هايتي: بعد كارثة الزلزال.. مأساة العراقيل أمام إيصال الإغاثة
بعد أن أفاقت من هول الزلزال الذي خلف حوالي 100 ألف قتيل حسب آخر التقديرات، مازالت هايتي تنتظر وصول المساعدات وسط فوضى عارمة ومنشآت تحتية محطمة وصعوبة الاتصال والتنقل.
هذه الوضعية دفعت السلطات السويسرية الى اتخاذ قرار عدم إرسال فرق الإغاثة التي عادة ما تكون من أولى الفرق في ساحات الكوارث الطبيعية.
هل كتب على شعب هايتي أن يعاني من ويلات زلزال مدمر بلغ 7 درجات حسب سلم ريشتر وأدى، حسب تقدير الوزير الأول الهايتي، إلى مقتل حوالي 100أالف شخص على الأقل، وأن يُحرم في نفس الوقت من مساعدات إنسانية عادة ما تخفف من مآسي الناجين ممن يتم انتشالهم من الأنقاض أحياءا في الساعات الأولى من وقوع الكارثة؟
بعد الاستماع إلى عشرات المتحدثين باسم المنظمات الإنسانية الدولية والأممية، يتضح أن كارثة هايتي يزيد من تعقيدها تعذر وصول المساعدات الدولية رغم استجابة المجموعة الدولية منذ الساعات الأولى من تلقي نبأ الفاجعة.
يُضاف الى ذلك أن الأمم المتحدة، التي عادة ما تسخر كل طاقاتها لنجدة سكان منطقة متضررة، تجد نفسها في زلزال هايتي هي الأخرى من بين المتضررين الأوائل بفقدان مئات الموظفين في بعثة الأمم المتحدة التي كانت تدير أمور البلاد الأمنية والإدارية، لدرجة أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون وصف الفاجعة بأنها “كارثة هايتي وكارثة الأمم المتحدة أيضا”.
ولئن اكتفى الأمين العام وباقي المسؤولين الأمميين بترديد مقتل 16 موظفا أمميا وجرح 56، فإن هؤلاء المسؤولين يكررون أن ما بين 115 و200 موظف أممي لايزالون في تعداد المفقودين. أما خبر وفاة المبعوث الأممي ورئيس مكتب الأمم المتحدة في هايتي، التونسي الهادي عنابي، فقد رفضت المصادر الأممية تأكيده حتى بعد ظهر الخميس 14 يناير، رغم أن الرئيس الهايتي روني دوفال ووزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنر تحدثا منذ اليوم الأول، عن كونه من بين الضحايا.
الأولوية لإنقاذ الأحياء.. ولكن
على غرار الناطقة باسم قسم تنسيق العمل الإنساني بالمنظمة إلزابيت بيرس، شددت منظمات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة في حالات الكوارث التي جندت منذ الساعات الأولى، هذا الخميس في جنيف على أن “الأولوية في الوقت الحالي تتمثل في إنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض وتضميد جراح المصابين لأن أية ساعة تمر تنقص من حظوظ العثور على الأحياء من أبناء الشعب الهايتي أو من موظفي الأمم المتحدة المفقودين”.
ولكن إذا كانت المجموعة الدولية قد أعربت على الفور عن تقديم الدعم، فإن المشكلة كما أوضحت المتحدثة بيرس ” تكمن في التحدي اللوجيستيكي لإيصال الآليات القادرة على رفع الأنقاض وإخلاء الطرقات من التراكمات”.
من بين التحديات اللوجيستيكية الكبرى التي عددتها الناطقة باسم قسم تنسيق العمل الإنساني “كون مطار العاصمة الهايتية يفتقر الى طاقم الإرشاد والتوجيه، والطائرات التي تحط بالمطار تعتمد على الاهتداء بالرؤيا. كما أن الميناء الذي قد يشكل نقطة لوصول المساعدات يعتبر في الوقت الحالي غير صالح للاستعمال”.
يضاف الى ذلك أن العديد من الطرق إما أصبحت ملجأ للسكان أو تراكمت فيها الأنقاض والجثث بشكل معرقل. وهذا ما يعقد مسألة وصول المساعدات الإنسانية وفرق الإغاثة الدولية.
والتحدي الثاني يكمن في توقف وسائل الاتصال في بلد يعاني أصلا من ضعف البنية التحتية حتى قبل الزلزال. وفي هذا الصدد، تقول السيدة بيرس: ” إن فريقا من مجموعة “إتصالات بدون حدود” وصلت إلى عين المكان لإقامة شبكة اتصالات مخصصة للعمل الإنساني وقد يتم الشروع في استخدامها ابتداء من بعد ظهر الخميس في مناطق المطار”.
ويسهر فريق تنسيق تابع للأمم المتحدة على تنظيم أول نواة تنظيمية للتحضير لوصول العديد من فرق الإغاثة من بينها 16 فريقا وصل بالفعل إلى عين المكان، بينما تم تسجيل 40 آخرين على قائمة الانتظار يمكن تجنيدها عند الضرورة، حسب السيدة بيرس.
سباق مع الزمن
على المستوى الصحي، يبدو أن المنشآت الصحية التي كانت تعاني من النقص حتى قبل الزلزال، لم تنجو هي الأخرى من التضرر؛ إذ أن العاصمة بور أوبرانس التي يعيش بها حوالي 3،5 مليون نسمة، الغالبية منهم في الأحياء الفقيرة، كانت تشتمل قبل الزلزال على 21 مركز علاج من بينها أربعة مستشفيات. وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن المنشئات الطبية الثلاثة التابعة لها والتي يشتغل بها حوالي 800 مسعف تعرضت لأضرار جسيمة لحد الاضطرار لإخراج المرضى إلى الخيام”.
