من يُوقفُ “الشقيق الأكبر”؟
دعا المسؤول الفدرالي عن حماية المعطيات الشخصية إلى عدم التضحية بالحقوق الأساسية للمواطنين على مذبح الحرب ضد الإرهاب، وطالب بتمكينه من المزيد من الصلاحيات والقوى البشرية حتى يتمكن من ردع التجاوزات..
عادة ما تمثل مناسبة نشر التقرير السنوي للموظف الفدرالي السامي المكلف بحماية المعطيات الشخصية، فرصة ثمينة للتوقف عند العديد من المخاطر التي تهدد يوما بعد يوم ما يعرف في البلدان الديموقراطية بـ “الدائرة الخاصة”.
لكن التقرير الذي قدمه يوم الإثنين هانس بيتر توير في العاصمة الفدرالية اكتسى أهمية خاصة لسببين. أولا لأنه أول تقرير رسمي ينشر حول هذا الملف الدقيق منذ الحادي عشر من سبتمبر الذي أحدث انقلابا خطيرا في كل ما يتعلق بالمعطيات الشخصية في شتى أنحاء العالم وثانيا لأنه أول تقرير سنوي يشرف على إعداده السيد توير الذي عُيّن في منصبه في شهر سبتمبر أيلول الماضي أيضا.
ولم يتردد المسؤول الفدرالي في التصريح بأن الحريات الشخصية مهددة في سويسرا ليس بسبب المتطلبات الجديدة للحرب الدولية المعلنة ضد الإرهاب فحسب ولكن جراء تطور تقنيات الإتصال الجديدة وما يرتبط بها من وسائل مراقبة أكثر “نجاعة” وشمولية من قبل.
ففي حقبة “ما قبل الحادي عشر من سبتمبر”، كانت الشركات والمؤسسات الخاصة تمثل مصدر التهديد الرئيسي للمعطيات الشخصية بسبب سعيها المتواصل لتجميع أقصى قدر من المعلومات عن الأشخاص، أما اليوم فقد أضيفت إليها الدولة ومخاوفها الأمنية الجديدة.
الأمن المطلق مستحيل!
هذه هي أهم المخاوف التي عبر عنها السيد هانس بيتر توير في تقريره الذي أقر فيه بأن الوضع في سويسرا – وعلى الرغم من التوجس الطارئ – ليس مثيرا للإنشغال بنفس القدر الذي وصلت إليه الأمور في الولايات المتحدة الأمريكية وفي عدد من البلدان الأوروبية. إذ لم تشهد سويسرا في الفترة السابقة هوسا أمنيا أو ردود فعل مبالغ فيها من جانب السلطات.
وتشارك الأوساط المعنية بالدفاع عن الحريات الشخصية في سويسرا مخاوف المسؤول الفدرالي بل تذهب كاترين فيبير الناشطة في منظمة “أرشيف سويسرا الدولة النسناس” (AEFS) إلى أن الحقوق الأساسية “خسرت في الحادي عشر من سبتمبر قوة ضغط (لوبي) حيث استغلت الأحزاب البورجوازية (أي اليمينية) الصدمة لتشديد بعض القوانين”.
لكن هذا لا يعني في نظر الموظف الفدرالي المكلف بحماية المعطيات الشخصية أن الكونفدرالية باتت محصنة أو بمنأى من انتقال العدوى إليها. فالعديد من التحركات ومشاريع القوانين التي يتم الإعداد لها حاليا في مكاتب بعض الوزارات والهيئات الفدرالية مثيرة للقلق.
فعلى سبيل المثال اعتبر السيد توير أن برنامج تعزيز الأمن الداخلي الذي صادقت عليه الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء 26 مايو – أيار الماضي يشتمل على ترتيبات جنائية جديدة حول الإرهاب وصفت من جانب خبراء في القانون الجنائي بأنها “حشوية”!
لكنه اعترف في المقابل بأن سويسرا تتعرض لضغوط متصاعدة من طرف بلدان أخرى (لم يسمّها)، وخاصة فيما يتعلق بالتنصّت على المكالمات الهاتفية أو التقاط الرسائل الألكترونية. وأضاف المسؤول الفدرالي بأنه إذا أردنا حماية الفرد من تجاوزات “الشقيق الأكبر” (Big Brother) فلا بد من العمل على تنظيم حماية المعطيات بشكل أفضل على المستوى الدولي.
