مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهرجان دولي للفيلم الشرقي في جنيف

ما بين 26 أبريل و 7 مايو القادم، تنتظم في جنيف الدورة الثانية لمهرجان الفيلم الشرقي الذي سيعرض فيها حوالي 40 فيلما من العديد من بلدان المغرب والمشرق العربي.

وبما أن المهرجان يتزامن مع حلول الجزائر ضيف شرف على معرض الكتاب الدولي بجنيف، فقد تضمن برنامجه 12 شريطا من أحسن ما أنتجته السينما الجزائرية منذ استقلال البلاد.

عند الحديث عن تنظيم مثل هذا المهرجان يتبادر للذهن التساؤل عن سبب تخصيص مهرجان للسينما الشرقية تحديدا علما بأن هناك العديد من المهرجانات السينمائية التي تنظم في سويسرا وتستقطب كل عام عددا من أفلام المغرب والمشرق العربيين، ثم لماذا تم الإختيار على تنظيم هذا المهرجان في جنيف تحديدا؟.

عن ذلك يجيب الطاهر حوشي، منظم المهرجان والصحفي المتخصص في متابعة أخبار السينما المغاربية والمشرقية منذ سنوات من خلال العديد من المهرجانات الدولية بقوله: “إن اختيار تسمية المهرجان بمهرجان الفيلم الشرقي فيه نوع من الحياد ويسمح باحتضان مختلف تنوعات عالم أوسع يمتد من المغرب او حتى من إسبانيا أو أوروبا حيث توجد بوادر سينما شرقية، وهذا حتى الى آخر مناطق آسيا التي تتقاسم فيما بينها رواسب ثقافية مشتركة”.

ويضيف الطاهر حوشي قائلا: “لقد تجنبنا تسمية المهرجان بمهرجان الفيلم العربي حتى لا نقصي او نغضب المنتمين الى السينما الإيرانية او الهندية”.

واجهة الشرق ونافذة الغرب

وفي رد على سؤال لسويس إنفو عن سبب تنظيم المهرجان في جنيف وفي هذا الوقت بالذات، يقول مؤسس المهرجان الطاهر حوشي: “إن ما نعيشه اليوم – وهذا برأي الجميع – هو أننا في مرحلة تعذر مواصلة الحوار بين الشرق والغرب. أو أن هناك من يواصل اعتبار اننا مازلنا في حرب بين الشرق والغرب بل حتى في حروب صليبية. وما ننساه هو أنه حتى في أحلك أوقات الحروب تواصلت المبادلات الثقافية والحضارية بين هذين العالمين. يضاف الى ذلك أن ما تتناقله وسائل الإعلام عن هذه المنطقة من العالم هي صور العنف والحروب والكوارث. وما نعرفه نحن عن هذه المنطقة ومن خلال ما تنتجه مدارسها السينمائية وما يتداول في مختلف المهرجانات السينمائية لا ينحصر في تلك الصور. وهذا ما رغبنا في تقاسمه من خلال هذا المهرجان مع أبناء الجالية المنحدرة من هذه البلدان الشرقية من جهة، ومع أبناء الوطن الذي نعيش فيه أي سويسرا من جهة أخرى. وهي نظرة سينمائيين شباب من أبناء المنطقة تعكس الواقع المعاش بكل جوانبه وتبايناته والتي لا يمكن أن تقتصر على مظاهر العنف او مظاهر المتشددين من ذوي اللحي”.

ويأمل الطاهر حوشي في أن يصبح مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف بمثابة “واجهة الشرق في بلدان الغرب، ونافذة الغرب على واقع الشرق”، كما يعتقد أن هناك مبررات عدة لتنظيمه في مدينة جنيف التي لها “بفضل سمعتها الدولية وبعلاقاتها المتعددة مع الشرق ماضيا وحاضرا، ما تقدمه في هذا المجال”.

نظرة على سينما المغرب العربي

تسعى دورة هذا العام لمهرجان الفيلم الشرقي في جنيف في التركيز من جهة على سينما المغرب العربي وذلك من خلال عرض إنتاج مخرجين مقيمين في بلدان المغرب العربي وبالأخص المغرب وتونس والجزائر، أو عبر التعريف بمخرجين منحدرين من تلك المنطقة ولكنهم يعيشون في بلدان المهجر مثل فرنسا وسويسرا وغيرهما.

وبما أن دورة هذه السنة تتزامن مع استضافة الجزائر كضيف شرف في معرض الكتاب الدولي في جنيف، تم تخصيص الأسبوع الأول من الدورة لعرض حوالي 12 فيلم جزائري تشتمل على أفلام حصلت على أكبر الجوائز السينمائية مثل فيلم “حصاد سنوات الجمر” للأخضر حامينا الذي تُوج عام 1975 في مهرجان كان السينمائي، وأفلام هزلية اجتماعية مثل “عمر قاتلتو” وأخرى وثائقية عن حقبة العنف الأخيرة التي مرت بها الجزائر، والمنتقدة لواقع المجتمع أو لواقع النظام.

ومن المغرب هناك مشاركة للمخرج نور الدين لخماري بشريطه “نظرة” الذي يطرح تساؤلات مثيرة تتعلق بحقيقة مطالبة الإستعمار بالتعبير عن الأسف لما صدر عنه من مآسي ومن الذي يجب مطالبته بذلك وكيف؟. كما تمت برمجة شريط يسترجع واقع معتقلي سجن “تازمامرت” وكيف كان المجتمع ينظر إليهم، وآخر يتطرق إلى إشكالية إنتاج المخدرات وبالأخص الحشيش في المغرب الأقصى.

