“ميغرو” تعطي إشارة إيجابية لمسلمي سويسرا
أعلنت "ميغرو"، أكبر مجموعة تجارية تعاونية سويسرية لبيع المنتجات الاستهلاكية، رسميا أنها لن تمنع على موظفاتها المسلمات ارتداء الحجاب منعا عاما.
ولأنها تعتبر ارتداء الحجاب الإسلامي رمزا دينيا، تعتزم إدارة “ميغرو” احترام مبدأ الحرية الدينية، لكنها تصر على دراسة كل حالة على حدة ولا تستبعد رفض الحجاب في بعض أماكن العمل.
رغم وجود اختلافات في تأويل حكم ارتداء الحجاب في صفوف المسلمين المقيمين في سويسرا، قررت “ميغرو” تجاهل ذلك والاستجابة لمطلب العاملات اللاتي يرغبن في ارتداء الحجاب الإسلامي. لكن في حال صدور ردة فعل معادية من قبل الزبائن، فستتولى إدارة “ميغرو” تحويل العاملة إلى مكان آخر لا يتطلب بالضرورة التعامل المباشر مع المستهلكين، دون أن تطلب من العاملة المسلمة الاستغناء عن حجابها.
وورد في البيان الصحفي الصادر مساء الخميس 18 نوفمبر، عن أكبر مجموعة تجارية تعاونية سويسرية لبيع المنتجات الاستهلاكية، أن المسؤولين عن الموظفين في محلات “ميغرو” توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه “لا يمكن اتخاذ قرار عام فيما يتعلق بمسألة ارتداء الحجاب، لكن يجب دراسة كل حالة على حدة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الموقف في كل مكان”.
وأكد البيان على ضرورة التفكير في مصالح الزبائن والعاملين وأرباب العمل. كما شدد على أهمية الأخذ في الحسبان التعليمات المحددة من قبل المجموعة مثل تلك الخاصة بالنظافة وبأمن مكان العمل وبحماية العاملين ضد الهجمات الكلامية أو الجسدية.
“لا” في ثلاثة كاتنونات روماندية
ومثلما كان متوقعا، توالت ردود الفعل يوم الجمعة 19 نوفمبر على قرار “ميغرو” حتى في فروع المجموعة نفسها في مختلف الكانتونات السويسرية. وبما أن القوانين والتشريعات تختلف من كانتون إلى آخر في سويسرا الفدرالية، فكان طبيعيا ألا تنصاع كافة محلات “ميغرو” لقرار الشركة الأم في كانتون زيورخ.
وقد أعلنت بالفعل محلات “ميغرو” في كانتونات جنيف ونوشاتيل وفريبورغ أنها لن تسمح للبائعات المسلمات بارتداء الحجاب في محلاتها بهدف “حماية موظفيها من سلوكيات معادية للأجانب”.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السويسرية، أعرب جاك ديكينز، مدير قسم الموارد البشرية في “ميغرو” لكانتوني جنيف وفريبورغ، عن خشيته من “العنف اللفظي، أو حتى الجسدي لبعض الزبائن إن تم السماح بارتداء الحجاب”، مضيفا: “أنا متأكد من صدور ردود فعل”.
أما في كانتون فو، فيختلف الموقف إذ صرح مدير “ميغرو” فيليب بوركي: “نحن نتخذ موقفا متسامحا شرط أن يتحلى الزبائن والموظفون بالتسامح أيضا”. ولم تطلب لحد الآن أي عاملة مسلمة في “ميغرو- فو” ارتداء الحجاب.
“إشارة إيجابية” للجالية المسلمة
وفي فريبورغ، يرى رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا ستيفان لاتيون أن قرار “ميغرو” هو “أولا إشارة إيجابية، فهي بمثابة اعتراف بالحضور المسلم في سويسرا، والذي يدخل هنا في إطار التعاون بين العاملين وأرباب العمل”.
وفي تصريحات لـ”سويس انفو”، أضاف لاتيون، الحاصل على دكتوراه حول الإسلام في أوروبا بجامعة جنيف، أن “هذا القرار يدل على غياب عدم التوافق بين ارتداء الحجاب والفعالية في العمل”.
