هل الفدرالية في العراق مقدمة للتقسيم؟
أضحت الفدرالية في العراق مطلبا يهدد بتقسيم هذا البلد الذي حُكم على مدى العقود الثلاثة الماضية بأسلوب مركزي مفرط.
ولكن الوضع اختلف كثيرا في الإقليم الكردي منذ أن أصبح تحت المظلة الأمريكية عام 1991، وها هو اليوم يُـلقي بظلاله على مُـجمل الوضع وشكل النظام المقبل في العراق.
أضحت الفدرالية في العراق مطلبا يهدد بتقسيم هذا البلد الذي حُكم على مدى العقود الثلاثة الماضية بقبضة المركزية المفرطة، وقيادة الرجل الواحد، خاصة منذ عام 1979 بعد أن تولى صدام حسين الرئاسة بشكل رسمي.
خلال الفترة الماضية، كان العراق لا يعرف إلا قائدا واحدا هو صدامٍ، وكانت المحافظات العراقية الثمانية عشر تُدار مباشرة من قِـبل الرئيس أو من ينوب عنه، لكن الوضع اختلف كثيرا في الإقليم الكردي منذ أن أصبح تحت المظلة الأمريكية عام 1991، وها هو اليوم يُـلقي بظلاله على مُـجمل الوضع العراقي، وقد يؤثّـر بتداعياته على شكل النظام المقبل في العراق.
إذا كانت الفدرالية تعني تخفيف قبضة المركز، فهي لن تؤدي إلى التقسيم، لكن ما يجري على الأرض هو فدرالية عرقية للأكراد، وطائفية للشيعة، وهذه قد تجر البلاد إلى صراع حاد، وتؤدي إلى التقسيم.
ونأخذ مثلا الأكراد الفيليين والشبك والايزيديين، الذين يحسبهم التحالف الكردستاني من ضمن الأكراد، على عكس معظم أعضاء لجنة صياغة الدستور من التحالف الشيعي. فاللجنة اعتبرت الشبك قومية، والايزيدين قومية، ووضعت الأكراد الفيليين (الشيعة) في خانة القومية الفارسية، وهو ما أثار غضب الفيليين وانزعاجهم، لأن من شأن ذلك أن يوجد مبررات لتهجيرهم إلى إيران كما فعل ذلك النظام السابق.
صحيح أن من بين الذين هاجروا في الفترة ما بين 1970 و1980 نحو 50 ألفا ممن ترجع أصولهم إلى القومية الفارسية، إلا أن ما يقرب من نصف مليون عراقي من الأكراد الفيليين، تم تهجيرهم عنوة إلى إيران ظلما ودون وجه حق.
الخلاف حول هذه النقطة ارتفع ليتبادل حلفاء الحكم الجديد الاتهامات، عندما أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وجود مخططات، قال إنها تحاك ضد الأكراد ودعا إلى استفتاء.
موقف السُـنّة
السُـنة بشكل عام يتخوّفون من الفدرالية، وقدم ممثلوهم في لجنة صياغة الدستور وثيقة ركزت على:
أولا: العراق يتكوّن من محافظات تتمتع بنظام الإدارة اللامركزية لتنظيم شؤونها وصلاحياتها وإدارتها وعلاقاتها مع الحكومة المركزية، وفقا لأحكام الدستور.
ثانيا: المحافظات الكردية (اربيل والسليمانية ودهوك)، تشكّـل بحدودها الإدارية المعترف بها إقليم كردستان العراق.
ثالثا: تمارس إدارات المحافظات وإقليم كردستان سلطاتها ضمن حدودها الإدارية، ويحدد ذلك بقانون.
رابعا: لا يحق لأي محافظة أو إقليم كردستاني الانفصال عن الدولة العراقية بحدودها المعترف بها دوليا.
خامسا: يمارس إقليم كردستان العراق سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل حدوده، وبشكل لا يتعارض مع أحكام الدستور.
سادسا: تتكوّن مؤسسات الإدارة اللامركزية للمحافظات من مجلس المحافظة، والمحافظ والإدارات المتخصصة، وتنظم صلاحياتها بقانون يسمّـى (قانون الإدارة اللامركزية).
وللجنوب فدرالية
يكثرُ الحديث هذه الأيام عن فدرالية الجنوب، التي يريدها البعض بنية صادقة لإعادة بناء هذه المنطقة التي عانت من تجفيف الأهوار، ومن الإهمال العمراني والبيئي والصحي والتعليمي، فيما يريدها آخرون، ربما تمهيدا لفصل الجنوب العراقي، ومن ثم تقسيم العراق إلى دويلات عدة استنادا إلى قانون إدارة الدولة.