المشرق في مهرجان الشرق

من جهتها، تشارك سوريا في مهرجان الفيلم الشرقي بشريطين من المحتمل أن يكون أحدهما للمخرج السوري محمد ملص.

وتشارك فلسطين من خلال انتاج مشترك مع مخرج سويسري بفيلم عن واقع الفلسطينيين المهاجرين في تشيلي. أما لبنان فيشارك بفيلم بيار الدوالبي الذي يعتبر نظرة تاريخية لمرحلة من مراحل التاريخ اللبناني الممتدة على مدى 30 عاما والتي تعكس تفاصيل عن مختلف التكتلات السياسية في البلاد. وفيه يتساءل المخرج الشاب عما جلبه كل ذلك للجيل الحاضر وعن خيبة الأمل في تصرفات كل هؤلاء القادة السياسيين وزعماء الطوائف المختلفة.

لا شك في أن “تحفة” الدورة الثانية لمهرجان الفيلم الشرقي في جنيف تتمثل في عرض أول فيلم عراقي يتم إنتاجه بعد الإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال البلاد من طرف القوات الأمريكية والبريطانية.

مؤسس المهرجان الطاهر حوشي يقول: “إن فيلم المخرج العراقي عدي رشيد الذي حصل على عدة جوائز ويعرض لأول مرة في سويسرا، والذي يحمل عنوان “غير صالح” له قصة تحتاج الى أن تروى ليعرف الناس السبب الذي أدى إلى اختيار هذا العنوان”.

ويشرح حوشي قائلا: “هذا المخرج الشاب أراد إنتاج فيلم عن عراق ما بعد الاحتلال وكل ما وجده من معدات سينمائية استعملها لتصوير الفيلم. وعندما أراد تحميض الفيلم وجدت شركة التحميض ” كوداك” أن المواد المستعملة قديمة ولم تعد صالحة ومن هنا تم اختيار العنوان “غير صالح”.

ويعتبر الطاهر حوشي أن هذا الفيلم (وهو الأول ما بعد الإطاحة بصدام والشريط الـ 100 في تاريخ السينما العراقية) يعتبر بمثابة “تساؤل عن جدوى التعبير الفني في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة تحطيم واحتلال”.

الحث على الإندماج

من جهة أخرى، خصص مهرجان الفيلم الشرقي حيزا لمخرجين من الطرفين، لهم نظرة في الاتجاهين بين الشرق والغرب. وفي هذا الإطار يمكن إدراج فيلم “حلم جزائري” للفرنسي هنري أليغ (الذي سيكون حاضرا شخصيا لتقديم الفيلم) الذي يعكس نظرة أحد النشطاء الفرنسيين المناهضين للاستعمار، والذي عاد لزيارة الجزائر بعد مرور 30 سنة على نهاية الاحتلال الفرنسي لها.

وبما أن مؤسس المهرجان يشتغل في مهنة التعليم ونظرا لأن أحد الشركاء في المهرجان هو “مكتب الاندماج بجنيف” الساهر على تسهيل اندماج الأجانب في المجتمع السويسري، فإن فكرة توسيع نطاق الاستفادة من الأفلام التي يعرضها المهرجان امتدت الى طلاب المدارس.

وأوضح الطاهر حوشي أن “هناك رغبة لإشراك طلبة المدارس – من خلال أفلام سينمائية ستعرض في المهرجان – في عملية التفكير في كيفية مواجهة ظاهرة العنف المعروض على الشاشة، وذلك من خلال عرض شريط عن تصرف بطل شارك في عدة أفلام عنف يخرج للشارع ويتحدث مع طلبة المدارس بطريقة هادئة ويحثهم على الدراسة وعلى النجاح في دراستهم”، وهي طريقة لحث الطلبة على التفريق بين الحلم والسينما من جهة والحقيقة والواقع المعاش من جهة أخرى تفاديا لما تعرفه عدة مدن أمريكية.

ويضيف الطاهر حوشي “بما أنه في غير مقدوري توجيه دعوة بطل الفيلم لكي يأتي ويخاطب الشباب مباشرة، استعنت في ذلك بعدد من الرياضيين العرب المقيمين في سويسرا من بينهم الملاكم صبيحي وهو سويسري من أصل جزائري لكي يشرحوا هم الفيلم للطلبة”.

ودائما في إطار مجهودات الحث على الاندماج، يشارك عدد من المخرجين السويسريين من أصول عربية في حلقات نقاش تقام خلال المهرجان حول دور المخرج والرياضي من أصول أجنبية في عملية اندماج الأجانب في سويسرا.

لا زال مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف في مراحله الأولية، لكن إمكانية جلب هذا العدد من الأفلام في دورته الثانية يعود – حسب الطاهر حوشي مؤسس المهرجان – إلى “العلاقات التي استطاع نسجها كصحفي وكمشارك في العديد من المهرجانات الدولية مع عدد من المخرجين والمنتجين والساهرين على تسويق الأفلام المغاربية والشرقية”.

أخيرا، يعتبر الطاهر حوشي أن الدورة الثانية للمهرجان تمثل “الدورة الاختبارية المهمة” ويأمل في ان تتحول هذه التظاهرة إلى لقاء سنوي يسمح للمغتربين من المشرق وللقاطنين في جنيف بالتعرف على وجه آخر لهذا الشرق.

محمد شريف – جنيف – سويس انفو

تنتظم الدورة الثانية من مهرجان الفيلم الشرقي في مدينة جنيف من 26 ابريل الى 7 مايو 2006.
يعرض المهرجان حوالي 40 فيلما من الجزائر ومصر وفرنسا والعراق ولبنان والمغرب وفلسطين والصومال وسويسرا وسوريا وتونس.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية