مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

موسكو – واشنطن: في البدء كان النفط!

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، قصر الكرملين - موسكو، 22 أكتوبر 2007 Keystone

هل بدأ التمرد الروسي على الإمبراطورية الامريكية يُـؤتي ثماره؟

يبدو أن الأمر كذلك أو هذا على الأقل ما يوحي به عرض وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان، غيتس ورايس، للرئيس الروسي بوتين خلال لقائهما به في موسكو الأسبوع الماضي، والقاضي بتأجيل خُـطة نشر قاعدة إعتراض الصواريخ في بولندا ومحطة الرادار في تشيكيا، والتي تعتبرها موسكو نسفاً لرادعها النووي.

صحيح أن هذا العرض، كما لاحظ جوناثان إيال مدير مركز دراسات الأمن الدولي البريطاني، “يعتبر تنازلاً تكتيكياً يُـمكن لواشنطن التراجع عنه بكبسة زِر، فيما التنازلات الروسية المطلوبة في المقابل، وهي خنق إيران والإعتراف بإستقلال كوسوفو، غير قابلة للتراجع”، إلا أن مجرد قبول الإدارة الأمريكية بمبدإ المساومات مع حكومة بوتين، شكَل أوَل تحوّل من نوعه في السياسة الأمريكية إزاء موسكو منذ إنهيار جدار برلين عام 1989.

منذ ذلك الحدث، الذي تلاه مباشرة إنهيار الإمبراطورية السوفييتية، إعتادت واشنطن أن تفرض شروطها واعتادت موسكو أن تقبل هذه الشروط من دون تحفظ.

المنتصر في الحرب الباردة كان يحدّد جدول الأعمال، فيتعيّـن على المهزوم الرّقص على إيقاعه (الجدول)، وهذا تحقق على الوجه الأمثل خلال عهدي الرئيسين غورباتشوف ويلتسين وبداية عهد بوتين.

لكن، في النصف الثاني من ولاية بوتين (بدءاً من عام 2003) طرأت تحوّلات مهمّة في هذا النهج الروسي: من الإستسلام إلى التنافس، ومن التعاون المطلق إلى التنسيق المشروط، وتغذى هذا التحوّل آنذاك من عوامل عدة تشمل إنتعاش القومية الروسية مجدداً ونجاح بوتين في إعادة لملمة شتات الدولة الفدرالية الروسية وتحسَن أداء الاقتصاد الروسي بعد إنهيار إستمر أكثر من عقد، لكن الأهم في كل ذلك، كان نجاح بوتين في لعب ورقة النفط، وفي رمْـي قفّـازه في وجه الولايات المتحدة.

كيف حدث ذلك؟

الرؤوس الساخنة

العودة إلى وقائع الزيارة التاريخية لبوتين إلى إيران، والتي تضمّـنت المشاركة في قمة دول بحر قزوين، قد تساعد في الإجابة على بعض جوانب هذا السؤال، فيما ستتكفَّـل التطورات التاريخية، التي سنوردها في الإجابة على بقية الجوانب.

أعلن بوتين في طهران: “بعض الرؤوس الساخنة في الغرب لا تزال تسيطر عليها أفكار عن كيفية الوصول إلى احتياطات روسيا النفطية، بما في ذلك منطقة سيبيريا الشرقية، لكننا لسنا العراق، ونتملك القوة الكافية للدفاع عن مصالحنا”.

كما أعلن أيضاً: “يجب أن لا نحاول الاختباء وراء أصابعنا: الغزو الأمريكي للعراق استهدف في الدرجة الاولى السيطرة على احتياطاته النفطية”.

لماذا قرر الرئيس الروسي كشف النِّـقاب على هذا النحو عن البُـعد النفطي في الحرب الباردة الجديدة، وإن الصغيرة والمحدودة، بين موسكو وواشنطن؟ وإلى أين يمكن أن تصل مثل هذه الحرب؟ قصة الماضي القريب قد تكون مفيدة هنا.