وتتساءل المنظمة الإنسانية ما إذا كانت المنشآت الصحية ستستعيد نشطاها قريبا إضافة الى كون الفرق المسعفة تعيش كباقي السكان في الخلا، إما بعد فقدان المباني او مخافة التعرض لهزات جديدة.
وتنوي منظمة أطباء بلا حدود إيصال حوالي 70 طبيبا ومسعفا، الأغلبية منهم من الأخصائيين في الجراحة، لمعالجة العديد من حالات الكسور أو الحروق.
وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية بخطر تزايد حالات الأمراض المنقولة عبر المياه خصوصا وأن سكان هياتي كانوا يعانون دوما من تعاظم حالات الإسهال بعد الكوارث.
تجنيد لآليات الصليب الأحمر
وعلى صعيد عمليات حركة الصليب والهلال الأحمر، أعلن الاتحاد الدولي عن تجنيد حوالي 1700 متطوع تابع لجمعيات الصليب الأحمر من بينها فريق تابع لجمعية الصليب الأحمر السويسرية ومتخصص في الدعم اللوجيستي، إضافة الى فرق متخصصة في الإنقاذ وأخرى في العلاج . ويتوقع الاتحاد الدولي أن يبلغ عدد المحتاجين للمساعدة في زلزال هايتي حوالي 3 مليون نسمة.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فأعلنت عن إرسال طائرة نقل محملة بحوالي 40 طنا من العتاد الطبي والأدوية لتغطية الحاجيات الطبية لحوالي عشرة ألاف متضرر. وقد غادر فريق من أحد عشر مسعفا مطار جنيف صباح الخميس متجها الى بور أوبرانس لكي يلتحق بتسعة موظفين دوليين وحوالي 60 موظفا محليا.
كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف عن تخصيص موقع على شبكة الإنترنت لتمكين مواطني هايتي المقيمين في الخارج من البحث عن ذويهم وأقاربهم ومحاولة الاتصال بهم، أو للسماح للناجين في هاتي بإخبار ذويهم بأنهم على قيد الحياة.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
سويسرا، التي كانت دوما من السباقين لإرسال فرق البحث عن الأحياء في الكوارث الطبيعية، قررت عدم إرسال فريق الإغاثة في حالة الكوارث المكون من حوالي 100 متخصص، إذ قال توني فييش رئيس، فريق الإغاثة في حالات الكوارث “إن المعلومات الأولية التي توصلنا بها من عين المكان لم تشجع على القيام بذلك”. وأضاف المسؤول السويسري في ندوة صحفية عقدها في العاصمة برن صباح الخميس 14 يناير الجاريإالى جانب وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري بانه “من غير المجدي إرسال وحدات إنقاذ بغرض الاستعراض إذا لم نكن متأكدين من أنهم سيصلون الى عين المكان في الوقت المناسب”.
وجدير بالذكر أن فرصة إنقاذ الناجين في كارثة طبيعية كزلزال هايتي يجب أن تكون في غضون 48 ساعة التي تلي الهزة الأرضية.
لكن سويسرا بادرت صباح الأربعاء بإرسال فرقة متخصصة في تنسيق المساعدات الإنسانية وصلت إلى بورت اوبرانس قادمة برا من سانتو دومينغو عاصمة جمهورية الدومينيكان.
كما غادر صباح الخميس مطار جنيف فريق سويسري من 12 متخصصا في العلاج وتوزيع المواد الغذائية وتنقية المياه.
وإضافة الى تجند العديد من المنظمات الإنسانية السويسرية، أعلنت سلسلة السعادة التابعة لهيئة الإذاعة والتفلزيون السويسرية (المؤسسة الأم لـ swissinfo.ch) عن تنظيم يوم لجمع تبرعات الجمهور السويسري لصالح ضحايا زلزال هايتي وذلك يوم 21 يناير .
وأعلنت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري أنه ” لم ترد أية معلومات عن وفاة رعايا سويسريين في زلزال هايتي، وان السلطات اتصلت بكل الرعايا المقيمين إما هاتفيا او عبر البريد الإلكتروني وهي تنتظر الردود”.
من جهتها، عبرت رئيسة الكنفدرالية السويسرية لهذا العام، ووزيرة الاقتصاد دوريس لويتهارد مساء الخميس، باسم أعضاء الحكومة الفدرالية، عن تأثرها العميق وتعازيها لحكومة هايتي وأسر ضحايا الزلزال المدمر.
جمهورية هايتي هي من بلدان جزر الأنتيل الكبرى.
تمتد على الثلث الغربي لجزيرة هيسبانيولا (حوالي 28000 كلم مربع) والجزء الآخر من الجزيرة يتشكل من جمهورية الدومينيكان.
عاصمة هايتي هي مدينة بور أوبرانس.
يتجاوز عدد سكان البلاد 9 ملايين نسمة.
80% من سكان هايتي يعيشون تحت عتبة الفقر وأكثر من 50% يعيشون في حالة فقر مدقع.
في عام 2008، اجتاحت أربعة أعاصير البلاد وألحقت أضرارا مادية جسيمة بالبنى التحتية الطرقية وبالقطاع الزراعي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.