من زعم أن عهد الكتاب قد ولى؟
عندما تسنح لك فرصة زيارة المعرض الدولي للكتاب والصحافة والوسائط المتعددة (ملتيميديا) في جنيف والاستمتاع بزيارة ما لا يقل عن ثلاثمائة جناح تعرض عليك منشورات أكثر من ألف دور نشر وتلحظ أن ما لا يقل عن مائة وعشرين ألف شخص يزورونه معك على امتداد خمسة أيام، ستعلن بلا شك أن الكتاب والقراءة لا زالا بخير...
إقامة معرض دولي للكتاب في مدينة جنيف في بداية فصل الربيع من كل عام كانت مجرد فكرة بسيطة في عام سبعة وثمانين، لكنها تحولت اليوم إلى أهم تظاهرة ثقافية سويسرية على الإطلاق وتمكنت، من خلال ما أدخل عليها من تطوير وتنويع، من استقطاب اهتمام ثقافي متعدد الأبعاد والمشارب.
لا تقتصر الدورة السادسة عشرة للمعرض على التعريف بأحدث الإصدارات في عالم الكتب والنشر الورقي بل تشمل تنظيم عدد من التظاهرات الموازية مثل صالون التعليم والتكوين (EDUCA 2002) وصالون الموسيقى والمعرض الأوروبي للفن الذي يوفر مجالا لعدد كبير من الرسامين والفنانين التشكيليين من مختلف بلدان العالم لتقديم أعمالهم.
اللغة الفرنسية، بحكم وجود جنيف في الأنحاء الناطقة بالفرنسية من سويسرا وعلى الحدود مباشرة مع فرنسا، تظل اللغة الرئيسية للكتب والمنشورات المعروضة لكن الإنفتاح على الألمانية، اللغة الأولى في الكونفدرالية، يستمر هذا العام على الرغم من طابعه المحتشم.
وفيما لا تتخلف معظم دور النشر الفرنسية والسويسرية عن هذا الموعد السنوي البارز، تحرص دور النشر في مقاطعة الكيباك الكندية على تعزيز مشاركتها من عام لآخر.
البرازيل ليس مرادفا لكرة القدم والسامبا فحسب!!
منذ عدة أعوام درج معرض جنيف الدولي للكتاب على الإحتفاء ببلد معين أو بمؤسسة مهمة أو بإحدى الكانتونات السويسرية. وقد اختار المشرفون عليه أن يكون البرازيل ضيف الشرف لهذا العام “لا للتعريف بكتـّابه وصناعة النشر لديه ولكن من أجل تقديم صورة شاملة عن ثقافته” مثلما يشرح روبير جونود أحد أعضاء لجنة تنظيم المعرض.
لا شك في أن عدم الإنتشار الواسع للبرتغالية، اللغة الرسمية في البرازيل الذي يزيد تعداد سكانه عن مائة وسبعين مليون شخص، مثل في السابق عائقا بوجه آطلاع الجمهور العريض على روائع الأدب والانتاج الفكري الغزير في أكبر بلدان أمريكا اللاتينية، لكن أعمال الترجمة سمحت في الحقبة الأخيرة بانتشار مؤلفاتهم باللغات الرئيسية.
بل إن حضور عدد من الكتاب البرازيليين المرموقين مثل باولو كوواليو وجوزيه سارناي (الذي شغل أيضا منصب رئيس البلاد) أو الشعراء أوغوستو دي كامبوس ودازيو بينياتاري إلى جنيف للحوار مع الجمهور والمثقفين السويسريين سيساعد بلا شك على اتساع دائرة الإطلاع على ثراء الإنتاج الثقافي لبلد لا زال ضحية الصور السلبية الممزوجة بالعنف والإجرام وتدمير غابات الأمازون والفقر وأطفال الشوارع، التي تتناقلها عنه عادة وسائل الإعلام الغربية.
في المقابل لا يقتصر الجناح المخصص للبرازيل في المعرض على الكتب والإبداعات الثقافية بل يشمل تعريفا بالجهود الكبيرة المبذولة من أجل تخفيف نسبة انتشار الأمية بين السكان التي تقدر بـ 16% في المدن وبـ 46% في المناطق الريفية ولفائدة التشجيع على القراءة عبر إنشاء عدد كبير من المكتبات المدرسية وتوفير الكتب باللهجات المحلية في بلد شاسع متعدد الأعراق والثقافات.
فالبرازيل “بلد يكتب كثيرا، والبلد الذي يكتب يجب أن يتعلم القراءة أيضا” على حد قول السيدة ماريا لوسي دي سايشاس كورّايا المستشارة لدى سفارة البرازيل في سويسرا.
أهمية المعرض الذي استقطب أكثر من مليون وستمائة ألف زائر منذ عام سبعة وثمانين، تكمن أيضا في الأنشطة العديدة التي تنظم فيه على مدار الساعة. ففي جنيف يمكن أن تلتقي، إذا أحسنت تخطيط وقت الزيارة، بالمؤلف أو الروائية أو الشاعر الذي يثير إعجابك أو اهتمامك.
كما يمكن أن تشارك في حوارات فكرية وسياسية وثقافية حول مواضيع مثيرة أو بعض قضايا الساعة مثل “آكتشاف الذاكرة التاريخية للنساء” أو “سويسرا التي نريد” أو “الملتيميديا ..لمن يصنع؟” أو “سويسرا جنة الجحيم في مذكرات لاجئي الحرب العالمية الثانية” وغير ذلك..
أنشطة متنوعة.. وغياب عربي.. وقرية بديلة!
كما لا تقتصر المشاركة في معرض الكتاب الدولي في جنيف على دور النشر التقليدية، فهذه المناسبة أثمن من أن تضيّع مثلا من طرف المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في جنيف مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للملكية الفكرية لعرض منشوراتها وتقاريرها على عشرات الآلاف من الزوار.
من جهة أخرى، يتواصل الغياب العربي عن معرض جنيف بعد مشاركات جيدة في السنوات الأولى من التظاهرة. وإذا ما استثنينا مشاركة سورية وتونسية ملحوظة في معرض فنون الرسم الموازي، وبعض الأجنحة المتواضعة لسفارة المملكة العربية السعودية وللمنظمة العالمية للدعوة الإسلامية (يوجد مقرها في ليبيا) ولبعض المنظمات غير الحكومية العاملة في سويسرا مثل منظمة الهجرة الدولية والجمعية الثقافية للنساء المسلمات في سويسرا، فان دور النشر العربية وخاصة في البلدان الفرنكوفونية مثل لبنان وتونس والجزائر والمغرب لا زالت عازفة عن المشاركة في معرض جنيف متعللة بارتفاع التكاليف وتعقد الإجراءات.
في المقابل، حافظ الجناح الذي تنظمه السفارة الإسرائيلية في برن على مشاركته التقليدية بعرض واسع لمختارات عديدة من الكتب الثقافية والأدبية الإسرائيلية الحديثة باللغة العبرية أو مترجمة إلى الفرنسية والألمانية والعربية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات وحصص تعليم للغة العبرية للزوار.
أخيرا، لا مجال لنسيان “القرية البديلة” وهي جناح أضيف للمعرض قبل أحد عشر عاما. هذه القرية توفر مجالا فريدا للجمعيات المختلفة ولفعاليات المجتمع المدني لعرض أنشطتها ومنشوراتها كما تتيح فضاءا يوميا للحوار مع الجمهور حول قضايا الساعة. ومن بين الجمعيات المشاركة فيها، منظمة “المساعدة الطبية السويسرية للفلسطينيين” العاملة منذ عدة أعوامك في الأراضي والمخيمات الفلسطينية والتي يتوقع أن تستقطب الإهتمام هذا العام بسبب متابعة الرأي العام السويسري الواسعة لما يحدث من مآس في الأراضي المحتلة.
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.