نفق سامبلون: مائـةُ شمعة وقـُرون من التاريخ
دُشن نفقُ سامبلون الحديدي الرابط بين مدينة بريغ السويسرية وبلدة إيزيل الإيطالية يوم 19 مايو 1906. وفي 1 يونيو من نفس العام، عبر قطارٌ بخاري لأول مرة هذا النفق الذي يعبق بالتاريخ.
وعلى مدى قرن، مر ملايين المسافرين عبر سامبلون الذي يتجاوز طوله 19 كلم والذي شُيد ليكون باب أوروبا على منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تشهد وثائق تاريخية كثيرة على أن طريق جبل سامبلون كانت تحظى، منذ عهد الرومان، بأهمية بالغة ضمن شبكة المواصلات بين منطقة باداني شمال إيطاليا وسهل الرون جنوب غربي سويسرا. وكانت تُعدُ ممرا أساسيا بين البلدين، سواء تعلق الأمر بالبضائع التجارية أو بالحملات العسكرية.
سويسرا وإيطاليا، اللتان شهدتا على التاريخ الطويل والثري لسامبلون، تستعدان لتخليد الذكرى المائة على تدشين النفق الحديدي معا يومي 19 و20 مايو الجاري.
بلديتا دومودوسولا الإيطالية وبريغ السويسرية اللتان تمت توأمتهما في عام 2005، ستحتضنان أبرز الاحتفالات.
تاريخ نفق سامبلون تميز بعبور العديد من الشخصيات الشهيرة، من كتاب ورحالة وعسكريين. ومن بين الأسماء الكبيرة التي ساهمت في صيت سامبلون مواطنُ سويسري…
كان ذات يوم…
يعود تاريخ سامبلون لقديم الزمان. ففي عصر ما قبل التاريخ، كانت تُقدّرُ مرتفعاته الجبلية لما زخرت به من فرص للصيد، ثم لغاباتها ومراعيها.
وتقول الوثائق التي تم تجميعها بمناسبة الاحتفالات بالذكرى المائة، إن الإمبراطور الروماني سيبتيم سيفير (196 عاما بعد ميلاد المسيح) كان قد أمر بإنشاء معبر في جبل سامبلون لربط الأقاليم العابرة لسلسة جبال الألب. وبالتالي، سجل العهد الروماني أول جزء من تاريخ هذا الممر عبر جبال الألب.
غير أن انهيار الإمبراطورية الرومانية انعكس أيضا على رسم مخرم سامبلون، لأن الطريق الذي فتحه الرومان تهدم تقريبا خلال القرون الأولى من العصور الوسطى.
لكن في موسم الشتاء البارد، كان يظل سامبلون البديل الممكن الوحيد بسبب استحالة عبور مخارم أخرى نتيجة الثلوج الكثيفة.
البارون “ستوكألبر”
نحو عام 1630، عاد تدفـُّق المُسافرين على معبر سامبلون الذي كان يعد المحور الرئيسي بين شمال وجنوب أوروبا. وقد ساهمت نشاطات تاجر مدينة بريغ “كاسبار جودوك فون ستوكألبر” بشكل كبير في عودة الإهتمام بهذا الممر.
كان هذا التاجر ابن أسرة ثرية في بريغ، قيل إنها إيطالية الأصل. وأصبح في عز شبابه مُوثـِّقا وكاتبا عموميا. كان يتحدث لغات كثيرة ويجيد خمس لغات على الأقل. كما أثبت التمتع بموهبة فريدة في مجال التجارة.
وعمل شتوكألبر بالخصوص في مجال نقل البضائع عبر مخرم سامبلون، ومرافقة مواكب الأسياد النبلاء خلال تنقلاتهم. وبفضل تحالفات حكيمة واستراتيجية، ستجعل منه الرجل السياسي الأكثر نفوذا في منطقة فالي، نسج جودوك فون ستوكألبر شبكة علاقات واسعة في كافة أنحاء أوروبا.
وسمحت له أسفاره الكثيرة بوجه خاص بإقامة علاقات تجارية مُميزة مع إسبانيا ومناطق فلاندر (Flandre). ولـُقّب بفضل ثراءه ونجاحاته “ملك سامبلون”، لكن كان له أيضا أعداء كثيرون.
تطوير البريد
كما يعود له الفضل في إعادة بناء الطريق القديم الخاص بالنقل على ظهر البغال والذي يعود تشييده للعصور الوسطى. وبعد إنهاء الأشغال، سُميت بـ”ستوكألبرفيغ” (طريق ستوكألبر). ونحو عام 1630، تحول هذا المعبر، بعد استعادته لدرجة النُّبل، إلى المحور الرئيسي الرابط بين شمال وجنوب أوروبا.
وقد سمحت الأشغال التي قادها “ملك سامبلون” أيضا بتطوير خدمة بريدية فعالة أتُمن عليها موسيقيون متجولون، ورهبان وحتى بعض رسل الأسقفية أحيانا.
وكان جودوك فون ستوكألبر قد استشعر في ذلك الوقت أن إدخال نظام بريدي قار سيكون له تأثير إيجابي على تجارة البضائع.
ثم، جاء اعتماد الخدمة البريدية على ظهر الفرسان لضمان نقل المراسلات بين جنيف وميلانو في ثمانية أو عشرة أيام خلال موسم الشتاء.
وتم إنشاء مكاتب بريدية على طول الخط الجديد لسامبلون. كما هُـُيئت إسطبلات من أجل راحة ورعاية الدواب.
وتشهد شبكة وثيقة من المعاهدات التي أبرمت خلال القرن الثامن عشر على تطور الخدمة البريدية عبر سامبلون.
من نابوليون إلى .. قطار الشرق
نابوليون بونابارت، الذي كان منشغلا بحل مشاكل الإدارة العسكرية، هو من أمر ببناء طريق حقيقية تربط بحيرتي ليمان وماجور عبر وادي رون وسامبلون.
انطلقت الأشغال عام 1801 وانتهت في زمن قياسي عام 1806. وأصبحت ميلانو، آنذاك عاصمة “جمهورية شيزالبين” التي أقامها بونابارت شمال نهر بو الإيطالي، مرتبطة بكل من باريس وجنيف.
أما مشروع بناء معبر حديدي في سامبلون، فرأى النور عام 1893، وبدأت عمليات الحفر عام 1898 لتتواصل لمدة ثمانية أعوام. وكانت الحصيلة البشرية للأشغال ثقيلة إذ لقي 106 شخصا حتفهم نتيجة ظروف العمل القاسية داخل النفق.
وقد كان بناء سامبلون علامة مُميزة لحقبة بأكملها: من الرحلات الفاخرة الأولى عام 1919 التي ربطت لندن بإسطمبول على متن قطار الشرق (أوريونت إكسبريس) الشهير، إلى ملايين الركاب وكميات البضائع الهائلة التي تعبر النفق في عصرنا هذا.
لقد تحول سامبلون بالفعل إلى باب مفتوحة على حوض البحر الأبيض المتوسط. لكن، لولا شجاعة المحاربين المتطوعين، الذين نزعوا أثناء ليلة 21 إلى 22 أبريل 1945 كافة الألغام التي وضعها الجنود الألمان لتفجير النفق، لكان تاريخ سامبلون قد شهد انعطافة مختلفة تماما.
سويس انفو – فرانسواز غيرينغ
(نقلته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
يخلد نفق سامبلون الرابط بين سويسرا وإيطاليا يوم 19 مايو 2006 الذكرى المائة على تدشينه.
تقام بالمناسبة احتفالات رسمية تنظمها أساسا هيئة السكك الحديدية الفدرالية السويسرية.
أصدر البريد السويسري طابعين خاصين لتخليد هذه الذكرى التاريخية.
تم حفر نفق سامبلون على مرحلتين. عملية الحفر الأولى تمت بين 1898 و1905، والثانية بين 1912 و1921.
لمدة طويلة، ظل نفق سامبلون الذي يبلغ طوله 19,8 كيلومترا أطول نفق في العالم. اليوم، يعبره يوميا أكثر من 100 قطار للرحلات الرابطة بين سويسرا وإيطاليا.
يعود أول عبور مُُوثق لسامبلون لشهر فبراير 1254 بمناسبة سفر رئيس الأساقفة أودو ريغو دو روان، الذي كان يقوم برحلة إلى روما.
كما ورد أن أسقف مدينة سيون كان يضمن في عام 1267 حماية التجار الإيطاليين الذين كانوا يعبرون النفق.
في عام 1893، صادقت شركة جورا – سامبلون على مشروع شق نفق ساملون الحديدي.
25 نوفمبر 1895، تم التوقيع بالأحرف الأولى على معاهدة سامبلون الدولية التي دشنت ورشة الأشغال.
في عام 1898: بدأت أِشغال الحفر.
من 1899 إلى 1901: تواصل إضراب عمال النفق.
1905: تمت إطاحة آخر حاجز صخري يوم 24 فبراير.
19 مايو 1906: تشدين النفق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.