وقائع هذه القصَّـة بدأت في 3 مايو الماضي، حين أدلى نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بخطاب في ليثوانيا أمام مؤتمر لقادة من دول البلطيق والبحر الأسود، أعتبره العديدون تاريخاً لحرب باردة جديدة بين روسيا وأمريكا.

جاء في الخطاب: “أمريكا وكل أوروبا تريد أن ترى روسيا في خانة الديمقراطيات الصحية والحيوية، ومع ذلك، ثمة في روسيا اليوم من يعارض الإصلاح ويسعى لعكس مكاسب العقد الماضي. في العديد من مجالات المجتمع المدني، من الدِّين إلى وسائل الإعلام والأحزاب، تقيّـد الحكومة بشكل غير عادل وغير ملائم حقوق شعبها، وهذا قد يؤثر على علاقاتها مع الدول الأخرى.

ثم قال: “لا مصلحة شرعية (لروسيا) تخدم حين يصبح النفط والغاز أدوات للتخويف أو الابتزاز، سواء عبر التلاعب بالإمدادات أو من خلال محاولة احتكار وسائل نقل الطاقة”.

هذه الفقرة الأخيرة في خطاب تشيني كانت كل بيت القصيد، وجاءت بعد فشل واشنطن في السيطرة على شركة النفط الروسية العملاقة “يوكوس”، التي تحوّلت بسرعة إلى ثالث أو رابع أكبر شركة بترول في العالم، والتي كان رئيسها ميخائيل خودوركوفسكي وثيق الإرتباط بالدوائر الغربية، وعلى الأخص بديك تشيني وبيل غيتس.

كان خودوركوفسكي يخطط لبيع جزء كبير من أسهم “يوكوس” إلى أحد أصدقاء تشيني في شركات نفط تكساس، إما إكسون أو شيفرون. لماذا؟ لأن دخول الغرب على الخط سيمنع الكرملين من محاولة العمل على إستعادة هذه الشركة.

في الوقت ذاته، كان تشيني يضع اللَّـمسات الأخيرة على إستراتيجية السيطرة الأمريكية على كل نفط العالم، والتي حدّدت ملامحها الأولى في أوائل التسعينات. فهو أعلن عام 1998، حين كان مديراً في شركة هاليبورتون: “ليس هناك منطقة أصبحت فجأة مهمَّـة في عصرنا، كما هو الأمر مع منطقة بحر قزوين”، وهو كان على حق. فهذه المنطقة، وخاصة كازاخستان وأذربيجان، فيها ما بين 5 إلى 10 تريليون دولار من النفط، وربما أكثر.

في تلك الأثناء، برزت روسيا كثاني أكبر منتج للنفط في العالم، وفي قمة نفطية روسية – أمريكية عقدت في هيوستون في أواخر عام 2002، تمّ توقيع اتفاقية لبناء خط أنابيب من حقول النفط الغنية في غرب سيبيريا إلى ميرمانسك، حيث يمكن شحن البترول بعد ذلك بسهولة إلى الولايات المتحدة، هذا الخط كان يُـفترض أن يكون أول كونسوراتيوم خاص روسي بقيادة “يوكوس”.

كانت هذه أيضاً أول محاولة كبرى لـ “تحرير” النفط الروسي من سيطرة الكرملين ونقله إلى السيطرة الأمريكية، لكن هنا برزت عقبة: بوتين وأنصاره إعتبروا هذا الأنبوب مؤامرة أمريكية، ولأنه فقَـد الثقة بواشنطن بعد إلغاء معاهدة “أي.بي.أم” وإنزال قوات القبَّـعات الخُـضر في جورجيا، فقد قرّر العمل.

بقية القصة معروفة: سيطرة الكرملين على يوكوس في صيف 2003 (بعد غزو العراق)، وضع خودوركوفسكي في السجن لمنعه من السيطرة على الدولة وتحويل روسيا إلى دولة نفطية تدور في فلك أمريكا، ومع هذا التطور، تبدّدت أحلام تشيني بالسيطرة على النفط الروسي، خاصة بعد أن ألغى بوتين مشروع خط أنابيب ميرمانسك. الآن هذا الخط في يد الكرملين وهو ينقل النفط إلى آسيا.

