“نعم لحرية الرأي … لا للإهـانة”
رسالة واضحة حملها قرابة ألف من مسلمي سويسرا إلى الرأي العام، خلال مظاهرة أمام مقر الحكومة الفدرالية في برن، أعربوا فيها عن مشاعرهم تجاه الرسوم المسيئة للرسول محمد، مطالبين بالاعتذار.
وقد مرت المظاهرة دون أية مظاهر للعنف، وتخللتها دعوات للتسامح والحوار من أجل الوصول إلى قواعد مشتركة للتعايش السلمي بين الثقافات.
أتراك وألبان، عرب مشارقة ومغاربة، آسيويون وأفارقة، وسويسريون مسلمون، فرادى وعائلات، تجمعوا بعد ظهر السبت أمام مقر الحكومة الفدرالية في برن، للتعبير عن سخطهم واستيائهم من نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد (ص).
المظاهرة نظمتها “جمعية إتحاد المسلمين في مدينة بيل/بيان” شمال العاصمة برن، وسمحت بها الشرطة، التي كانت متواجدة، ولكن بعيدة تماما عن الأنظار، حرصا على عدم استفزاز المتظاهرين.
وتحسبا لحدوث أية أعمال شغب قد تصدر بشكل عفوي أو نتيجة فقدان السيطرة على المشاعر، شكلت اللجنة المنظمة للمظاهرة، فريقا أمنيا خاصا بها، حرص على التواجد بين المشاركين ومراقبة اللافتات قبل رفعها.
اللافتات التي حملها المتظاهرون كانت تعبر عن مضمون واحد: “نحن نؤيد حرية الرأي ولكن في حدود واضحة ودون المساس بالمقدسات والأديان”، لافتة ثانية كتب عليها “محمد مثل المسيح”، وأخرى “تجاوزتم الحدود” وثالثة تقول “إلا رسول الله” عبرت جميعها عن الخط الأحمر الذي تجاوزه الإعلام في التعامل مع الإسلام والمسلمين.
الهتافات لم تهاجم أحدا، بل كانت بالشهادتين، والتكبير والدعاء للرسول الكريم، وهو ما يبدو أنه فاجأ بعض المراقبين، الذين توقعوا أن تتضمن المظاهرة هجوما حادا على الغرب أو الدنمرك، وتحد للمنظمين الذين راهنوا على أن الجالية المسلمة يمكنها التعبير عن غضبها بالطرق السلمية، أما المتظاهرون فكان لهم رأي آخر.
أحد المشاركين قال لسويس انفو: “لسنا هنا للهجوم على الدنمرك، أو على الغرب لأننا جزء منه، بل للدفاع عن عقديتنا وعن هويتنا، ورسالتنا هي أن الإعلام أخطأ في حقنا، ولا نقبل ما ذهب إليه من طعن وتشهير بالرسول الكريم”.
من جهتها، رأت إحدى الأسر المشاركة في التظاهرة بأن الإعلام يضلل الرأي العام، وقالت: “يجب على المسلمين توصيل صوتهم من خلال تلك المظاهرة السلمية، ومن خلال الطرق الديمقراطية أيضا”، ولذلك اختارت الأسرة شعار “يجب عليكم الاعتذار” لترفعه أمام الجميع.
قلق الجيل الثاتي
وقال أحد منظمي المظاهرة، إن الرسالة التي نود أن يعرفها الرأي العام في سويسرا، بأن التعامل مع المسلمين في الإعلام بهذا الشكل السلبي يجب أن ينتهي، فقد وصل إلى ذروته بالتطاول على الرسول الكريم.
كما أضاف آخر “إن الإعلام تحدث دائما بشكل سلبي عن الإسلام والمسلمين تارة بأننا نهين المرأة، وتارة أخرى بأننا نكره الديمقراطية، ثم يصفوننا بالتخلف، والآن يسخرون من الرسول، ونحن هنا لنقول أنه يجب من وقفة، تعرفون فيها أنكم تماديتم كثيرا”.
مجموعة من فتيات الجيل الثاني، أجمعن في حديثهن إلى سويس انفو، على أنهم يعتبرن أن الرسومات تمثل تحريضا على العنصرية، وتهديدا للأمن الاجتماعي والسلم الداخلي، ولذلك حرصن على المشاركة في المظاهرة للتنويه بهذا الخطر الداهم، الذي ستكون له آثاره السلبية في المستقبل بكل تأكيد، حسب قول إحداهن.
من الواضح أن أبناء الجيل الثاني كانوا أكثر قلقا على مستقبلهم في سويسرا، حيث ركزت الشعارات التي حملوها على أهمية الحوار والتعايش السلمي، مع المطالبة في الوقت نفسه بتوضيح مسؤولية الإعلام في احترام الأقليات الدينية والعرقية.
تحت ظلال الديمقراطية
وعلى الرغم من الشكل الجيد الذي خرجت بها المظاهرة، فقد بادرت العديد من الأطراف الممثلة للمسلمين في سويسرا بالدعوة إلى مقاطعتها في الأيام الماضية، خوفا من حدوث مصادمات أو أعمال شغب أو تجاوزات قد تؤثر سلبيا على صورة الجالية في الكنفدرالية.
كما اعتبرها الدكتور فرهاد أفشار (سويسري من أصل إيراني)، أستاذ علم الاجتماع في جامعة برن “تحركا خطأ غير مجد، لأن ما يحتاجه المسلمون هو الحوار مع المجتمع السويسري”، حسبما عبر عنه في مداخلته في برنامج “آرينا” الذي بثته قناة التلفزيون السويسرية الألمانية الأولى، مساء الجمعة 10 فبراير.
لقد كانت عشية استثنائية في العاصمة الفدرالية: آيات من الذكر الحكيم، وآذان وتكبير إقامة صلاة وبعض الأناشيد الصوفية في حب الرسول عمت ميدان بوندسبلاتس، ذابت فيها الأصول العرقية أو المذهبية للمتظاهرين وجمع بينهم أنهم يعيشون في ديمقراطية، سمحت لهم بالتعبير عن غضبهم فأحسنوا التعامل معها وأعطوا صورة حضارية علها تساعد على تصحيح بعض من المفاهيم الخاطئة المنتشرة عن المسلمين في الغرب.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
شارك في المظاهرة حوالي 1000 من مسلمي سويسرا واستمرت أكثر من ساعتين ونصف.
يبلغ عدد المسلمين في سويسرا حوالي 350 الف شخص أغلبهم من الأتراك والالبان.
يتركز أغلبية المسلمين في المناطق الصناعية في شمال سويسرا وغربها في نيوشاتيل وجنيف ولوزان.
رغم المخاوف من حدوث مصادمات أو أعمال شغب وعنف، مرت احتجاجات حوالي ألف من مسلمي سويسرا بسلام، عبروا خلالها عن استيائهم من تعامل الإعلام مع الشأن الإسلامي.
عبر الجيل الثاني عن مخاوفه من تاثير النظرة السلبية للمسلمين على مستقبل التعايش السلمي في سويسرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.