وعما إذا كانت “الإشارة الإيجابية” التي أعطتها “ميغرو” للجالية المسلمة ستصل إلى المدارس والإدارة العمومية، أجاب الدكتور لاتيون “لا اعتقد ذلك، أولا لأن الكانتونات في سويسرا لا تتوفر على نفس القوانين إزاء الجانب الديني. ففي جنيف أو نوشاتيل على سبيل المثال، تـُفهم العلمانية كغياب تام لكافة الشارات الدينية، ولن يكون لإشارة “ميغرو” أي تأثير هناك”.
وهذا ما اتضح بالفعل من خلال المواقف التي أعلنت عنها يوم الجمعة محلات “ميغرو” في كل من جنيف ونوشاتيل وجنيف كما سبق الذكر.
“لا علاقة لحرية الدين بالقطاع الخاص”
وفي تعقيبه على سماح “ميغرو” بارتداء الحجاب باسم حرية الدين، صرح رئيس المحكمة الفدرالية السابق كلود رويي -الذي رحب بقرار “ميغرو”- أن تبرير الموقف بحرية الدين “ليس صائبا”، وأن “ميغرو” تخطأ عندما تستند إلى حرية الدين لأن هذا الحق الأساسي المدون في الدستور يطبق في القطاع العام والعلاقات بين الدولة والمواطنين وليس في القطاع الخاص.
وأوضح السيد رويي أن علاقات العمل في القطاع الخاص تظل خاضعة لحرية تصرف أرباب العمل في العقود، إذ يحق لهم عدم توظيف شخص لأنه لا يليق بإطار عملهم، أو تحديد قواعد للسلوك خدمةً لمصالح شركتهم.
في المقابل، لا يمنع القانون الموظفين من تبني سلوك ديني شرط ألا يمارس في مكان العمل. ويقول مدير المحكمة الفدرالية السابق إن “أرباب العمل يمكن أن يسمحوا أو لا بذلك”. وقد حرص السيد رويي، الذي يناضل شخصيا من أجل التسامح الديني، على الإشادة بما وصفه بـ”الانفتاح على العشرة الحسنة” الذي يمثله قرار “ميغرو”.
وبينما تحدث السيد رويي عن “العشرة الحسنة”، أثارت السيدة نادية كرموص، رئيسة الجمعية الثقافية للنساء المسلمات في سويسرا، أهمية قرار “ميغرو” في تعزيز مساعي اندماج الجالية المسلمة في الكنفدرالية. وقالت السيدة كرموص في هذا السياق “إنه قرار ذكي وواعد، هو تحرك جميل على مستوى الاندماج. إن النساء المسلمات جزء من المجتمع وارتداء الحجاب هو أيضا اختيار متعمد، خلافا لما يمكن أن يُعتقد أحيانا”.
سويسرا ومسألة الحجاب
ويبدو من خلال هذه الآراء أن مسألة ارتداء الحجاب في سويسرا خرجت عن نطاق الحدث المنعزل هنا وهناك، وعن إطار متابعة ما يجري في فرنسا المجاورة، بل أصبحت قضية مطروحة بالفعل على الرأي العام السويسري وقد لا يُستبعد أن يتطور الحديث عنها في المستقبل.
وعن الكيفية التي ينظر بها السويسريون إلى مسألة الحجاب، قال رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا ستيفان لاتيون: “على مستوى الجمهور، يظل تأُثير الوضع في فرنسا أمرا أكيدا” موضحا أن الجدل أشد في المناطق السويسرية المتحدثة بالفرنسية مقارنة مع المناطق المتحدثة بالألمانية.
وذكر الدكتور لاتيون في هذا السياق أن معظم المسلمين المقيمين في سويسرا المتحدثة بالألمانية يتكلمون التركية أو ينحدرون من منطقة البلقان، لذلك فإن مطالبهم ثقافية أكثر مما هي دينية.
لكن الوضع يختلف تماما في سويسرا الروماندية بحكم قربها الجغرافي واللغوي والثقافي من فرنسا. ويقول الدكتور لاتيون بهذا الصدد: “عندما ينفجر جدل في فرنسا حول الحجاب، يكون له صدى هنا، ويستغل مؤيدو العلمانية المنغلقة على الطريقة الفرنسية الفرصة لفتح النقاش مجددا”.
وقد أعرب رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا عن اعتقاده أنه “من الأسف التطرق إلى مسألة الحجاب من زاوية الجدل”، مضيفا أن “المناخ الهادئ الذي يسود في سويسرا يسمح لنا بمناقشة المسألة، وتحليل أسسها ثم طرح الحدود”.
وأوضح الدكتور لاتيون في تصريحه لـ”سويس انفو” أن “الأهم، هنا في سويسرا هو المحافظة على مناخ هادئ، وعدم اتخاذ القرارات على أساس مواقف خاصة، بل الاعتراف بالآخر، والاستماع إليه، وتبرير ومناقشة المواقف، وبعد ذلك يمكن منع شيء ما”.
“ميغرو لم تقع في الفخ”
أما صحيفة “لوتون” الرصينة الصادرة في جنيف، فعلقت على قرار “ميغرو” بالقول “ستحترم الشركة الرمزية للهوية السويسرية رغبة العاملات اللاتي يردن ارتداء الحجاب والعيش في توافق مع إيمانهن”.
وفي افتتاحية يوم الخميس، عشية الإعلان الرسمي عن قرار “ميغرو”، كتبت “لوتون”: “إن الشكوك والجدل الذي أثارته ارتداء الحجاب وسط “ميغرو” والرأي العام بعد طرح المسألة من قبل وسائل الإعلام هي عوامل تبين في حد ذاتها أن هنالك تطور على مستوى الوعي”.
وأضاف كاتب الافتتاحية فرانسوا مودو “الخطأ هو النظر إلى الحجاب كرمز للإسلام الأصولي. “ميغرو” لم تقع في فخ الاعتباطية. النساء المسلمات المحجبات لا يمثلن خطرا على أمن النظام العام، ومنعهن من ارتداء الحجاب قد يؤدي إلى إقصائهن من سوق العمل وبالتالي إقفال أي أفق للاندماج”.
وقد أوضحت المتحدثة باسم رابطة تعاونيات “ميغرو” مونيكا ويبيل أن “ظروف العمل في ميغرو تستبعد أي تمييز ديني”.
ويذكر أن “ميغرو” اتخذت قرار عدم منع الحجاب منعا عاما في محلاتها بعد الطلب الذي تقدمت به إحدى العاملات في شهر أكتوبر الماضي في أحد فروع المجموعة في زيورخ. وكان رئيس العاملة المسلمة قد حاول، في مرحلة أولى، إقناعها بصرف النظر عن المسألة دون اللجوء إلى أداة قانونية. وبعد أن كشفت صحيفة “تاكس أنتسايغر”الأمر قبل بضعة أسابيع، أثارت القضية ردود فعل عديدة من القراء، الذين يعارضون في غالب الأحيان ارتداء الحجاب.
لكن اتضح أن ارادة احترام قناعات العاملات المسلمات كان أقوى من غضب بعض الزبناء. وفي تصريح لصحيفة “لوتون”، قال أورس سلوتز، رئيس الموظفين بتعاونية “ميغرو” في زيورخ: “كثير من الناس لديهم أحكام مسبقة ضد الحجاب، لكن قاعدتنا القانونية مختلفة عن مثيلتها في فرنسا. اليهود والسريلانكيون الذين يرتدون قبعة “الكيبا” أو العمامة يعملون أيضا في ميغرو بدون أية مشاكل”.
فهل سيشجع قرار “ميغرو” أطرافا وقطاعات سويسرية أخرى على فتح أبوابها للمحجبات أم سيثير المزيد من المخاوف من الإسلام “الظاهر” في مختلف أرجاء الكنفدرالية؟
إصلاح بخات – سويس انفو
الوضع في شركات أخرى:
“كوب” المنافس الرئيسي لـ”ميغرو”، تفضل الإدارة التعامل مع كل حالة على حدة. وتشدد على أن التسامح يجب أن يكون متبادلا. وتظل الأولوية في معظم الأحيان إرضاء الزبون.
مصرف “كريدي سويس”: مصلحة الزبون هي التي تحث على اعتبار الشارات الدينية الظاهرة “غير مناسبة”.
محلات “دينير” للمنتجات الاستهلاكية: واجهت مؤخرا مسألة الحجاب بعد أن ظهرت زوجة أحد مدراء المجموعة في زيورخ على شاشة التلفزيون مرتدية الحجاب وهي أمينة صندوق في “دينير” أيضا. لكن مدراء المجموعة يعملون بشكل مستقل في محلاتنا، وينصحون بعدم ارتداء الحجاب لتفادي كثرة الكلام والتجاوزات.
بالسنبة لشركة الخطوط الحديدية الفدرالية السويسرية، لا يطرح المشكل بفضل فرضها لزي العمل الإجباري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.