من مقلب قمامة إلى حديقة بيئية
هي أول حديقة بيئية يتم إنشاؤها في سوريا، وبالتحديد في قلب دمشق القديمة، وتجمع بين أرجائها كل النباتات الموجودة في حوض برده.
الفكرة التي أصرت عليها الجمعية السورية للبيئة، ومولتها سويسرا، ودعمتها الحكومة السورية، أسفرت عن تحويل قطعة أرض اُسُتخدمت لجمع النفايات إلى حديقة مميزة للنباتات..
كان لا بد من فعل شيء من أجل دمشق القديمة. هكذا بدأت الفكرة لدى الجمعية السورية للبيئة. وعند البحث، لفت نظر عضوات الجمعية قطعة أرض، تقع مباشرة في الشارع المحاذي لقلعة دمشق، تُستخدم لجمع قمامة المنطقة قبل ترحيلها إلى مكان أخر.
فكرت عضوات الجمعية في إنشاء حديقة بيئية على هذه الأرض، وعدن إلى الوثائق والصور القديمة التي يعود تاريخها إلى القرنين الثامن والتاسع عشر، ووجدن أن هذا الموقع بالذات كان حديقة في سابق الزمان.
ومع هذا الاكتشاف بدأت الرحلة الحقيقة لإنجاز أول حديقة بيئية يتم إنشاؤها في سوريا بأسرها.
جمعية سورية أهلية للبيئة
الجمعية السورية للبيئة هي أول جمعية غير حكومية تحصل على ترخيص للعمل في مجال التنمية والبيئة عام 2001. تأسيسها في حد ذاته يظهر التغيير الذي بدأ يطرأ على المجتمع المدني السوري.
فالسيدة ورقاء برمدة رئيسة الجمعية تحكي لسويس انفو قائلة “كنا مجموعة من النساء السوريات المهنيات، أستاذات جامعيات وصحفيات وكاتبات وطبيبات، وارتأينا أنه يجب أن نعمل شيء لسوريا، فهي دين علينا. فكرنا أن نعُنى بشؤون المرأة، لكن في ذلك الوقت لم يكن مسموحاً قيام منظمات غير حكومية تعمل بشؤون المرأة، لأن هذا الموضوع كان حصراً في الإتحاد العام النسائي، وهي منظمة نصف حكومية”.
تكمل “بعد نقاش طويل وجدنا أن البيئة تغطي المرأة والشباب، مظلة البيئة هي مظلة واسعة جداً، كما أن هناك حاجة لتوعية الناس. عندما تتحدثين مع مواطن عادي عن أية مواضيع بيئية، يقول لك: تتحدثين عن البيئة الآن، خلي يتأمن أكلنا وشربنا، لكننا نرد بأن نشرح أن الفقر له علاقة بالبيئة …، هناك خيط يجمع بين كل هذه المواضيع التي تتعلق بالتنمية المستدامة، فالبيئة إذن هي مظلة واسعة جداً يمكن لأي مواضيع تنموية، المتعلقة منها بالمرأة أو الشباب أو الفقر، يمكن أن يكون لها عامل مشترك بينها وبين البيئة”.
الأرض تملكها الداخلية
مشاريع عديدة نفذتها الجمعية خلال السنوات الأربع الماضية، من بينها هذه الحديقة البيئية، التي ما أن أستقر رأي عضواتها على فكرتها حتى بدأن في التقصي عمن يملك قطعة الأرض تلك.
“وجدنا أنها ملك لوزارة الداخلية، وتابعنا الموضوع مع وزارة الداخلية، وزرت رئيس مجلس الوزراء، الذي أعطى تعليماته بأن تقدم أملاك الدولة الأرض لوزارة الزراعة”، كما تشرح السيدة برمدة.
كان طريقاً طويلاً أستغرق عاماً ونصف في المعاملات الورقية، وتمخض عن تقديم الأرض إلى محافظة مدينة دمشق، شريطة أن تتحول إلى حديقة، وان تتولى الجمعية عملية إنشاء الحديقة.