عقب أخيل الأمريكي

هذه كانت القصة الحقيقية وراء الحرب الباردة المحدودة الجديدة، والتي كشف بوتين النقاب عن مكوِّناتها الحقيقية، لكن، لماذا إختار الرئيس الروسي أن يقوم بهذه الخطوة بعد زيارته لطهران، وإلى أين يمكن ان تصل هذه الحرب التي تزكم روائحها البترولية القوية الآن كل الأنوف؟

الرئيس الروسي بوتين يُـدرك أمرين متلازمين إثنين:

الأول، أنه لا يستطيع، حتى لو أراد، خوض سباق تسلح جديد مع الولايات المتحدة، يمكنه أن يرد على نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي في أوروبا الشرقية بإخراج قاذفاته الإستراتيجية النووية العتيقة وإطلاقها بمحاذاة الأجواء الغربية، وفق أنموذج الحرب الباردة السابقة (وهذا ما فعله)، يمكنه أيضاَ تطوير الصواريخ العابرة للقارات والانسحاب من معاهدة تقليص القوات التقليدية في أوروبا، لكن ليس في مقدوره تحدّي موازنة عسكرية أمريكية تبلغ 400 مليار دولار، بموازنة عسكرية روسية لا تتجاوز حدودها 4 مليارات دولار.

والثاني، أن عقب أخيل الأمريكي يكمُـن أولا وأساساً في النفط. فالولايات المتحدة، وبرغم أنها منتج كبير للبترول، إلا أنها تستورد 60% من حاجياتها (21 مليون برميل يومياً) من الخارج. أحجب أو عرقل إمدادات النفط عنها في بعض المناطق، تكون قادراً على تعريض أمنها القومي للخطر وإزدهارها الإقتصادي للإنهيار.

قيصر الكرملين يركِّـز كل ضرباته هذه الأيام تحت حِـزام عقب أخيل هذا. البداية (كما أشرنا)، كانت مع النفط الروسي نفسه، حين حاول نائب الرئيس الأمريكي تشيني السيطرة عليه طيلة حقبة التسعينات وبداية القرن الجديد، فأحبط بوتين كل مساعيه، وهذه كانت ضربة قوية للخطط الأمريكية التي وضعت قبل سنوات واستهدفت السيطرة على كل إحتياطي النفط العالمي، الذي سيبلغ ذروة الإنتاج بين عامي 2012 و2015، ثم يبدأ مسيرته الإنحدارية الكبرى.

لماذا كانت هذه ضربة قوية؟ لأن روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية، وهي تنتج الآن نحو 9 ملايين برميل يوميا بالمقارنة مع 10،5 مليون برميل تضخّـها المملكة. وفي الفترة بين عامي 2000 و2006، زادت روسيا إنتاجها بمعدل 3 ملايين برميل في اليوم ويُـنتظر أن تضيف إليه 300 ألف برميل قبل نهاية سنة 2008.

بيد أن هذه كانت البداية، مجرّد البداية فقط، إذ سرعان ما تخطَّـى بوتين حدود الوطن الروسي ليضغط على مراكز الوجع النفطي الأمريكي في كل العالم:

فهو عرقل، جنباً إلى جنب مع الصِّـين، العديد من المحاولات الأمريكية لخنق إيران إقتصادياًَ في مجلس الأمن، وكسر خلال قمة قزوين الأخيرة في طهران الحِـصار الدولي عليها، حين كان ثاني رئيس روسي في التاريخ بعد ستالين (الذي حضر قمة طهران عام 1943)، يزور بلاد فارس.

وهو دعم رئيس فنزويلا شافيز (الذي تزوّد بلاده الولايات المتحدة بنحو 15% من مستورداتها النفطية) بالسلاح الخفيف والمتوسط، وسانده في تهديداته بقطع إمدادات النفط عن واشنطن.

وهو ضغط بقوة على كازاخستان وأذربيجان، المنتجتن الأبرز للنفط في بحر قزوين، لحملهما على قطع علاقاتهما العسكرية والنفطية مع واشنطن.