ومن الطبيعي جدا أن ترتفع مثل هذه الدّعوات بعد سقوط النظام السابق، خصوصا عندما يرى سكانُ الجنوب أنهم ظُلوا بعيدين عن ممارسة حقهم كما يجب وكما ينبغي أن يكون، فيما البصرة وباقي مدن الجنوب تحتضن خيرات الله من النفط والماء وما حبته عناية الرحمن.
وينطلق دعاة إقليم الجنوب من فكرة أن تخفيف قبضة سلطة المركز والسماح للولايات أو الأقاليم بالانطلاق في مهمّـة إعادة الأعمار، يُسارع في التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وحتى الاجتماعية.
لكن الأمر لا يجري بهذا التبسيط. فقد قيل في هذا الصدد إن أوساطاً عديدة، منها التيار الصدري والسُّنة الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان البصرة، إضافة إلى العشائر والبيوت الأصيلة فيها والمسيحيين، يرفضون هذه النزعة التي يسمّـونها “انفصالية”، ويشككون في أغراض أصحابها، ويردّدون إن جهات خارجية تغطيها مالياً وسياسياً تحت عناوين (مساعدات إنسانية وإغاثية)، في الوقت الذي تنشط فيه مراكز بث الدعاية للترويج إلى أن البصرة وباقي مدن الإقليم، ستتحول إلى هونغ كونغ الخليج عند فصلها عن الدولة العراقية المركزية.
ويروج هؤلاء إلى ما يسمونها “الفدرالية السياسية الدستورية”، والتي تتضمّن المعنى الجغرافي والتاريخي أيضا، ويطالبون إقامة برلمان محلي في الجنوب مع مجلس وزراء محلي جنوبي، يضم جميع الوزارات ما عدا وزارات الخارجية والدفاع والمالية.
ويحتفظ دعاة إقليم الجنوب بعلم عراقي وطني موحّد، وعملة عراقية موحّدة، ونشيد وطني عراقي موحّد، وشعار موحّد، ووزارة خارجية واحدة، وجواز سفر عراقي موحّد، ووزارة مالية موحدة، ووزارة دفاع وجيش موحد، ويعتقدون أنهم بذلك يحافظون على وحدة العراق.
تعتمد الفكرة في الأساس على تخصيص حصّة من الثروة القومية ومن الدخل القومي لأقليم جنوب العراق، تتناسب مع عدد السكان فيه، وهم في المحافظات الجنوبية الثلاث نحو 6 ملايين.
من حق الأكراد الحصول على فدرالية في كردستان، بشرط أن تتوضح صورة هذه الفدرالية بما يبدد مخاوف الانفصال، إلا أن الأمر يختلف تماما في الجنوب، لأن مثل هذه الفدرالية يجب أن تكون إداريةً، لضمان حقوق جميع مكوّنات “الإقليم”، لاسيما وأن الحديث عن فدرالية للجنوب – على قياس فدرالية كردستان القائمة على أساس عرقي قومي – ينطوي على مخاطر جدية. فسكان الجنوب العراقي عرب، فيهم الشيعة وفيهم الُّسنة، وفيهم الصابئة والمسيحيون، وقلة من الأكراد، بما يجعل من المستحيل مقارنة فدراليتهم المنشودة، مع ما يُرادُ لها في كردستان.
فدرالية البصرة
في الأيام الأخيرة برز شعار “فدرالية البصرة” بدلا من الفدرالية للجنوب، وقد شهد مجلس محافظة البصرة المكوّن من 41 عضوا انقسامات بسبب تصريحات محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي، ودعوته إلى تعزيز صلاحية الحكومة المحلية باتجاه فدرالية المحافظات، التي يرفضها بعض أعضاء المجلس، ويتّهمون المحافظ بالهيمنة على مفاصل الإدارة، خاصة التعيينات.
وكان عمال شركة نفط الجنوب بالبصرة قد أضربوا (الشهر الماضي) يوما واحدا، كدلالة على أنهم قادرون على التحكم بإنتاج وتصدير النفط العراقي (85% منه في البصرة)، وطالبوا بالتوزيع العادل لعائدات النفط وتفعيل دور الحكومة المحلية.
وقال محافظ البصرة محمد الوائلي لـسويس انفو، إن “إضراب عمال نفط الجنوب له أهداف سياسية، لتقليل سلطة الحكومة المركزية والحصول على صلاحيات أكبر للمحافظة، والحصول على حصة عادلة من النفط.
