نشطاء عرب في مناصب قيادية لمنظمات دولية
هناك احتمال وارد أن تصبح الناشطة الحقوقية التونسية السيدة سهير بلحسن، أول رئيسة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إذا ما تم انتخابها في المؤتمر القادم لهذه المنظمة العريقة، التي تضم في عضويتها ما لا يقل عن 140 جمعية دفاع عن حقوق الإنسان من مختلف بلدان العالم.
ومن الملفت أن الأمر لا يتعلق بحالة نادرة أو محدودة، بل إن العديد من النشطاء والشخصيات المدنية العرب قد تبوأوا مواقع قيادية مهمة في منظمات حقوقية دولية أو إقليمية خلال العشرية الماضية.
هذه السيدة، التي قضت معظم حياتها في عالم الصحافة، وجدت نفسها مكلفة بالعلاقات الخارجية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في أصعب مرحلة تمر بها هذه المنظمة. ورغم الملاحقات والتضييقات (تسمى “الهرسلة” في تونس)، التي تعرضت لها طيلة السنوات الماضية، إلا أنها صمدت، رغم الثمن الباهظ الذي دفعته، وها هي مرشحة لكي تُـضاف إلى قائمة أسماء النشطاء العرب الذين تمكّـنوا من أن يحتلوا مواقع متقدمة داخل منظمات إقليمية ودولية، كانت إلى حدود الثمانينات تكاد أن تكون حِـكرا على الأوروبيين، خاصة أو الغربيين عموما.
أمثلة من قائمة طويلة
يمكن اعتبارها ظاهرة جديدة لافتة للنظر. فخلال السنوات العشر الماضية، فتَـحت المنظمات الحقوقية وغيرها، سواء على الصعيدين الإقليمي أو العالمي، أبوابها في وجه عدد من الشخصيات التي برزت في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي داخل مجتمعاتها المدنية العربية. ومن اللافت للنظر، أن مجموعة هامة من هؤلاء، هم مواطنون من المغرب العربي، ومن تونس تحديدا.
لقد سبق أن تم انتخاب أستاذ الاقتصاد التونسي محمود بن رمضان أمينا عاما لمنظمة العفو الدولية، وكان المحامي والحقوقي المغربي عبد العزيز بناني، رئيسا للشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، قبل أن يتولى المنصب الناشط الحقوقي التونسي كمال الجندوبي.
كما سبق للسيد كمال مرجان – وزير الدفاع حاليا في الحكومة التونسية – أن تحمل مسؤولية رفيعة جدا في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ظرف دقيق كانت تمر به هذه الهيئة الإنسانية ذات الطابع شديد الحساسية. ونجح الفقيد أحمد العثماني، وهو أيضا تونسي الجنسية، في تأسيس منظمة دولية مختصة في مجال النهوض بأوضاع السجون والمساجين في العالم، وقد شهدت هذه المنظمة في سنوات قليلة نمُـوا سريعا وإشعاعا عالميا واسعا، وشجّـعت بلدانا عديدة على تبنّـي أسلوب العقوبات البديلة عن الأحكام بالسجن.
ويتولى حاليا الناشط الفلسطيني فاتح عزام مهمة (الممثل المقيم للمفوض السامي لحقوق الإنسان لمنطقة الشرق الأوسط والخليج)، أما السوداني مكي مدني، فقد شغل عن جَـدارة، منصب ممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، كما سبق لأستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية عبد الفتاح عمر أن تولى في عهد الأمين العام للأمم المتحدة المثقف المصري الكبير بطرس بطرس غالي مهمة “المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، المكلف بحرية الدين والمعتقد” في العالم.
كما تم انتقاء المدير التنفيذي السابق للمعهد العربي لحقوق الإنسان باسط بلحسن، من بين حوالي مائة مرشح، ليتولى مهمة الإشراف على البرنامج العربي لمؤسسة فورد… والقائمة طويلة.
اختلاف المقاييس
أحد النشطاء لفت الانتباه إلى ضرورة التمييز بين الهيئات الحكومية الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية. فمقاييس الترشح والترشيح تختلف بين هذه وتلك.
ففي الأولى، هناك ضوابط يقع التقيّـد بها من أجل تحقيق التداول بين مختلف الدول الأعضاء، مثلما هو الشأن في تقاليد الأمم المتحدة، أما في المنظمات غير الحكومية الإقليمية والدولية، فإن الأمر مختلف، حيث يتم الاختيار، بناء على مقاييس مغايرة.
فبالإضافة إلى الآليات الديمقراطية المتّـبعة، يتمّ الترشيح في ضوء مقياسين على الأقل، يتعلّـق الأول بمدى إشعاع المنظمة، التي ينتمي إليها الشخص المرشح، وثانيا مؤهلاته الذاتية في المجالات النضالية والخِـبرات التي يملكها، والقيمة الرمزية التي يتمتع بها.
لكن مع أهمية التمييز بين المجالين، الرسمي وغير الحكومي، إلا أن الظاهرة تبقى لافتة، حيث أن الحكومات العربية بدأت في السنوات الأخيرة تنتقي مرشحيها من بين الشخصيات الاعتبارية التي أفرزتها المرحلة، بما في ذلك استقطاب عدد من نشطاء المنظمات الحقوقية والمجتمعات المدنية المحلية.
نقص الديمقراطية وراء حالة التعاطف
الظاهرة تحتاج إلى تفسير، ولعل التحولات التي شهدتها المنطقة العربية خلال أكثر من عشرين عاما قد أسهمت بشكل رئيسي في تعزيز الاهتمام الدولي بها وبكفاءاتها وكوادرها القيادية، التي عانت كثيرا من القمع والتهميش.
فهذه المنطقة، التي لا تزال مع الصين وكوريا الشمالية وكوبا، تتصدّى بعناد قوي للموجة الثالثة من الديمقراطية، قد تمكّـنت في الحِـقبة الأخيرة من كسب تعاطف الأوساط الحقوقية الدولية، خاصة بعد الانتصارات الديمقراطية الكاسحة التي حققتها شعوب أمريكا اللاتينية، والتقدم الملموس الذي تم في هذا المجال بعديد البلدان الإفريقية.
فنقص الديمقراطية في المنطقة العربية قد خلق، حسب اعتقاد الدكتور الطيب البكوش، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، تعاطُـفا دوليا مع النشطاء العرب، وسعيا لحمايتهم من التعسف، الذي قد يتعرّضون إليه خلال قيامهم بمهامّـهم الحقوقية.
حركة حقوق الإنسان أصبحت واقعا قائما
من جهة أخرى، تجدُر الإشارة في هذا السياق إلى التوسّـع الذي شهدته حركة حقوق الإنسان العربية خلال العشرين عاما الماضية. وإذا كانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تُـعتبر أقدم الجمعيات الحقوقية في العالم العربي وإفريقيا، إلا أنه منذ تأسيسها في عام 1978، ظهرت على الساحة الإقليمية عشرات من الجمعيات واللِّـجان والمنظمات والمراكز، التي تعتني بحقوق الإنسان، دفاعا أو تعريفا أو تدريبا أو متابعة.
فالمعهد العربي لحقوق الإنسان، الذي كان أول مؤسسة تختص في البلاد العربية بمجال تدريب النشطاء، نجح في تكوين المئات من الكوادر، التي قام العديد منهم بتأسيس منظمات دفاع عن الحقوق والحريات أو مراكز أكثر اختصاصا.
فقد تمكن البعض منهم من تأسيس جمعيات أو مراكز مهتمّـة بالدفاع عن تحسين أوضاع السجون أو تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة أو حماية النساء ومناهضة التعذيب والدفاع عن حرية التعبير والضمير… في العديد من البلدان العربية.
نشطاء ويساريون سابقا
ومع أن بعض هذه المراكز قد انحرفت عن أهدافها لتتحول إلى مؤسسات ربحية، فاقدة لقواعد النزاهة والشفافية، إلا أن الكثير منها عكس حالة وعي بأهمية ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.
ورغم الجدل الذي لا يزال دائرا في الأوساط الحقوقية وغيرها حول كيفية ضبط العلاقة بين حقوق الإنسان في مفهومها الشامل وبين الشأن السياسي، حيث تتّـهم الكثير من الأنظمة النشطاء الحقوقيين باستغلال الجبهة الحقوقية من أجل تحقيق أغراض سياسية، إلا أن ذلك الجدل لا يحجب حقيقة تاريخية، مفادها أن الكثير من النشطاء الذين تحمّـلوا مسؤوليات متقدِّمة في منظمات إقليمية أو عالمية ولا يزالون، انحدروا، سياسيا، من أوساط اليسار العربي، وهي ظاهرة يعتبرها البعض من الدارسين طبيعية، حيث كان اليسار في مرحلة تاريخية سابقة، يشكّـل عنوانا عاما لحركات التغيير الاجتماعي والاحتجاج على المظالم وأزمة القيم.
وبالرغم من أن هذا اليسار لم يكن في بداية تشكله يُـدرك العلاقة بين حقوق الإنسان والنضال الاجتماعي والسياسي، إلا أن الكثير من كوادره وقياداته أخذت تَـعي تدريجيا بالبُـعد الاستراتيجي لهذه العلاقة العضوية، ومنهم من تحرروا شيئا فشيئا من الأيديولوجية المغلقة والمستبدة وتخلّـصوا من مختلف أشكال الارتباط التنظيمي والحزبي لينخرطوا بشكل كامل في الحركة الحقوقية، ذات الطابع النخبوي والليبرالي.
بقطع النظر عن الصعوبات التي تواجهها “الحركة الحقوقية” العربية، ممّـا جعل البعض يعتقد بأنها تمرّ بأزمة هيكلية، إلا أن النجاح الذي حقّـقه بعض النشطاء بوصولهم إلى مواقع قيادية في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، قد شكّـل في حدّ ذاته رافدا قويا داعما للحِـراك الديمقراطي الذي تشهده المنطقة العربية.
كما أن ذلك من شانه أن يُـساهم في فكّ العُـزلة المضروبة على عديد المنظمات ويزيد من إحراج حكومات في المنطقة لا تزال تنظر بتوجّـس لجمعيات حقوق الإنسان، وتشكِّـك في ولاء قادتها وتخوض معها حربَ استنزافٍ متواصلة.
صلاح الدين الجورشي – تونس
عملت السيدة سهير بلحسن لفترة طويلة في مجال الصحافة في تونس، وكانت مراسلة دائمة لمجلة جون أفريك، التي تصدر في باريس.
انتقلت في بداية التسعينات للعمل في فرنسا، التي عادت منها للاستقرار مجددا في تونس عام 1998.
انتُـخبت في عام 2000 لعضوية الهيئة الإدارية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكلّـفت بالعلاقات الخارجية.
تشغل السيدة بلحسن منذ عام 2004 نائبة لرئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، السيد سيديكي كابا من السينغال.
بعد أن سحب السيد ادريس اليازمي، الناشط الحقوقي الفرنسي من أصل مغربي، ترشحه لرئاسة الفدرالية، تعززت حظوظ السيدة سهير بلحسن في أن تصبح أول رئيسة لهذه المنظمة الدولية العريقة.
تعقد الفدرالي الدولية لحقوق الإنسان مؤتمرها القادم من 19 إلى 25 أبريل 2007 في لشبونة، الذي يُـنتظر أن يؤكد اختيار الناشطة التونسية للمنصب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.