مهرجان فريبورغ: تتويج لشريط برازيلي وحضور عربي واعد
اختتمت يوم 25 مارس فعاليات الدورة الحادية والعشرين لمهرجان فريبورغ السينمائي الدولي بالإعلان عن فوز السينما البرازيلية بالجائزة الكبرى للمهرجان.
فخلال الندوة الصحفية الختامية، أعلنت لجنة التحكيم الدولية حصول الفيلم البرازيلي “تحت سقف أليسا”، للمخرج شيكو تيزيرا على جائزة “الرؤية الذهبية”.
انتهت فعاليات الدورة الحادية والعشرين لمهرجان فريبورغ السينمائي الدولي بالإعلان عن فوز السينما البرازيلية بالجائزة الكبرى للمهرجان.
فخلال الندوة الصحفية الختامية، أعلنت لجنة التحكيم الدولية حصول الفيلم البرازيلي”تحت سقف أليسا”، للمخرج شيكو تيزيرا على جائزة “الرؤية الذهبية”، لما تميز به من إتقان وحسن تركيب ودقة رؤى حول المصير الإنساني، في حين حاز المخرج التايلاندي على الجائزة الخاصة باللجنة لفيلم “أمراض قرن”، لقدرته الفائقة على التحكم في اللغة السينمائية وتعبيره العميق عن الأحاسيس الإنسانية.
ولم تخرج السينما العربية خالية الوفاض، إذ حصد فيلم “روما وإلا انتوما” للمخرج الجزائري طارق تقية الجائزة الخاصة بلجنة تحكيم الشباب، في حين فاز بجائزة الجمهور وجائزة اللجنة الكنائسية فيلم “جنون” للمخرج التونسي فاضل الجعايبي، فهذا الفيلم بحسب المحكمين، “لا يترك أمام مشاهده إمكانية الحياد، فإما أن يألف أو أن يكره، وإما أن يسكن الظلمة أو النور”، بالإضافة إلى فوز الفيلم الماليزي “سلطان الحب” بجائزة خاصة تمنحها أيضا لجنة التحكيم الدولية وتموّلها جمعيات خيرية سويسرية، وقيمتها 10.000 فرنك.
لحظة القرارات الصعبة
كما كان منتظرا، واجه السيد مارسيال كنيبل، المدير الفني للمهرجان منذ خمسة عشر عاما، لحظة القرار الصعب، وأعلن بهدوئه المعتاد مغادرته النهائية لإدارة المهرجان، مقدّما جردا لتجربته الطويلة ومؤكدا سعادته بترك المهرجان في أفضل أحواله.
ومن التطورات الإيجابية التي يذكرها وهو يغادر مهامه “قدرة أفلام الجنوب اليوم على المنافسة، وكيف بات يُـنظر إليها كقطع فنية، وليس كبضاعة تجارية”.
وعن هذه الدورة أضاف “أنا سعيد برؤية كل هذه الأعمال في فريبورغ وبتنوّع مصادرها التي غطّـت جميع القارات والثقافات، وكم يثلج الصّـدر أن نرى في زمن أطبق فيه المنطق التجاري على كل شيء هذا العدد الكبير من المبدعين الذين يعبّرون بأعمالهم الفنية الرائعة عن الضمير الإنساني والمواقف العادلة، وينقلون رسائلهم من عالم إلى آخر ويساهمون في إثراء الثقافة الإنسانية”، على حد قوله.
وما كاد السيد كنيبل ينهي كلمته، التي عقبتها موجة من التصفيق الحار والهتافات، حتى جاءت المفاجأة الثانية، إذ أعلن السيد جون فرنسوا جيوفانيني، وبعد أربعة سنوات من الإشراف على المهرجان، ترك منصبه واعدا بوجود خليفة مقتدر، ومؤكدا بأنه سيظل عضوا في اللجنة المشرفة، وقدم بدوره جردا لأبرز الإنجازات التي تحققت في عهده، إذ تحوّل المهرجان إلى “مناسبة وطنية أمكن من خلالها للسويسريين رؤية العالم بصورة صادقة وفي شكل فني رائع، وتحولت مقاهي فريبورغ خلال أيام المهرجان إلى فضاءات للتواصل بين المبدعين من كل مكان”.
