نحو عفو ضرائبيّ عام؟
تعاود فكرة إصدار عفو ضرائبيّ عام بعض الأوساط السياسية والاقتصادية في سويسرا، على خلفية الجدل مع الاتحاد الأوروبي حول الضرائب على أرياح رؤوس المال.
وتروّج هذه الأوساط للرأي القائل بإمكانية إصدار عفو ضرائبي عام في سويسرا لكل جيل، على نحو ما حصل في عام 1969.
هنالك مشروعان للعفو الضرائبي في سويسرا حاليا. يتبنى أحدهما وزير المالية الفدرالي Kaspar Villiger، وتتبنى الثاني نائبة ليبرالية تمثل جنيف في البرلمان الفدرالي Barbara Polla.
فالمشروع الأول الذي يتدارسه خبراء وزارة المالية الفدرالية، والذي سيُعرض في شهر أبريل للمشاورات على جميع الأحزاب السياسية وعلى غيرها من الجهات المعنية، يقترح عفوا عن هؤلاء الذين ورثوا الأموال والكنوز غير المُعلنة ولم يفكروا بدورهم في الإعلان عنها لأجهزة الضرائب.
أما مشروع النائبة الفدرالية بَاربارا بولاّ، فيدعو لعفو عام حقيقي يشمل الجميع، أي هؤلاء الذين ورثوا ثروات غير مُعلنة، كما يشمل هؤلاء الذين أخفوا بأنفسهم مثل هذه الأموال والكنوز عن دوائر جباية الضرائب.
ولكل مشروع من هذين المشروعين الأنصار والمعارضون. أما الأسباب فهي عديدة ومتنوعة، منها السياسي والاقتصادي ومنها الفلسفي والأخلاقي. لكن هذا لا يحول دون نوع من الإجماع على أن هنالك حاجة أو ضرورة لإصدار عفو ضرائبي لكل جيل من الأجيال، وأن هنالك ما يبرر مثل هذا العفو إذا أخذ المرء جميع أبعاد هذه المسألة بعين الاعتبار.
العفو لا يعني التسليم بالجنايات أو الجُنح
وهنالك إجماع أيضا على أن الهدف الأساسي لأي عفو ضرائبي ليس المساعدة على الاختلاس أو التزييف بمعنى إخفاء الثروات والكنوز عن أجهزة الدولة أو الاحتيال على تلك الأجهزة، وإنما إتاحة الفرصة لمَن أخطأ في ملء الاستمارات الضرائبية لتصحيح الخطأ ولو بعد حين.
وفي سويسرا، تتضارب الآراء حول طريقة التعامل مع ما يوصف بالجُنح أو “الهفوات” الإدارية الضرائبية، وتختلف الآراء أيضا مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يعترف بمثل هذه الجُنح في المجالات الضرائبية ويعتبرها من التجاوزات التي تقع تحت طائل قانون الجنايات بكل معنى الكلمة.
وعلى هذا الصعيد، يرمي مشروع وزارة المالية الفدرالية للعفو عن الورثة دون غيرهم مِمن “ارتكبوا الأخطاء” في ملء الاستمارات الضرائبية على سبيل المثال، والذين يبقون في هذه الحالة عرضة للغرامات المالية لا غير.
لكن مشروع النائبة الليبرالية باَربارا بولاّ يرمي لعفو عام وفِعلي، يعفي الجميع ودون تمييز من أية عقوبات أو غرامات. لكن المعارضين لهذا المشروع يقولون، إنه مشروع غير أخلاقي، لأنه يكافئ المخطئين في حق الدولة ويعاقب الأمناء الذين قدموا كامل المعلومات الضرورية لأجهزتها الضرائبية.
جنحة في الداخل وجناية في الخارج!
ومرة أخرى، تشير الأوساط المؤيدة للعفو العام الكامل، لحقيقة أن العفو العام الأخير في عام 1969 قد أبرز للعيان ما لا يقل عن 11 مليار فرنك سويسري، كانت محجوبة عن أنظار الضرائب في سويسرا، وأن تلك الأموال تساهم منذ ذلك الحين في تغذية خزانة الدولة بفضل العفو الضرائبي العام.
وتشير هذه الأوساط إلى أن مثل هذا العفو العام والفِعلي أصبح ضروريا على خلفية الجدل الذي انتهى مؤقتا بين سويسرا وبلدان الاتحاد الأوروبي، بالاتفاق المبدئي على جباية الضرائب على دخل رؤوس المال الفارّة من بلدان الاتحاد إلى سويسرا دون جباية الضرائب على رؤوس المال، أي على الثروات ذاتها.
فجباية الضرائب على رؤوس المال ذاتها، لا تزال من المواضيع المعلقة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، لا بل وبين سويسرا وبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ يتوجب الإعلان عن رؤوس المال الأجنبية في البنوك والمؤسسات المالية السويسرية، مما يثير معارضة مستميتة من جانب سويسرا، التي لا تريد الدخول في أي جدل حول رفع السرية المصرفية.
علاوة على ذلك، تذكر بعض الأوساط السياسية والاقتصادية السويسرية بأن العفو الضرائبي العام الأخير الذي صدر في إيطاليا قد حرم البنوك والمؤسسات المالية القارة في سويسرا من ثروات كانت تحت إدارتها وعادت إلى إيطاليا تقدر بما لا يقل عن ستين مليار أورو.
كما تذكر هذه الأوساط أن ألمانيا المجاورة وبلدانا أخرى من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تقتدي بالمثال الإيطالي، مما يحرم المركز المالي السويسري من ثروات طائلة أخرى في المستقبل، وينعكس سلبيا لا محالة على فرص العمل في قطاع إدارة الثروات في البنوك والمؤسسات المالية السويسرية.
جورج أنضوني – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.