هل العلاقات التجارية مهددة فعلا؟
هل سينعكس ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بدء الإنتفاضة الثانية سلبا على المبادلات التجارية بين إسرائيل وسويسرا؟ المسألة فيها قولان..
القول الأول يؤكد أن المسألة بدأت تأخذ منحى جديا وهو صدى لما يتردد منذ بضعة أسابيع في برن والعديد من العواصم الأوروبية، بسبب ضغط احتجاجات قطاعات مهمة من الرأي العام الغربي، ويفيد بأن أصحاب القرار السياسي يستعدون لإعادة النظر في بعض أوجه العلاقات التجارية مع تل أبيب.
ففي الوقت الذي تتدارس فيه المفوضية الأوروبية مطالب البرلمان الأوروبي بتجميد اتفاقية الشراكة المبرمة مع الدولة العبرية، دعت أطراف سياسية ونقابية مؤثرة في سويسرا إلى وقف استيراد المنتجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات اليهودية القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبتجميد صفقات السلاح مع تل أبيب.
المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في برن، دانيال هاليفي-غوتشيل وصف هذه الدعوة، بأنها “خلط للمسائل” واعتبر أن هذه التوجهات، التي لقيت تأييدا حقيقيا في صفوف أحزاب الإئتلاف الحكومي الرئيسية الثلاث (مع معارضة حزب الشعب السويسري لأسباب تتعلق برؤيته الصارمة لمفهوم الحياد)، ليست إلا “محاولة للضغط على إسرائيل عن طريق الوسائل الإقتصادية” وهو أمر لا يصلح أن يكون أسلوبا للتعامل بين “بلدين تجمعهما صداقة عميقة” على حد قوله.
يجدر التذكير بأن المبادلات التجارية بين البلدين تمر في هذه الآونة بمرحلة صعبة. ففي الوقت الذي واصلت فيه الواردات السويسرية من إسرائيل في الإرتفاع، سجلت الصادرات السويسرية إليها انهيارا حادا في الشهرين الأخيرين، بعد أن بدأت مسارا تراجعيا منذ موفى عام ألفين (أي في الأشهر الأولى من بداية الإنتفاضة الثانية).
وتقول أحدث الإحصائيات الصادرة عن كتابة الدولة للتعاون الإقتصادي في برن أن نسق الواردات السويسرية من إسرائيل قد استمر في التصاعد خلال شهري يناير- كانون الثاني وشباط – فبراير الماضيين، حيث سجلت زيادة بنسبة 17.5% مقارنة بنفس الفترة من العام المنقضي. في المقابل تراجعت الصادرات السويسرية إلى الدولة العبرية بنسبة ستين في المائة منذ بداية العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من عام 2001.
ويشرح السيد رودلف كومّر، المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كتابة الدولة للتعاون الإقتصادي أسباب هذا التراجع الهائل في حجم الصادرات إلى المكانة الهامة التي يحتلها قطاع المعادن الثمينة في المبادلات بين البلدين. إذ مثلت منتجات هذا القطاع نسبة 44.3% من إجمالي الصادرات السويسرية إلى إسرائيل في عام 2001 أي بما لا يقارن بالآلات الميكانيكية (18%) أوالمواد الصيدلية (14.5%).
وتتمثل أكثر من نصف الصادرات السويسرية في الأحجار الكريمة التي تستورد في مرحلة أولى من طرف جهات متعددة، ثم يتم تصديرها إلى إسرائيل من أجل “تحسين جودتها” ومن ثم يعاد تصديرها جزئيا إلى سويسرا. وتجدر الإشارة إلى أن شركة دي بييرز (DE BEERS) الجنوب إفريقية، والتي يوجد مقرها الرئيسي في مدينة لوتسيرن وسط سويسرا، تعتبر أهم العاملين في هذا القطاع.
هذه الأرقام تعزز التحليلات القائلة بأن ما يحدث في الشرق الأوسط سينعكس سلبا على مستوى المبادلات الثنائية بين البلدين خصوصا وأن تجمع المنظمات غير الحكومية النشيطة التي تمكنت من حشد عشرة آلاف شخص أمام مبنى البرلمان الفيدرالي يوم السبت الماضي تضامنا مع الشعب الفلسطيني تستعد لاتخاذ قرار مشترك في الأيام القليلة القادمة يدعو المستهلكين السويسريين إلى مقاطعة جميع البضائع الإسرائيلية بدون تمييز.
القول الثاني
في المقابل، أظهر السيد يوسي آكيرمان، الملحق التجاري في السفارة الإسرائيلية في برن، قدرا كبيرا من التماسك في التعليق على الموقف، مشيرا إلى أنه في صورة اتخاذ سويسرا، على غرار التوجهات الأوروبية المعلنة، قرارا بتقليص وارداتها من المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة فإنه سيكون من المتعذر جدا الحسم في إشكالية التعرف على مصدر المنتوجات الإسرائيلية وذلك نظرا لعدم توفر وسائل المراقبة الميدانية (أي في داخل المستوطنات الإسرائيلية).
من ناحية ثانية فإن صدور قرار رسمي من طرف السلطات الفدرالية بمقاطعة بعض البضائع أو بتجميد المشتريات من الأسلحة والتجهيزات العسكرية الإسرائيلية قد يرتدّ سلبا على الصناعيين السويسريين.
فقد عبر السيد روبير أوكواي، رئيس الفرع الروماندي للغرفة التجارية السويسرية الإسرائيلية في تصريح خاص لسويس إنفو عن خشيته من الانعكاسات السلبية المحتملة لمثل هذا القرار في الوقت الذي يميل فيه الميزان التجاري منذ عدة سنوات بقوة لفائدة سويسرا، إذ بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى إسرائيل في العام الماضي 1267.6 مليون فرنك مقابل 448 مليون فرنك للواردات.
ويضيف السيد أوكواي أن سويسرا قد تخسر السوق الإسرائيلية في صورة اتخاذ مثل هذه القرارات مشددا على أن بامكان إسرائيل تعويضها بشركاء اقتصاديين آخرين.
ويبدو أن السلطات الفدرالية والأوساط السياسية عموما تأخذ بجد مخاوف المصدّرين والصناعيين السويسريين. ففي حين آعتبر أحد الخبراء العاملين في كتابة الدولة للتعاون الإقتصادي أن إقدام برن على اتخاذ قرار بفرض عقوبات اقتصادية ضد إسرائيل “شيء مستبعد جدا”، رفضت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي الموافقة على طلب يدعو الحكومة الفيدرالية إلى تجميد شامل لمقتنياتها من الأسلحة من إسرائيل.
يبقى في الأخير أن وزارتي الإقتصاد والمالية ستراجعان في الأيام القادمة “مدى احترام” إسرائيل لاتفاقية التبادل التجاري الحر المبرمة بينها وبين الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر التي تضم كلا من سويسرا والليختنشتاين والنرويج وأيسلندا، وخاصة البنود المتعلقة باستيراد المنتجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات اليهودية، أي خارج الحدود المعترف بها دوليا لإسرائيل.
سويس إنفو مع الوكالات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.