تنوع وخيارات متعددة
عكس اختيار الأفلام المعروضة هذه السنة، تنوّعا يتوافق مع الرؤية التي ترى في السينما، خيالية كانت أو وثائقية، شكلا من أشكال التعبير عن حقيقة التغيرات التي يمر بها الواقع الإنساني ونافذة يطل من خلالها الجمهور السويسري على الثراء الثقافي والتنوع الحضاري الذي يزخر به العالم.
وكالعادة شهدت الدورة الحالية للمهرجان مشاركة واسعة للأفلام العربية والإفريقية والآسيوية، خاصة من تونس وماليزيا، التي اعتبرها المراقبون مفاجأة الموسم، حيث شاركت بثلاثة أفلام، اثنان منها ضمن المسابقة الرسمية.
وحول معايير انتقاء الأفلام، يؤكد السيد كنيبل لسويس إنفو أن الفيلم “يختار لصدق تصويره لمشكلات المجتمع وشكله الفنّي المناسب للتعبير عن تلك الحقيقة”.
السينما الوثائقية
أعطيت في هذه الدورة أهمية خاصة للإنتاج السينمائي الذي يرصد التغيرات العميقة التي تشهدها العديد من المجتمعات، وفي هذا السياق تم مثلا عرض مجموعة من الأفلام ومن القطع الموسيقية المصوّرة للمجتمع التايواني ما قبل موجة الليبرالية الاقتصادية التي اجتاحت الجزيرة بداية التسعينات.
وبتعاون كذلك مع سفارة جنوب إفريقيا ببرن، عرض المهرجان العديد من الأفلام الخيالية والوثائقية التي أنتجها أو ساهم في إنتاجها مبدعون من جنوب إفريقيا، مثل “ابن الإنسان” لمخرجه مارك دورنفورد – ماي (2006)، و”حوارات في آخر الليل” و”إيلاليني” للمخرج تريستان هولمز و”الإنسان المصنوع من الذهب” للمخرج فانسنت مولوا، وتركِّـز هذه المجموعة من الأعمال على الطابع التعدّدي للهوية في جنوب إفريقيا كما تتساءل عن الدور الذي يمكن أن تقوم به السينما في تعزيز أواصر تلك الوحدة الثقافية.
ومن الأعمال الوثائقية الهامة أيضا، فيلم بعنوان “المجموعة الغارقة” الذي يصوّر محنة مجموعة من السياسيين الموريتانيين المطالبين بحقوق الزنوج، وفي الفيلم يروي من بقي حيا من تلك المجموعة، أشكال التعذيب والتنكيل والنفي الذي تعرّضوا إليه زمن حكم معاوية ولد الطايع، ويعمل مخرج هذه الفيلم الوثائقي أستاذا بجامعة بروكسل، وقد سبق له أن أنتج العديد من الأفلام الوثائقية عن دول إفريقية أخرى.
بانوراما عن نمط الحياة في المدن
تزامن المهرجان هذه السنة مع تطور شديد الأهمية، إذ لأول مرة في تاريخ البشرية يتجاوز عدد سكان المدن سكان القرى! ولفهم طبيعة هذا التغير وانعكاساته الاجتماعية، عرضت خلال المهرجان العديد من الأفلام الخيالية والوثائقية.
ففي كوالالمبور، وعلى مسافة قصيرة من ناطحات السحاب، تدور أحداث فيلم “لا أريد أن أعيش وحيدا”، حيث يختار زوج من المهمّشين بناء عش الزوجية من بقايا الخرسانات التي استخدمت في تشييد ناطحات السحاب.
ويصوّر الفيلم المصري “البنات دول”، حياة فتيات مصريات يعشن في شوارع القاهرة، مشردات بعد أن غادرن عائلاتهن بسبب الفقر أو الضياع، ويرفضهن المجتمع المحلي بسبب دخولهن السجن أو ارتكابهن بعض الجرائم.
وفي المجموعة نفسها، نجد الفيلم التونسي “عرس الذئب”، وهو فيلم قصير يصور حياة أربعة شبان مهمّشين تعرضوا للإذلال علي يد آبائهم أو تعرضوا لاعتداءات الشرطة، وكانت حياة هؤلاء مزيجا من البطالة والفقر وانسداد الآفاق، فلم يبق لهم من اختيار إلا اللجوء إلى العنف والانتقام، هذا العنف الذي سيكونون هم أوّل ضحاياه.
وفي السياق نفسه، نظمت ندوات حوارية ناقشت القضايا الكبرى، التي تثيرها هذه الأفلام وحاولت الإجابة عن كيفية الحد من الانعكاسات السلبية لظاهرة النزوح إلى المدن، حضرها العديد من المختصين في مجال علم الاجتماع الحضري والمعنيين بقضايا العنف والجريمة، فضلا عن السينمائيين.
فلم الجنوب، انفتاح تقابله تحديات
تحت عنوان “التنوّع الثقافي، الحصاد والآفاق”، نظمت على هامش المهرجان ندوة شارك فيها المعنيون بدعم وتوزيع أفلام الجنوب في سويسرا، وتبين من خلال الحوار اختلاف الأولويات وتضارب المعايير بين الطرف الحكومي والقطاع الخاص.
نيكولا بيدو، ممثل المكتب الفدرالي للثقافة، أكد على مصلحة سويسرا في دعم هذا الصنف من الأعمال الفنية، نظرا لما تتيحه من تعريف بالآخر وتوسيع لآفاق التفكير ودعم لتنمية بلدان الجنوب وإتاحة الفرصة للتنوع الثقافي والاختيار الواسع أمام المشاهد السويسري، مبينا أهمية هذا الدعم الحكومي، الذي يبلغ سنويا 700 ألف فرنك ويستفيد منه أكثر من 40 عملا فنيا.
أما مارك بيهود، ممثل مجموعة سينيريف للتوزيع ولورانت دي توا، ممثل مجموعة أغورا فيلم، فقد كشفا عن المشكلات والتحديات التي تواجه توزيع هذا النوع من الأفلام، إذ أنها تتطلب جهدا إشهاريا كبيرا ولا تجلب إلا صنفا محدودا من المشاهدين، وفي أغلبها تركز عل الرسالة المضمونية، في حين ينقصها الحبك الفني.
وأشار السيدان بيهود ودي توا إلى أن هذا الصنف من الأعمال يحقق نجاحا كبيرا في أيام المهرجانات السينمائية، لكنه يفشل في جذب انتباه المشاهد في غيرها من الأيام، مما يكبّـد قاعات العروض خسائر مادية هامة، والمهم بالنسبة إليهما، ليس من أين جاء الفيلم ومن أنتجه، بل هل من الممكن ترويجه، وهل يحقق ربحا؟
وحول الحلول المقترحة، اتفق الطرفان على ضرورة استمرار تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، كمهرجان فريبورغ وعلى الانفتاح على الإنتاج السينمائي في بلدان الجنوب، خاصة الأعمال التي تتميّز بحد أدنى من التوازن بين الشكل الفني والرسالة الهادفة، وأن تتوفّر قاعات مدعومة حكوميا لعرض هذه الأفلام، التي لا تصمد أمام المنافسة أو أن يكتفي بعرض تلك الأعمال خلال أيام التظاهرات الثقافية فقط.
ثلاثة أفلام للعرض والتوزيع في سويسرا
في سياق متصل، حصلت ثلاثة أفلام على حق التوزيع والعرض في سويسرا، وهي فيلم “دارات” للمخرج التشادي محمد صالح هارون، الذي تدور أحداثه حول جريمة قتل أثناء الحرب الأهلية التي شهدتها تشاد في العقود الماضية، ويسعى بطل الفيلم إلى الانتقام لأبيه إرضاءً لجده الكفيف المحكوم بعقلية الثأر وعصبية القبيلة.
وقد استطاع المخرج من خلال الصور والإنارة والصوت، أن يكشف عن المنازل المختلفة التي تركبها النفس البشرية المترددة بين الخير والشر والانتقام والتسامح والارتهان للمجتمع والحق في ممارسة القرار الفردي المستقل، كما يكشف الفيلم حالة التجاذب القيمي والعقائدي، الذي تعيشه دول الجنوب وتداخل أزمانها الثقافية والحضارية.
وأما الفيلم الثاني، فهو فيلم هندي بعنوان” إينّي”، للمخرج ميرالي ناير، والذي يسترجع فيه ذاكرة طفولته والأيام الجميلة التي قضاها مع أصدقاء القرية، هذه العلاقة البريئة، التي ليس من الممكن نسجها لمن يعيش في المدينة الحديثة والتي لا يستقر فيها الإنسان على حال، كل شيء فيها مؤقت حتى علاقات الصداقة، بما فيها من عواطف ومشاعر.
وأما الفيلم الأخير، الذي حاز على الاختيار هو “أوبرا جايا” للمخرج الأندونيسي غارين نغرو، ونص الفيلم مستوحى من نصوص دينية هندوسية قديمة تروي عملية “اختطاف الآلهة سينتا”، ويرمز الفيلم إلى المخاطر العديدة التي لا تزال تهدد المجتمع الأندونيسي.
عبد الحفيظ العبدلي – فريبورغ
منذ انطلاقة مهرجان فريبورغ وحتى الآن، تغير مشهد السينما السويسرية جذريا.
ففي الثمانينات كان من النادر العثور على فيلم من إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، وإن وجدت، فهي لا تلفت إلا نظر القليل من السينمائيين المحترفين، والنادر منها ما يجد طريقه إلى قاعات العرض العمومية، لكن بفضل هذا المهرجان وبعض الفعاليات المشابهة، اعتاد المشاهد السويسري على مشاهدة أفلام الجنوب وأصبح يستسيغها شيئا فشيئا.
ويجب النظر إلى مهرجان فريبورغ في هذا السياق الهادف، إلى الانفتاح على السينما الدولية والوصول إلى وضع تختار فيه الأفلام لجودتها الفنية وحبكتها المهنية، دون التساؤل عن مصدرها أو اللغة التي كتبت بها أو الثقافة التي تعود إليها.
وللوصول إلى هذه المرحلة، يتطلّـب الأمر الخروج عن معايير الكتابة المعتادة لدى الجمهور السويسري واستعداد هذا الأخير لتلقي صور وقصص وأفكار قد تصعب استساغتها بالمعايير الغربية، ولهذا لم تسم جائزة المهرجان الكبرى مثلا “السعفة الذهبية”، كما يحصل في بقية المهرجانات السينمائية الدولية، بل سميت “جائزة النظرة الذهبية”، والتي تسند عادة للأعمال المقدمة لأفضل فهم للظواهر الثقافية والاجتماعية على المستوى العالمي.
وللتعريف بالتقاليد السينمائية العالمية المختلفة، خاصة لدى جيل الأطفال والشباب، خصص المهرجان إحدى عشر فيلما و40 عرضا لطلاب المدارس، وحضر هذه العروض هذه السنة 7500 طالب مقابل 6650 طابا السنة الماضية.
وللغرض نفسه أيضا، يتعاون مهرجان فريبورغ مع مهرجانات أخرى ويقترح عليها عرض ما يقع عليه اختياره من أفلام الجنوب، مثل فيلم “دنيا” سنة 2006 أو الأفلام الثلاث: الفيلم التشادي “دارات” والفيلم الهندي “إينّي” والفيلم الأندونيسي “أوبرا جايا”.
وككل سنة، توزعت الأفلام التي تم اختيارها هذا العام، بين قائمة الأفلام المرشحة للمسابقة الرسمية، وعددها 13 فيلما، منها ثلاثة أفلام عربية، وهي الفيلم الجزائري “روما وإلا انتوما” والفيلم التونسي “جنون” والفيلم الموريتاني “المجموعة الغارقة”.
أما قائمة الأفلام خارج المسابقة، فتشمل 15 فيلما، بالإضافة إلى عدد كبير من الأفلام الخيالية والوثائقية التي توزّعت بين بانوراما جنوب إفريقيا أو بانوراما جزيرة تايوان أو نمط الحياة في المدينة الحديثة، وضمنها نجد أيضا فيلمين عربيين هما “عرس الذيب” لجيلاني سعدي و”البنات دول” لتهاني رشيد.
يبلغ العدد الجملي للأفلام العربية المشاركة في المهرجان، ستة أفلام، حصل ثلاثة منها على جوائز هامة.
بلغ عدد بطاقات الدخول إلى العروض السينمائية خلال أيام المهرجان 26.000 بطاقة دخول.
بلغ عدد طلبة المدارس الذين تابعوا العروض المخصصة لهم 7500 طالب وطالبة.
يبلغ عدد أعضاء إدارة المهرجان ستة عشر عضوا.
تبلغ القيمة النقدية لجائزة “الرؤية الذهبية” 30.000 فرنك سويسري.
تبلغ ميزانية المهرجان 1.5 مليون فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.