ثم أنه، أخيراً، نشط في نيجيريا والسودان ودول غرب إفريقيا لعرقلة الجهود الأميركية، للسيطرة على نفط تلك البلدان.

كما هو واضح، الدبّ الروسي يلاحق النّـسر الأمريكي في كل مكان يوجد فيه نفط، وهو لا يفعل ذلك طلباً لتجديد الحرب الباردة، بل لإجبار أمريكا على التعاطي مع مصالح روسيا بالإحترام والجدّية اللاّزمين بصفتها دولة كبرى.

هل ينجح بوتين؟

ليس ضرورياً أن ينجح. كل ما عليه فعله هو مواصلة ما يفعله الآن: لعب الورقة النفطية ضد واشنطن حتى الثّـمالة، ثم انتظار من سيصرُخ أولاً.

والآن، ومع اقتراب سعر برميل النفط من حاجز 100 دولار ومع تفاقم مشاكل أمريكا في العراق وإيران وآسيا الوسطى وبعض دول إفريقيا، قد لا تكون ثمَّـة حاجة للتساؤل عمَّـن سيصرُخ أولاً.

ولعل عرض غيتس ورايس تأجيل نشر الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية هو أول غيث الصُّـراخ الأمريكي المحتمل..

سعد محيو – بيروت

واشنطن (رويترز) – قال الرئيس جورج بوش يوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2007 إن درع الصواريخ المقرر نشرها في اوروبا حيوية للحماية من “تهديد ايراني متزايد” مع تأكيده على حملة متصاعدة بقيادة الولايات المتحدة ضد طهران.

وفي اوضح تعبير عن موقفه حتى الان استغل بوش خطبة بجامعة الدفاع الوطني ليؤكد على فكرة ان ايران تمثل خطرا داهما بسبب سعيها المتزامن للحصول على التكنولوجيا النووية والصاروخية.

وجاء احدث هجوم كلامي من بوش بعد تحذيره القوي الاسبوع الماضي من ان امتلاك ايران للسلاح النووي يمكن ان يؤدي الى حرب عالمية ثالثة وهي ملاحظة اثارت انتقادات من معارضين سياسيين داخليا والذين اتهموه بتصعيد التوترات مع طهران.

وقال بوش “الحاجة الى منظومة للدفاع الصاروخي في اوروبا حقيقية واعتقد أنها ملحة.”

واضاف “ايران تسعى للحصول على تكنولوجيا يمكن استخدامها لانتاج اسلحة نووية وصواريخ ذات مدى متزايد يمكنها حمل تلك الاسلحة.”

وسعى بوش الى طمأنة روسيا انها لا تحتاج للخوف من الخطط الامريكية لوضع مكونات من نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك وقال ان ايران ستكون الهدف الاساسي لمثل هذه الدرع.

وقال بوش ان ايران اوضحت انها تطور صواريخ بمدى 1200 ميل (1900 كيلومتر) وبالتالي قادرة على ضرب حلفاء للولايات المتحدة في اوروبا.

وقال بوش ان تقديرات اجهزة المخابرات الامريكية تشير الى ان ايران مع المساعدة الاجنبية المستمرة يمكنها تطوير صاروخ عابر للقارات قادر على الوصول الى الولايات المتحدة وكل انحاء اوروبا قبل عام 2015.

واضاف “نحتاج الى التعامل معها بجدية الان.” وتابع “اليوم ليس لدينا وسيلة للدفاع عن اوروبا ضد التهديد الايراني المتزايد. ولذلك يجب ان ننشر نظاما للدفاع الصاروخي هناك يمكنه ذلك.”

وبواعث القلق الامريكية تجاه ايران تتجاوز برنامجها النووي.

واتهم نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني طهران يوم الاحد بأنها “عقبة متنامية امام السلام” في الشرق الاوسط وبأن لها دورا في قتل جنود امريكيين بالعراق حيث يقول مسؤولون امريكيون انها تقدم اسلحة وتوفر تدريبا للمسلحين.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 أكتوبر 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية