مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نفط العراق: “هـنـاك تـكـمُـن الـجـائـزة”

منظر عام لميناء البكر في البصرة جنوب العراق يوم 17 فبراير 2007 Keystone

خلال الشهور الأولى من بداية عهد الرئيس جورج بوش عام 2001، ترأس نائب الرئيس ديك تشيني اجتماع "فريق مهام"، لبلورة إستراتيجية طاقة أمريكية جديدة.

أحيطت اجتماعات هذا الفريق بسرية تامة، حتى عن أعيُـن الكونغرس الأمريكي، المعني الأول بمثل هذه الأمور القومية الحساسة، لكن تبَين لاحقا أنه (الفريق) ضمّ نُـخبة من كبار المخططين والمحللين المرتبطين مباشرة بشركات النفط الكبرى الأمريكية، الذين احتلوا لاحقاً مناصب كبرى أيضاً في إدارة بوش..

مسألة النفط كانت في قلب جدول أعمال فريق المهام، الذي استنتج بأن تقلَـص الموارد البترولية العالمية وتزايد حاجة قوى كبرى صاعدة، مثل الصين والهند له، يفرضان على الولايات المتحدة تعزيز قبضتها على كل منطقة الخليج العربي، التي تحتوي وحدها على احتياطات نفط، تفوق كل ما يتضمّـنه العالم مجتمعاً.

الفريق لم يُـوص آنذاك بالضغط على حلفاء أمريكا، مثل الكويت والسعودية لفتح مناطقهم النفطية أمام الاستثمارات الأجنبية فحسب، بل دقّـق أيضاً في خرائط حقول النفط العراقية، موصياً بوضعها تحت السيطرة الأمريكية المباشرة، لأنها تتضمّـن ثالث أكبر احتياطي في العالم، بعد السعودية وإيران.

هذه التوصية لاحتلال حقول النفط العراقية، والتي جاءت قبل أشهر عدة من أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من “حرب عالمية ضد الإرهاب”، لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها عام 1999 وثيقة للبنتاغون الأمريكي، صدرت خلال عهد الرئيس كلينتن، أكّـدت أن “حرب النفط” هي خيار “شرعي” للإدارة الأمريكية، كما سبقتها دعوات عدة للمحافظين الجدد لغزو العراق.

“قانون اللاقانون”

ما مناسبة هذا الحديث الآن؟ إنها بالطبع مشروع القانون الذي أقرته الحكومة العراقية في 26 فبراير الماضي والذي يستهدف علناً “توزيع عائدات النفط بشكل عادل على المقاطعات الـ 18 العراقية”، وسرّا منح شركات النفط الأمريكية السيطرة التامة على إنتاج وتطوير وتسويق النفط العراقي لعقود عدة مقبلة.

هذا المشروع أثار، ولا يزال، ضجة كبرى، ليس فقط في العراق، بل أيضاً في الولايات المتحدة نفسها، بسبب ما وُصف بأنه “الدمغة الاستعمارية”، التي يتضمنها.

كتب النائب الأمريكي لين وولسي: “هل هذا هو الوقت المناسب للضغط على العراق من أجل فتح موارده أمام شركات النفط الأجنبية؟ ألن يثير ذلك ريبته من أهدافنا ويسمنا بالنزعة الاستعمارية”؟

وكتب النائب دانييل كوسينيش: “الكل بات متأكداً الآن أن غزو العراق تم من أجل النفط. كل هذه الأرواح والأموال الهائلة، أزهقت من أجل السيطرة على النفط”، وأضاف: “مشروع القانون الداعي إلى خصخصة النفط العراقي، يؤكد الهدف الأصلي للحرب، ويتعيّـن على الديمقراطيين ألا يكونوا طرفاً في هذا الخرق الأخلاقي الفاضح”.

وفي داخل العراق، كان رجع الصّـدى أقوى، حتى بين بعض المسؤولين الحكوميين العراقيين الحاليين والسابقين، الذين تساءلوا عن سبب الهرولة الأمريكية لفرض القانون على العراق، “فيما البلد لا زال يفتقد إلى الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي”، على حد تعبير الرئيس السابق لمنظمة تسويق النفط، التابعة للحكومة العراقية، الذي أضاف: “منطق الأمور كان يفرض أولاً إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية، قبل أن تُـقر الحكومة هذا المشروع، كي لا يصبح البلد مستقبلاً رهينة في يد الشركات الأجنبية”.

وجهة النظر هذه، تبدو سليمة حين نتذكر بأن العراقيين يمتلكون كفاءات عالية في مجال إنتاج النفط وتسويقه. فالخبراء العراقيون أداروا بمهارة وفعالية شركات النفط العراقية، حتى قبل تأميمها عام 1972، وفي ذلك العام، كان هناك ثمانية أجانب من أصل 5000 موظف في قطاع النفط، وبين 1980 و1993، ارتفع عدد الخبراء العراقيين إلى أكثر من 10000.

ويقول غازي صبري علي، الرئيس السابق لشركة نفط الشمال العراقي، إن العراقيين قادرون، إذا ما استتب الوضع الأمني، أن يرفعوا إنتاج النفط من 2 مليون برميل حالياً إلى 6 ملايين برميل، ثم على المدى الطويل إلى مستوى الإنتاج السعودي (نحو 10 ملايين برميل يومياً).

لكن.. لماذا الآن؟

الآن، وطالما أن الأمر على هذا النحو، لماذا تُـصر واشنطن على وضع كل مجالات الإنتاج والتطوير النفطي العراقي في أيدي الشركات الأمريكية؟ السبب واضح بالطبع، وهو نفسه سبب غزو العراق: وضع اليد على البترول عبر هذه الشركات وبحراسة القوات الأمريكية.

فوِفق مشروع القانون، ستمنح الشركات الأمريكية حقوق الحصول على أرباح ضخمة بشكل غير معهود في بقية مناطق الشرق الأوسط لفترة تتراوح بين 20 إلى 35 عاما، تتحكّـم خلالها هذه الشركات بكل مناحي الإنتاج والتطوير والتسويق في ثلثي حقول النفط العراقية أو أكثر.

صحيح أن واشنطن وافقت على إسقاط البنود المتعلقة بما يسمى “اتفاقات الإنتاج – المشاطرة” (PSAS)، التي كانت تطبَّـق في العالم الثالث قبل حقبة الاستقلال، والتي تمنح شركات النفط صلاحيات واسعة، إلا أنها في المقابل، تمسّـكت بتمكين الشركات من السيطرة التامة على أية عقود، تتعلق بالاستكشاف والحفر لعقود عدّة ووِفق شروط لغير صالح العراقيين، كما أنه سيكون محظوراً على العراق تغيير هذه الشروط قبل مرور سنوات عديدة.

الاستراتيجية الأمريكية في العالم

البرلمان العراقي يفترض أن يُـقر مشروع القانون الجديد في مايو المقبل، وإذا لم يفعل، قد تتعرّض الطبقة السياسية العراقية الحالية برمّـتها إلى عقوبات تفرضها، ليس فقط الحكومة الأمريكية، بل أيضاً الكونغرس، لكن، حتى لو تم تحويل المشروع إلى قانون، فلن تتمكن الشركات الأمريكية من السيطرة على الإنتاج النفطي ما لم يتم أولا ضمن الاستقرار الأمني في البلاد، وهذا يطرح سؤالين:

الأول، حول جِـدية الحديث عن انسحابات أمريكية من العراق. والثاني، حول الأهداف الأمريكية الأبعد من هدف السيطرة على النفط.

في الرد على السؤال الأول، نشير إلى أن القرار الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي، والداعي إلى الانسحاب من العراق قبل مارس 2008، تضمن بنوداً غامضة، دفعت العديد من المراقبين إلى الاستنتاج بأن المقصود هنا، ليس الانسحاب الكامل، بل إعادة نشر القوات الأمريكية، وهذا الاستنتاج تؤكده، على أي حال، الأنباء المتواترة عن بدء استعدادات أمريكية مكثّـفة لنقل مُـعظم القوات الأمريكية إلى شمال العراق، التي يسيطر عليها حلفاء واشنطن الأكراد، وإلى بعض مناطق الجنوب العراقي القريبة من حقول نفط الجنوب.

أما السؤال الثاني، فله بُـعد آخر يتعلّـق هذه المرة بالإستراتيجية العليا الأمريكية في العالم. فالسيطرة على نفط العراق وبقية أنحاء الخليج، لا يقتصر هدفه على تأمين حاجة أمريكا من الوقود، (برغم أن سكانها الذين يشكِّـلون 5% من العالم يستهلكون 25% من طاقته)، بل يتضمن كذلك تأمين الزعامة الأمريكية الدولية، إذ في عالم، حيث القوة العسكرية والاقتصادية للأمم، تعتمد بشكل أساسي على واردات النفط، فإن سيطرة أمريكية أكبر على البترول، تعني نفوذاً أقل لمنافسيها على السلطة العالمية.

الحرب العالمية الثالثة

هذا الهدف المزدوج، المتعلِّـق بتأمين حاجات الوقود الأمريكية والسيطرة على مداخل الآخرين إليه، كان مركزياً في كل تاريخ الإمبراطورية الأمريكية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى بدء القرن الحادي والعشرين.

العلاقة الحاسمة بين النفط والحرب برزت في الحرب العالمية الأولى، حين تمكّـنت بريطانيا من التفوّق على قوات المحور بقيادة ألمانيا بفضل سيطرتها الاستعمارية على نفط إيران، آنذاك، قال وزير الخارجية البريطاني اللورد كروزون: “لقد حققنا نصراً على موجة من النفط”.

وفي الحرب العالمية الثانية، هاجم اليابانيون “بيرل هاربور”، لتأمين جناحهم في خِـضم سعيهم للسيطرة على موارد النفط على منطقة شرق الأنديز.

كما كان، من ضمن أهداف هتلر من وراء غزو الاتحاد السوفييتي، السيطرة على حقول النفط في القوقاز، لكن اليد العليا في حرب النفط كانت للأمريكيين في النهاية. وقد أدت سيطرتهم على مداخل النفط وحقوله في العالم، إلى تجميد الدبّـابات الألمانية واليابانية في أرضها، بسبب افتقادها إلى الوقود.

والآن، كل الدلائل تُـشير إلى أن “الحرب العالمية الثالثة” للسيطرة على النفط بدأت، وهي قد تستغرق جلّ القرن الحادي والعشرين. ومنطقة الخليج، وفي القلب منها الآن العراق، ستكون المحور الرئيسي لهذه الحرب.

حين سئل تشيني في وقت لاحق عن حقيقة ما جرى تداوله في الاجتماع السري لـ “فريق المهام”، حول إستراتيجية الطاقة، رفض مجدّداً الكشف عن تفاصيله، لكنه قال: “الديمقراطيون يعلمون قبل الجمهوريين بأن العراق والشرق الأوسط يحتويان على ثلثي النفط العالمي وبتكلفة إنتاج زهيدة، هناك تكمن الجائزة”.

كلمات علنية أخطر من المعلومات السرية؟ أجل. بالتأكيد، وهي قد تفًسر إلى حدّ بعيد كل ما يجري وسيجري لاحقاً حول قوانين النفط ومستقبله في العراق.

ولو أن الرئيس كلينتن، صاحب الشعار الشهير “إنه الاقتصاد أيها الغبي”، نطق هذه الأيام لاكتفى بأربع كلمات: “إنه النفط أيها الغبي”.

سعد محيو – بيروت

واشنطن (رويترز) – انتقدت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش يوم الجمعة خطط رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لزيارة سوريا وربما الاجتماع مع رئيسها الذي تتهمه الولايات المتحدة بالاسهام في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض “لا نعتقد انها فكرة جيدة.”

واضافت “هذه الدولة (سوريا) دولة راعية للارهاب وتحاول عرقلة حكومة السنيورة في لبنان وهي التي تسمح لمقاتلين اجانب بالدخول الى العراق عبر حدودها.”

وتزور رئيسة مجلس النواب الديمقراطية وهي الثالثة في ترتيب الرئاسة اسرائيل حاليا وستجتمع مع كبار المسؤولين هناك وتلقي كلمة امام الكنيست خلال الايام القادمة.

ومن المتوقع ان تزور بيلوسي دمشق وبيروت الاسبوع القادم لكن مكتبها رفض التعليق على اي خطط للسفر بعد زيارتها لاسرائيل.

وقال بريندان دالي المتحدث باسم بيلوسي “مثلما اوصت مجموعة دراسة العراق فان وفدا من الحزبين برئاسة رئيسة مجلس النواب بيلوسي يعتزم مناقشة مجموعة كبيرة من القضايا الامنية تؤثر على الولايات المتحدة والشرق الاوسط مع ممثلي الحكومات في المنطقة بما في ذلك سوريا.”

ورغم معارضة ادارة بوش قالت وزارة الخارجية انها قدمت المعلومات الاساسية للوفد المرافق لبيلوسي وعلى استعداد لتقديم المساعدة على الارض في سوريا.

وقالت بيرينو “لا أدري ما الذي تأمل في تحقيقه هناك . اعرف ان (الرئيس السوري بشار) الاسد ربما يحب حقيقة ان يأتي الناس ويلتقطون الصور ويحتسون معه الشاي ويتحدث معهم عن المكان الذي جاءوا منه.”

واضافت “لكننا نعتقد انها فكرة سيئة في الواقع.”

وزارت مجموعة صغيرة من الاعضاء الجمهوريين والديمقراطيين بالكونجرس دمشق واجتمعت مع الاسد في ديسمبر كانون الاول بعد ان اوصت لجنة دراسة العراق بتكثيف الجهود الدبلوماسية لتشمل سوريا وايران للمساعدة في تهدئة العنف في العراق.

وقاومت ادارة بوش تلك التوصية ونددت بزيارات اعضاء الكونجرس.

وتنفي سوريا السماح للمسلحين بالعبور من اراضيها الى العراق وتجادل بأن العراق والولايات المتحدة لا يتخذان الاجراءات الكافية لمراقبة الحدود.

وانتقد شون مكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية زيارة بيلوسي المزمعة لسوريا وقال ان دمشق تستغل مثل هذه الزيارات كدليل تقدمه لباقي دول العالم على ان سياساتها لا تشوبها اخطاء.

وقال للصحفيين “ليس هذا الوقت المناسب من وجهة نظرنا لقيام مثل هذه الشخصيات عالية المستوى بزيارة سوريا.”

وشارك مسؤولون امريكيون وسوريون في اجتماع اقليمي موسع في العراق الشهر الماضي بهدف تحقيق الاستقرار في العراق.

وعقدت ايلين سوربري مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية في وقت سابق من هذا الشهر محادثات مع دبلوماسي سوري كبير حول كيفية تعامل دمشق مع تدفق اللاجئين العراقيين في اول محادثات من نوعها في العاصمة السورية منذ اكثر من عامين.

من جيريمي بيلوفسكي

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 مارس 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية