موسم الازمات بين الرياض والدوحة
مع اشتداد حرارة الصيف في منطقة الخليج، تصاعدت مجددا حدة الخلافات بين دولة قطر وجارتها الكبرى المملكة العربية السعودية في حلقة من سلسلة الازمات المتعاقبة بين البلدين الخليجيين.
تنذر الازمة بين الدوحة والرياض بابعاد اقليمية في سياق اعادة خلط الاوراق التي فرضتها على دول المنطقة احداث 11 سبتمبر وما يجري الاعداد له امريكيا لضرب العراق. فقد اقر وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني بعد تردد طويل بوجود “سوء تفاهم” مع المملكة العربية السعودية، الدولة الوحيدة التي لم يتسن له زيارتها ضمن جولة قادته الى كافة عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن اليمن على خطى جولة مماثلة قام بها نظيره السعودي الامير سعود الفيصل استثنى منها الدوحة. وكرر الوزير القطري القول بانه “لم يتلق حتى الان ردا” على طلبه زيارة المملكة.
ويؤكد حمد بن جاسم بذلك حقيقة ما تسرب عن وجود خلاف عميق بين البلدين اللذين لم يخفيا منذ سنوات عديدة التوتر المستحكم في علاقاتهما على خلفية النزاع الحدودي الذي نشب بينهما عام 1992 ودفع بهما الى حافة المواجهة العسكرية.
مرة اخرى قناة “الجزيرة” .. لكن!
ما فتئت قناة الجزيرة منذ انطلاقها عام 1996 تكرس روح الجفاء بين الدوحة والرياض، حيث راى فيها السعوديون وما يزالون اداة للدسّ والدعاية المغرضة من حين لآخر ضد المملكة.
وقد شكل في الاونة الاخيرة برنامجان بثتهما هذه القناة سببا لاحدث ازمة تهز العلاقات القطرية السعودية بحسب ما تردد في عاصمتي البلدين ودول الجوار ووسائل الاعلام الخليجية، مما جعل وزير الخارجية القطري يتحدث عن قناة الجزيرة باعتبارها “صداعا مزمنا” مضيفا ان هذا الصداع “ليس له حلا”، بما يعني ان حكومته لا تنوي اتخاذ اي اجراءات بحق الجزيرة تماما كما حصل حتى الان مع دول عربية اخرى تأزمت علاقاتها مع الدوحة بسبب هذه القناة.
الا ان مثل هذا الموقف لن يرضي السعوديين اللذين استاءوا بحسب ما رشح من اتهامهم “بخيانة القضية الفلسطينية” بدء من ايام الملك عبد العزيز مؤسس المملكة ووصولا الى الامير عبد الله ولي العهد الحالي وصاحب مشروع السلام في الشرق الاوسط الذي اعتمد كخطة عربية في مؤتمر القمة العربي الاخير في مارس الماضي في بيروت.
ورغم ان السعودية لزمت رسميا الصمت ازاء الازمة ضمن دبلوماسيتها التقليدية الهادئة، فان الاوساط السياسية في الرياض لا تستبعد ان يكون رد الفعل السعودي هذه المرة شديدا وربما قد يصل الى حد تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة والرياض.
ولئن كانت برامج قناة الجزيرة مصدرا لتصدع العلاقات القطرية مع العديد من الدول العربية بما في ذلك بعض دول مجلس التعاون وحتى مع الولايات المتحدة خلال حرب افغانستان، الا ان القناة لا تمثل في الازمة الحالية بين قطر والسعودية الا الجزء الطافي على سطح الماء من جبل الخلافات بين البلدين والتي يعزوها المحللون اساسا الى المنافسة المحمومة وغير المعلنة بين الدوحة والرياض للعب الادوار الاولى على الصعيد الاقليمي، خصوصا على ضوء الاستعدادات الامريكية الحالية للتدخل في العراق.
الدوحة بديل للرياض؟
تجلت الطموحات القطرية في اطار التجاذب مع السعودية في قبول قطر ايواء مزيد من القوات الامريكية المنسحبة من المملكة العربية السعودية وفي التسهيلات العسكرية الكبيرة وغير المسبوقة للولايات المتحدة، خاصة في قاعدة العيديد الجوية القريبة من الدوحة والتي تحولت الى قلعة عسكرية واستراتيجية امريكية في قطر.
وتكتسي هذه الخطوة من جانب قطر اهمية كبرى، حيث يرى المحللون انها تاتي على حساب المملكة العربية السعودية، التي تاثرت علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن منذ ان رفض ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز الانخراط في الحرب الامريكية في افغانستان التي اعقبت احداث 11 سبتمبر.
كما ان تعزيز التواجد الامريكي في قطر ياتي ضمن استعدادات الولايات المتحدة للقيام بهجوم واسع النطاق على العراق من اجل قلب نظام الرئيس صدام حسين، وهو مشروع تعترض عليه الرياض بشدة كما يستشف من تصريحات المسؤولين السعوديين اللذين يزيدون بذلك في تعميق الهوة مع حليفهم الامريكي، خاصة وقد بادروا منذ مؤتمر قمة بيروت الى الانفتاح على العراق والتقارب مع نظام الرئيس صدام حسين.
وفضلا عن ذلك، فان المواقف بين الرياض والدوحة بخصوص تفاعلات قضية الشرق الاوسط متباينة ومتباعدة، اذ تاخذ المملكة على قطر مواقفها من اسرائيل وما يروج في الاوساط الدبلوماسية عن استمرار وجود دبلوماسيين اسرائيليين في الدوحة رغم الاعلان رسميا عن اغلاق المكتب التجاري الاسرائيلي في العاصمة القطرية منذ اواخر عام الفين. وكانت المملكة العربية السعودية هددت بمقاطعة مؤتمر القمة الاسلامي الذي انعقد انذاك في الدوحة في حالة الابقاء على المكتب الاسرائيلي في العاصمة القطرية.
وتراكمت الخلافات حول موضوع الشرق الاوسط بين الرياض التي تتطلع بحكم وزنها الاقتصادي والسياسي الى الاضطلاع بدور الريادة خليجيا وعربيا، وقطر، الدولة الصغيرة ذات التعداد السكاني المحدود، والتي تطمح منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد السلطة عام 1995، الى المنافسة على لعب الادوار الاولى اقليميا بفضل الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي الذي تملكه ويقدر بثلاثة عشر الف تريليون متر مكعب، وهو ثالث احتياطي في العالم بعد روسيا وايران، الى جانب انفتاح سياسي واعلامي لعل قناة الجزيرة احدى ادواته!
فبعد ان استضافت الدوحة عام 1998، المؤتمر الاقتصادي حول الشرق الاوسط وشمال افريقيا وما رافقه من حملة مناهضة في بعض العواصم العربية ومنها الرياض ضمن ما اطلق عليه انذاك سياسة الهرولة تجاه اسرائيل، استمر التجاذب بين المملكة وقطر الى ان اطلق وزير الخارجية القطري قبل اشهر خلال زيارة الى الولايات المتحدة الامريكية عبارته الشهيرة “على العرب ان يتوسلوا” لواشنطن حتى تخفف اسرائيل من قبضتها الحديدية على الفلسطينيين وما اعقب ذلك من اعلان مفاجئ للامير عبد الله بن عبد العزيز عبر صحيفة نيويورك تايمز عن مبادرته باقتراح التطبيع العربي الكامل مع اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الاراضي العربية المحتلة عام 1967.
غياب الوساطات الاقليمية التقليدية ينذر بالسوء
لقد امكن لحد الان، على الاقل ظاهريا، تطويق التوتر بين البلدين، على الرغم من اتساع هوته ضمن ما يسمى بسياسة التآخي والعائلة الواحدة في مجلس التعاون الخليجي، كما ذكر بذلك وزير الخارجية القطري في صنعاء هذا الاسبوع، حيث اعلن ان “دولة قطر حريصة على ان تكون علاقاتها بدول مجلس التعاون وعلى راسها المملكة العربية السعودية في ظل الاحترام والثقة المتبادلة”.
الا ان عمق الخلافات العالقة وما يجري من اعادة صوغ للعلاقات والتحالفات في المنطقة في ضوء المعطيات الجديدة في السياسة الامريكية اقليميا ودوليا، تنذر بإفرازات غير متوقعة بالنظر الى تراجع الدور التقليدي للوساطات، كما تدل على ذلك البيانات التي صدرت عن كل من الكويت واليمن اللتين زارهما وزيرا خارجية قطر والسعودية ونفتا فيها قيامهما باية مساعي حميدة لدى الرياض والدوحة لاحتواء الموقف.
ويخشى الدبلوماسيون ان يتطور الخلاف في الاشهر القادمة بما قد ينعكس على مؤتمر القمة المرتقب لمجلس التعاون الخليجي المقرر انعقاده في ديسمبر بالدوحة.
والى ذلك الحين، سيكون ملف العلاقات القطرية السعودية مرشحا لكل الاحتمالات في ضوء ما قد يحصل من تطورات في المشهد السياسي العربي العام، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية وما قد تفرزه تلك التطورات من تحرك باتجاه قيام الولايات المتحدة بتنفيذ تهديداتها باجتياح العراق بهدف الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين.
وهذه التطورات لن تسلم منها العلاقات الخليجية والعربية، ايا كان المنحى الذي ستاخذه الاحداث وايا كانت العواقب المترتبة عنها.
رفيقة محجوب – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.