورقة للمزايدة الإنتخابية إلى أن “ينظروا من حولهم، وسيكتشفون أن المعجزات السويسرية الثلاث: الشكولاطة والمصارف والساعات، صنعها مهاجرون من ألمانيا وفرنسا ولبنان”.
وفي ختام كلمتها، دعَـت وزيرة الخارجية إلى شراكة دولية للتعامل مع التحديات الجسيمة التي تسبِّـبها الهجرة، وتابعت: “يجب أخذ المخاطر التي تحدِق بالهوية الثقافية والسِّـلم الاجتماعي مأخذ الجدّ، دون نكران جميل المليون ونصف المليون أجنبي الذين يمثلون 20% من مجموع السكان” في الكنفدرالية.
ومن ناحيتها، دعت باتريسيا سانتو توماس، وزيرة العمل بحكومة الفيليبين سابقا ورئيسة بنك التنمية حاليا المشاركة في المؤتمر، إلى تنظيم العلاقة بين المهاجرين والبلدان المُـضيفة، وتبيان حقوق وواجبات جميع الأطراف المعنية وضمان مصالحها بتوازن.
لكن كيف يُـمكن تحديد تلك المصالح؟ وإلى أي مرجعية يمكن الاحتكام؟ عند الجواب عن هذا السؤال تتشابك الخيوط وتتضارب مصالح الأقليات والأغلبية، وتتعارض السياسات المحلية مع متطلبات العولمة ويصبح من الصعب إيجاد مساحة توافُـق، بين خيارات وطنية تريد أن تُـرضي رأيا عاما محكوما بمعادلات داخلية، وسوقَ عملٍ دولي يتّـجه أكثر فأكثر نحو العولمة والمنافسة الحرة.
شراكة دولية تحترم الحقوق الأساسية
هذا التشابك والتداخل هو الذي يجعل الهجرة ظاهرة ليس بمقدور دولة بمفردها رفع تحدّياتها، ويكمُـن الحل، بحسب العديد من المشاركين، في إرساء حوار شفّـاف ومسؤول على المستَـويَـين، المحلي والدولي.
وعن هذا التمشّـي، يقول جياني داماتو، عن المنتدى السويسري لدراسة شؤون الهجرة والسكان “لقد أثبت التعاون الدولي جدواه، فالهجرة من الظواهر التي تتطلّـب معالجة على نِـطاق يتجاوز الإجراءات الوطنية، وتوحيد الجهود على المستوى الدولي يمُـر عبر المفاوضات والحوار”.
هذا الحوار لن يكون سهلا، فمِـن ناحية يتَّـهم المدافعون عن حقوق الإنسان، مثل السينغالي أبو بكر يالي نداي، مدير قسم الإجراءات القانونية بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (مقرها جنيف)، ولويس ألفانسو، سفير المكسيك بالأمم المتحدة وأوّل رئيس لمجلس حقوق الإنسان، البلدان الصناعية بالنِّـفاق في سياساتها تُـجاه المهاجرين وبعدم احترام التزاماتها الدولية.
ويقول أبو بكر نداي: “المجتمعات والدول الصناعية تريد بَـشرا في صورة آلات، أُناسا متنصّـلين من ثقافاتهم ودياناتهم وتقاليدهم، وهي دول لا تعترف في الغالب بأي حقوق ثقافية للمهاجرين”.
في المقابل، يقف جون لويس دي براور، رئيس قسم الهجرة واللجوء بالإتحاد الأوروبي، وسيرجيو مارشي، وزير الهجرة والجنسية بالحكومة الكندية السابقة مدافعين عن حق الدول في ضبط حدودها وممارسة سيادتها كاملة على ترابها، وليس في ذلك، حسب رأيهما، ما يخِـل بالقانون الدولي.
“فالحكومات في المجتمعات الديمقراطية مدعُـوة إلى احترام الرأي العام، ولقد اكتشفنا بعدَ العديد من استطلاعات الرأي أن تنظيم الهجرة والأمن يتصدّران أولويات الشعوب الأوروبية”، على حد تعبير ممثل الإتحاد الأوروبي.
لكن هذا لا يمنع جون لويس دي براور من الإقرار بأن “أمام الشعوب الأوروبية طريقا طويلا يجب أن تقطعه، ونقْـد ذاتي عميق لابُـد أن تبادر به، وأفكارا مسبقة كثيرة، يجب أن تتخلى عنها”.
ويضيف: “علينا أن ننظر للواقع وأن نجِـد أفضل السُّـبل لإدارة هذا الواقع، لدينا في الإتحاد الأوروبي 27 مليون مهاجرا، منهم 18 مليونا من خارج أوروبا، وليس من حلٍّ سوى تقنين وجود هؤلاء”.
لماذا التقنين وليس الاندماج؟ يُـجيب الدكتور جياني داماتو من منتدى دراسة الهجرة والسكان بجامعة نوشاتيل: “الأمر مرتبِـط في كل الأحوال بأي تقنين وأي اندماج تريده الجهات الرسمية؟ وهل سيقبل به المهاجرون؟ إلى حد الآن ما هو مطروح هو الانصهار داخل النسق الموجودAssimilation في حين أن الاندماج الحقيقي هو حالة تنبثِـق عن نقاش وحوار بين جميع الأطراف المعنية”.
11 سبتمبر نقطة تحوّل
أصبحت أوضاع المهاجرين أكثر تعقيدا والقوانين أكثر تشدّدا منذ أحداث 11 سبتمبر، هذا ما طالب المحلِّـل السياسي المغربي عمر بروكسي بالتطرق إليه ومناقشته.
فالإسلام منذ 2001، أصبح عاملا مهما جدّا في فهم ظاهرة الهجرة والتعامل معها، وتزامن ذلك في نفس الوقت مع عملية استقطاب دِيني داخل صفوف المهاجرين، وخطورة هذا التحوّل “تكمُـن في مقاربة ظواهر اجتماعية، مثل الشغل والتعليم وحقوق المرأة، مقاربة دينية”، ومن هنا، عوض قيام الحكومات الأوروبية بجُـهد لإدماج الأجانب، تُـلقى المسؤولية عليهم ويُـتَّـهم الدِّين الإسلامي بالتصلّـب ورفض قِـيم المجتمعات المعاصرة.
وفي المقابل، تشهد الدول الغربية تراجعا عن قِـيمها ومكتسباتِـها في عملية انكفاء ثقافي دفاعي، كالذي حدث في فرنسا التي خصّـصت في حكومتها الحالية وزارة كاملة للدفاع عن الهوية.
أما السيد لويس ألفونسو من المكسيك، فيُـقر بأن “أحداث سبتمبر نتجت عنها كراهية مُـتزايدة للأجانب وتكاثرت العنصرية وأدّى تعزيز الإجراءات الأمنية إلى الإضرار بحقوق الأقليات”.
المَـخرج إذن الذي يقترحه المشاركون في هذا المؤتمر، هو النظر إلى العالم كأرضية مسطّـحة من دون نتوءات، وإلى جميع البلدان باعتبارها مستفيدة من الهجرة بأقدار متفاوتة، وتقتضي المصلحة من الجميع حُـسن إدارة هذه الظاهرة والنظر إلى المهاجرين كقِـيمة مُـضافة وحيوية جديدة تنتِـج أكثر مما تستهلك.
برن – عبد الحفيظ العبدلي
المتابع للسياسة السويسرية، يجِـد من الصعوبة الجمع والتوفيق بين الرؤية الإستراتيجية والممارسة الواقعية.
ففي الوقت الذي تنظِـم فيه وزارة الخارجية مؤتمرها السنوي حول الهجرة وتدعو إلى شراكة دولية لمواجهة التحدِّيات التي تطرحها هذه الظاهرة، تعتمد سويسرا نظام الحِـصص في التعامل مع المهاجرين من خارج الدائرة الأوروبية.
وشهد منتصف هذا الشهر صدور قرار حكومي يسمح باعتماد إجراء مؤقت، في انتظار دخول القوانين الجديدة المنظمة لإقامة الأجانب حيِّـز النفاذ في يناير 2008.
وفي هذا السياق، أعطت الحكومة الفدرالية موافقتها على منح 4000 إقامة سنوية و7000 إقامة قصيرة الأجل إلى حدود يناير 2008، ولكن الفرص التي لا يتِـم الاستفادة منها إلى موفى ديسمبر 2007، لن يكون بالإمكان استغلالها بعد ذلك التاربخ، لأن الإقامة ستُـمنح بعد ذلك وِفقا للقوانين الجديدة.
وتقول الحكومة إنه بفضل هذا الإجراء المؤقت، ستُـتاح للدوائر الاقتصادية فرص كافية لإبرام عقود عمل مع أشخاص يتمتّـعون بالكفاءة والخبرة.
وبحلول السنة القادمة، سيُـعاد النظر في هذه الإجراءات، إذ ستدخل حيِّـز النفاذ قوانين جديدة تتزامن مع بداية العمل بالاتفاقيات الثنائية مع دول الإتحاد الأوروبي في مجال تنقل الأفراد، وهذه القوانين التي سبق إقرارها في استفتاء شعبي عام سنة 2006، تقصر على منح حق العمل والإقامة بالنِّـسبة لمواطني الدول غير الأوروبية على أصحاب الكفاءات العِـلمية العالية.
واستنادا على كورت رونر، الناطق باسم المكتب الفدرالي للهجرة، لن يتغيَّـر الوضع كثيرا بعد تنفيذ القوانين الجديدة، وستبقى فُـرص العمل الممنوحة للأجانب غير الأوروبيين على حالها، لكن سيقع التَّـركيز أكثر على أصحاب الكفاءات العالية والنادرة، دائما وفق ما صرّح به الناطق الرسمي.
يعيش في سويسرا حوالي مليون ونصف المليون أجنبي، 400.000 منهم ولِـدوا أصلا في سويسرا ويعيشون فيها منذ ما يزيد عن 15 سنة، و11% منهم ما يزيد عن 30 سنة، وحوالي 600.000 تتوفر فيهم شروط الحصول على الجنسية، ولو أصبح هؤلاء سويسريين، لنزلت النسبة الإجمالية للأجانب في البلاد من 21% إلى 12% أو أقل.
ارتفعت نسبة الطلبة الأجانب في المدارس والجامعات السويسرية من 16% سنة 1980 إلى 23.7% سنة 2004، وهو ما يعادل 50.000 تلميذ وطالب.
بين 15% و20% من الشبان الأجانب في سويسرا، لا ينجحون في استكمال مرحلة التكوين المهني الضرورية لاقتحام سوق العمل، مما يتركهم عُـرضة للبطالة والاعتماد على الإعانات الاجتماعية.
في المجال الوظيفي، سُجّـل في سويسرا سنة 2005 ما يقارب 80.000 عاطل عن العمل من أصل أجنبي من بينهم 25.000 شابا، وبلغت نسبة البطالة في صفوف الأجانب في تلك السنة 8.9%، مقابل 3.2% في صفوف السكان الأصليين، ونزلت نسبة البطالة في سويسرا هذه السنة عن 3%، ولا يُـعرف إلى أي حد سيستفيد الأجانب المقيمين من تحسّـن الوضع الاقتصادي في البلاد.
بداية من شهر يناير 2008 تدخل حيِّـز النفاذ حزمة من القوانين الجديدة المنظمة لإقامة الأجانب، وستفتح تلك القوانين الحدود أمام رعايا البلدان الأوروبية، في حين تغلِـقها أمام بقية المهاجرين، إذ لن يمنح حق الإقامة من خارج بلدان الإتحاد الأوروبي إلا لأصحاب الكفاءات العالية والخبراء في مجالات لا تكفي فيها اليد العاملة الأوروبية.
يوجد في سويسرا 200.000 أجنبي في صنف الفقراء، وهو ما يمثل 21.4%، مقابل فقط 10% ضمن السويسريين.
48.9% من الأحكام القضائية التي صدرت سنة 2003، كانت ضد أجانب، وهذه النسبة العالية مردّها، بحسب الخبراء، إلى الأوضاع الاجتماعية الصعبة والتمييز والجهل بالقوانين.
اعتبر الاتحاد السويسري للفنون والحِـرف أن فكرة ميشلين كالمي – ري الداعية إلى استقدام متدربين من الخارج، لا تحُـل أي مشكل. فهؤلاء الشبان سيقدمون من بلدان ذات أنظمة ثقافية مختلفة وسيتطلب اندماجهم الكثير من الوقت، يـضاف إلى ذلك، أنهم سيكونون مُـجبرين على العودة إلى بلدانهم بعد انتهاء فترة التدريب، لذلك، يرى الاتحاد أن العملية برمّـتها لن تؤثر على النقص الحالي في اليد العاملة المؤهلة في سويسرا.
من جهته، لم يُـبد اتحاد النقابات السويسرية حماسة لهذا المقترح وشدد على أن بطالة الشباب واقع ملموس وأن العديد من التلاميذ لا يعثرون على مواطن تدريب في نهاية فترة الدراسة الإجبارية، وأشار إلى أن عددهم يناهز 20 ألفا في الوقت الحاضر.
كما عبّـر اتحاد النقابات عن خِـشيته من أن تنعكس فكرة كالمي – ري سلبا على أبناء المهاجرين المقيمين في سويسرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.