نزاع الشرق الأوسط بعيون سويسرية
من تضطره الظروف لمعايشة الواقع اليومي داخل حلبة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لابد أن يخرج بانطباعات مختلفة، يمكن أن تتحول إلى أفكار تفتح نافذة جديدة في الأفق المسدود.
مثل هذه الانطباعات تشكلت لدى سفراء سويسرا في دول الشرق الاوسط، فكانت محور حلقة نقاش أدارتها منظمة السلام السويسري “سويس بيس”.
حضر الحلقة سفراء سويسرا الحاليين والسابقين في معظم الدول العربية، إلى جانب أعضاء في منظمات غير حكومية وبرلمانيين من المهتمين بالصراع العربي الإسرائيلي، وذلك بالتعاون مع منظمة السلام السويسري “سويس بيس” على هامش فعاليات المؤتمر السنوي لسفراء الكنفدرالية.
سفراء سويسرا لدى كل من تل أبيب وطهران ومسؤول مكتب الاتصال السويسري في رام الله وأستاذ في جامعة جنيف وبرلمانية سويسرية ممن توجهت إلى الصفة الغربية وطبيب من العاملين في المجال الإنساني، كل هؤلاء عايشوا واقع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بعضهم بحكم عمله الديبلوماسي وما يصحبه من ضوابط والتزامات، وآخرون بحكم عملهم في المنظمات غير الحكومية أو الانسانية، ولهم وجهة نظرهم الخاصة، إلا أن وجهتي النظر الرسمية وغير الحكومية اتفقت في هذا النقاش على محاور هامة أهمها احترام القانون الدولي ومعاهدة جنيف وحماية المدنيين العزل.
حرص المشاركون على إعطاء صورة عن انطباعاتهم حول الأوضاع في المنطقة وماذا يمكن أن تقدمه سويسرا في هذا الصراع المتواصل منذ نصف قرن. حيث أجمعوا في الندوة على أن الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون تشكل عائقا أمام أي تقدم في المباحثات بين الجانبين. فالوضع الراهن يقود إلى عدم الثقة بين الطرفين، لا سيما بين المدنيين العزل الذين إما يخشون من العمليات الانتحارية الفلسطينية من جهة أو رد فعل الجيش الإسرائيلي عليها من الجهة الاخرى.
” لا يجب الضغط على الجاتب الفلسطيني فقط”
وقد أوضح ريكاردو بوكو الأستاذ في جامعة جنيف أن الجميع يطالبون السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراء إصلاحات فورية ولا يتيحون لها الفرصة للقيام بذلك، بينما يجب على الطرف الإسرائيلي أن يتهيأ للقبول بدولة فلسطينية تشاركه في معطيات كثيرة منها على سبيل المثال الاقتصاد.
ومن الإجراءات التي يقترح البروفسور بوكو التعجيل باعتمادها، دعم الاقتصاد الفلسطيني المنهار ومنع إسرائيل من بناء المستوطنات والاستمرار في سياسة الاستيلاء على الأراضي، وفوق ذلك تعميم فكرة السلام داخل المجتمعين. فلا يجب أن يقتصر السلام على طبقة الصفوة فقط أو بعض الساسة، حسب قوله.
“المشكلة الحالية هي من ثمار أسلو”
في المقابل، وجد مسؤول مكتب الاتصال السويسري في رام الله السيد نيكولاس لانغ أن جذور المشكلة الحالية تعود إلى اتفاقية اوسلو التي فشلت الاطراف في تطبيقها لأن نصوصها لم تكن واضحة بل تعتبر مطاطة وتحتمل أكثر من تأويل كل حسب رؤيته. كما أنها لم تلزم الطرفين بآلية واضحة لتقديم “التنازلات المؤلمة” التي تحدث عنها الطرفان أمام وسائل الإعلام ولشعبيهما.
وأكد السيد لانغ أيضا على أن الولايات المتحدة لا تلعب دور الوسيط في هذا الصراع، ولا يمكنها أن تقوم به بعدما وصلت الامور إلى ما هي عليه الآن. فواشنطن، حسب رأيه، لم تقدم أي شيء يمكن أن يدفع الفلسطينيين إلى التفاؤل، ولا تمارس أية ضغوط على اسرائيل، التي تضع شرطا غير منطقي يعرقل أية مفاوضات جدية بطلبها وقف العنف أولا.
وهذا لا يعني أن الطريق مسدودة أمام حل ممكن كما تبدو الصورة الآن، فيجب على أطراف النزاع الاقتناع بأن حل هذه المشكلة لن يكون إلا سياسيا، وهو ما يعني تضافر جهود اللجنة الرباعية الدولية مع الترويكا العربية في عمل مشترك وليس منفصلا.
ويرى السيد لانغ أن الدور السويسري قد لا يجد مكانه على المحور السياسي بقدر ما هو فعال في مجال المساعدات الإنسانية، فهي التي تعطي نوعا من الأمل للمدنيين الفلسطينيين وتساعد على استعادة ثقتهم بنفسهم.
فرض احترام القانون الدولي
أما السفير السويسري لدى طهران تيم غولديمان فيرى أن سياسة إسرائيل بتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية وبنيتها التحتية والخروقات الواضحة للقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة شواهد تدعو إلى التشاؤم، مشيرا إلى سلبية الاتحاد الأوروبي وعدم اهتمامه بصراع تواصل منذ نصف قرن.
وفي داخل دائرة هذا الصراع يرى السفير غولديمان أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بحاجة ماسة إلى قيادات جديدة تخوض بالفعل مفاوضات سلام عن قناعة تامة.
معاناة تفقد الأمل
ودعمت الحوار شهادة البرلمانية السويسرية آن كاترين موناتري التي زارت الضفة الغربية وشرحت للحضور معاناة الفلسطينيين في حياتهم اليومية في ظل الحصار وما يخلفه من آثار تلقي بثقلها على الناحية التعليمية والصحية والبطالة المنشرة، إلى جانب المواجهات غير المتكافئة بين جيش مسلح ومدنيين عزل. وقارنت هذا الوضع مع نظام الميز العنصري السابق في جنوب افريقيا، كما أشارت إلى معاناة الطلبة الفلسطينيين وعدم استطاعتهم مواصلة تعليمهم بشكل عادي.
حماية المدنيين أول الخطوات الصحيحة
أجمع المشاركون في ختام الندوة على أهمية دعم جهود منظمات المجتمع المدني التي من المفترض أن تكون حلقة الوصل بين المنظمات الإنسانية الدولية والمواطن العادي. فالدور الأساسي لهذه المنظمات هو تخفيف وطأة المعاناة في حياتهم اليومية مما سيعمل على رفع معنوياتهم. فالجلوس إلى طاولة المفاوضات يتطلب نوعا من التكافؤ بين طرفي الحوار، ولذا فإن جميع المفوضات التي بدأت حتى الآن لم تتوصل إلى شئ لأن هناك طرفا يشعر أنه أقوى من الآخر.
هذه الحوصلة التي توصل إليها من يراقبون الأوضاع في الشرق الأوسط عن كثب تؤكد على أن الرؤية السويسرية للصراع الدائر في الشرق الأوسط ليست بعيدة عن الواقع وهو ربما ما يشجع على الاستفادة من هذه الرؤية بشكل أكثر فعالية ليس فقط من خلال الاستفادة من الهيئات والمنظمات الإنسانية السويسرية وإنما أيضا في توظيف خبرة سويسرا في مجال القانون الانساني الدولي وتطبيقه على أرض واقع مأساوي.
تامر أبو العينين – سويس انفو
تأسست سويس بيس عام 1988 وتعمل بشكل مستقل في متابعة تطورات الاحداث في بؤر الصراعات حول العالم.
نظمت المؤسسة ندوات حول السلام وكيف يمكن لسويسرا أن تلعب دورا فعالا فيه.
من أهم اهدافها الحيلولة دون نشوب النزاعات المسلحة.
تصدر المؤسسة مجلة دورية تنشر تحليلا للاوضاع في اماكن الصراعات والتبؤ بما يمكن أن تصل إليه الأمور وذلك في محاولة للفت أنظار المراقبين لاتخاذ القرار المناسب.
أكد سفراء سويسرا في الشرق الأوسط على ضرورة احترام القانون الدولي وتطبيق معاهدة جنيف الرابعة لحماية المدنيين تحت ظروف الاحتلال.
دعم المنظمات غير الحكومية والعاملة في المجال الإنساني أمر هام وضروري لتخفيف المعاناة على المدنيين الفلسطينيين.
وجود قوات حماية دولية سيعمل على تخفيف حدة التوتر والبدء في مفاوضات مباشرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.