هنا دخلت سويسرا في الخط. فقد عمدت الجمعية إلى كتابة مشروع بناء الحديقة وتحديد ميزانيته التقريبية، وتقدمت به إلى السفارة السويسرية خلال جهودها الرامية إلى إيجاد ممول رئيسي له.
مشروع يتوافق مع المعايير السويسرية
لم تتردد سويسرا في الموافقة على هذا المشروع. ويوضح السيد رولاند شتاينينجر السكرتير الأول بالسفارة، والمسئول عن متابعة المشروع نيابة عن الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، في حديثه مع سويس انفو قائلاً “سويسرا كانت بالطبع مهتمة بتطوير نوعية جديدة من المشاريع (في منطقة الشرق الأدنى)، وهنا أيضاً في سوريا”.
ويكمل قائلاً ” هنا تجدين عناصر بيئية وتعليمية وعلمية لهذا المشروع تتوافق مع المعايير التي حددتها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون باعتبارها (معايير) ذات صلة”.
تلك المعايير السويسرية ترتبط جوهراً بالتأثير المؤمل من هذه الحديقة. فعدا عن تعزيز دور المجتمع المدني من خلال دعم الجمعيات غير الحكومية، فإن الدور الذي ستلعبه في التوعية البيئية للجمهور عامة ولدى أطفال المدارس خاصة، لا يمكن تجاهله.
فإطار المشروع لن ينتهي بمجرد بناء الحديقة، التي سيتم افتتاحها رسمياً بعد شهر رمضان الكريم، إذ من المقرر تنظيم زيارات دورية لتلاميذ المدارس الابتدائية (الصفوف ثالث ورابع وخامس ابتدائي) إلى الحديقة، “كي يزرعوا بأيديهم، نحن نريد أن نوثق العلاقة بين الأطفال والأرض، بين الأطفال والبيئة”، على حد تعبير السيدة برمدة.
عدا عن ذلك، يوضح السيد شتاينيجر، فإن الكافتيريا التي تم بناؤها مع الحديقة ستوفر دخلاً مشروعاً وعلنيا يمكن للجمعية الأهلية الاستفادة منها في مشاريعها الهادفة إلى حماية البيئة في سوريا.
“لم تكن هناك مراجع حول الموضوع”
“ببساطة وتواضع، كان عملنا هو خطوة أولى لوضع الفلورا الدمشقية”، هكذا شرح لنا بقدر كبير من الفخر المهندس بشار علاء مدير مشروع بناء الحديقة، وممثل شركة Equilibrium السورية التي تولت عملية تنفيذه.
فالحديقة البيئية ستجمع كل الرصيد النباتي المتأقلم مع البيئة الدمشقية، أي كل النباتات المتواجدة في حوض برده. وما كان مفاجئاً للعاملين على المشروع هو اكتشافهم أن هذا الموضوع لا توجد له مراجع.
يوضح السيد علاء قائلاً “اعتقدنا في البداية أننا يمكن أن نجد مراجع عن النباتات الدمشقية، تحكي لنا عن تاريخها، متى جاءت، متى دخلت إلى دمشق وأين تتواجد، لكننا تفاجئنا بأن ما يسمى بالفلورا السورية إلى الآن ما صارت”.
وهنا تضافرت قوى المهندسين من محافظة دمشق، والخبراء الجامعيين في جامعتي دمشق وبيروت. “ساعدنا في الموضوع البروفيسور في جامعة دمشق الدكتور أنور الخطيب، الذي يعمل في مجال نباتات سوريا، ويُحضر لمشروع الفلورا السورية، والدكتور جورج طعمه بجامعة بيروت، الذي كتب عن نباتات لبنان البرية، باعتبار وجود تشابه في بيئة لبنان وسوريا”.
والحصيلة ستكون على حد قول السيد علاء “متحف للزهور، موجود في هذا المكان”. هذا المتحف سيعيد فصول تاريخ دمشق القديمة من جديد، لتقف حديقة الزهور البيئية في نفس مكان بستان القرنين الثامن والتاسع عشر، بعيداً عن مقلب نفاية القرن العشرين.
إلهام مانع – دمشق – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.