هذه الإنتقادات لا تعني بالمرة أن السيد هانس بيتر توير يعارض تعزيز الإجراءات الأمنية إلا أنه يرى أن ضمان الأمن والسلامة للمواطنين لا يحتاج بالضرورة إلى التضحية بـ”الدائرة الشخصية” للأفراد ويذكّر بأن “تحقيق الأمن المطلق من باب الوهم اللهم إلا في صورة إقامة نظام شمولي” حسب قوله.
مشاريع مثيرة للقلق
نأتي الآن إلى التحديات المباشرة والقريبة التي بدا الموظف الفدرالي مستعدا لمقارعتها. فهناك “رقم التعريف الشخصي” الذي تريد السلطات الفدرالية اعتماده لكل مواطن في سويسرا لأغراض إدارية. وهناك مطالب الشرطة الفدرالية بتمكينها من صلاحيات إضافية للنصت على المكالمات الهاتفية خارج إطار التتبعات القضائية أو بالترخيص لقوات الأمن بتوسيع مجال مراقبتها من الأماكن العامة إلى المستشفيات والمصحات الخاصة..
في كل هذه الحالات – وغيرها – يبدو أن شعار المرحلة في الدائرة الفدرالية لحماية المعطيات الشخصية سيتلخص في كلمة واحدة هي: اليقظة!
فسكان الكونفدرالية التي عرفت في موفى الثمانينات ما سمي بفضيحة الملفات السرية المدوية – حين اكتشف السويسريون أن أجهزة الإستخبارات احتفظت بدون مبرر قانوني بمئات الالاف من الملفات عن الأشخاص المشتبه بانتمائهم لتيارات يسارية أو بتعاطفهم مع الأفكار والتنظيمات والبلدان الشيوعية – لا زالوا يتعاملون بحذر شديد جدا مع كل ما من شأنه أن يمس من حريتهم الشخصية أو من معطياتهم الذاتية.
لذا يؤكد السيد جون فيليب فالتر مساعد الموظف الفدرالي المكلف بحماية المعطيات الشخصية في تصريحات لسويس إنفو على ضرورة “زيادة التيقظ تجاه عدد من المشاريع التي هي بصدد الإعداد” في ظل وجود توجهات متنامية “للحد من الحريات الأساسية بشكل خفي” لأن الأمر يتعلق بسلسلة من الإجراءات المتتالية التي تتجمّع في نهاية المطاف.
مزيد من اليقظة ومن ..الصلاحيات!
ومع التشديد على ضرورة إرفاق جميع الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في المستقبل بضمانات حقيقية لحماية المعطيات الشخصية والحقوق الأساسية لكل فرد من أفراد المجتمع، تؤكد الدائرة الفدرالية لحماية المعطيات الشخصية على أن المسؤولية الأولى والرئيسية “تقع على عاتق المواطن الذي عليه أن لا يتّكل على السلطات لضمان حقوقه الأساسية” على حد تعبير السيد جون فيليب فالتر.
لكن اليقظة لن تكون كافية لوحدها حسبما يبدو! ففي الوقت الذي تنمو فيه القدرات التكنولوجية للمراقبة والتتبع وإحصاء الحركات والسكنات بشكل مذهل، لا يزيد عدد الموظفين العاملين في دائرة السيد بيتر هانس توير في برن عن ستة عشر شخصا.
ولا يكتفي السيد توير بالمطالبة بتعزيز الفريق العامل معه بخمسة أشخاص إضافيين بل يطالب بتوسيع صلاحياته أي بوسائل التدخل المتاحة له لأنه لا يريد أن يكتفي بالتنديد بالتجاوزات – مهما كان مصدرها – بل لا بد من القدرة على تسليط العقوبات على مرتكبيها.
وفي انتظار ما ستسفر عنه المشاورات الجارية حاليا حول مشروع تقدمت به الحكومة لمراجعة جزئية للقانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، يتساءل المراقبون هل سينصت أصحاب القرار السياسي والأمني لمطالب السيد هانس بيتر توير أم أن “الضرورات تبيح المحظورات” مثلما يردد البعض منذ الحادي عشر من سبتمبر..
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.