دعوة محافظ البصرة جاءت بعد أن عقد في البصرة في التاسع من الشهر الماضي مؤتمر”فدرالية إقليم الجنوب” بمشاركة وفود من الناصرية والعمارة، وأعضاء من الجمعية الوطنية، وممثلين عن الأكراد، طالبوا فيه بإقامة نظام فدرالي اتحادي في العراق.
تطهير طائفي؟
البصرة مدينة متنوعة، عرقيا ودينيا، وتشكل نموذجا مصغّرا للعراق، ويخشى أهل السنّة فيها، من التعرض إلى اضطهاد كبير يُشبه حملة تطهير طائفية واغتيالات قبل إعلان الفدرالية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن الاغتيالات التي تستهدف أيضاً مسؤولين شيعة، ترمي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، تمهيدا لعزل البصرة وإعلان الفدرالية فيها.
واللافت أن أحدا لم يعتقل، كما لم توجه أي تهمة إلى أي شخص في هذه الحوادث، التي أودت بحياة قاض جنائي ومفتش تربوي سنيين، واثنين من الأعضاء الشيعة المرشحين لمجلس المدينة (الحالي)، ومقدم في الحرس الوطني العراقي، والتي لا زالت تتواصل.
وقد تعرضت عدد من المساجد السنية إلى هجمات منذ سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وتم تحويلها إلى مساجد للشيعة، بذريعة أنها كانت أراض اغتصبت، وشيّـدت فوقها مساجد من قبل النظام السابق.
ولم تسلم مساجد عريقة من المضايقات، ومنها مسجد المقام الكائن في العشار، والذي أقفل أبوابه عدّة شهور خوفا من الهجمات.
ولم يكتف الأمر عند مضايقة رجال الدين السنة، واغتيال عدد منهم بتهمة الانتماء للمدرسة الوهابية، إذ تشهد المدينة باستمرار اغتيالات تستهدف الكوادر العلمية المتخصصة، خصوصا الأطباء وأساتذة الجامعات، وسجّلت عدّة حالات اغتيال دفعت بالعديد من الأطباء إلى الهجرة والتوجّه صوب كردستان العراق، أو إلى خارج البلاد. كما طالت الاغتيالات أيضا كفاءات علمية مرموقة من الشيعة بتهمة الانتماء إلى حزب البعث.
ويُنظر إلى عمليات الاغتيال والترويع والاعتقال المتكررة لأهل السنة، المعارضين والرافضين للفدرالية، من واقع أنها ستدفع إلى تغيير الخارطة السكانية في المدينة، ربما لفصلها عن العراق.
وفي البصرة مسيحيون وصابئة وأكراد يشكلون نحو 5% من السكان، وهؤلاء أيضا تعرضوا للترويع والقمع. فقد قتل عدد من المسيحيين من باعة الخمور وتم تفجير محلاتهم، وأطلق على آخرين الرصاص لتجاهلهم المحظورات الدينية، وبينها الاختلاط بين الجنسين، وأصيب عدد من الطلبة بجروح.
أوساط من المجلس الأعلى تتهم موالين لصدام قدموا من وسط العراق، بتنفيذ عمليات مسلحة تستهدف المسؤولين الشيعة، وتقول إن هؤلاء يحصلون على حاضنة لهم في مناطق السنة الرئيسة في الزبير وأبي الخصيب والفاو، فيما ألقى بعض الزعماء السنة باللوم على غرباء عن المدينة، وقال الشيخ خلف عيسى، مسؤول فرع الحزب الإسلامي العراقي في البصرة “نعتقد أن هناك من يحاول التحريض على الفتنة بين السنة والشيعة”.
ويتوجه عيسى باللوم في أعمال العنف إلى الإيرانيين، حيث تقع البصرة قريبة من حدودهم، ويمر بها كثير من الزوار الإيرانيين المتوجهين إلى العتبات الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء. ولكنه اعترف أيضا بأن السنة متورطون في تمرد على نطاق البلاد بالإضافة إلى أن بعض السكان السُنة، ربما كانوا من بين مرتكبي الأعمال. كما ألقى باللوم على السلطة المحلية، التي يُـسيطر عليها الشيعة، بسبب إخفاقها في منع العنف، الذي سيتزايد بالتأكيد إذا أعلنت فدرالية الجنوب، أو البصرة.
نجاح محمد علي – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.