مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل ستُحرمُ أوروبا الشرقية من المليار السويسري؟

من اليسار، رئيس حزب الشعب السويسري أولي ماورر ونائب الحزب أدريان أمستوتس خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الحزب في برن يوم 24 مارس الجاري بمناسبة إطلاق إجراءات الاستفتاء الشعبي ضد توزيع المليار السويسري Keystone

هاجم وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس بقوة حزب الشعب اليميني المتشدد بسبب الاستفتاء الذي يعتزم طرحه ضد مساهمة برن بمليار فرنك لفائدة الدول الجديدة في الاتحاد الأوروبي.

من جهته، حذر السفير الألماني الجديد في برن أندرياس فون ستيشو من الانعكاسات السلبية لموقف حزب الشعب مؤكدا أنه سيُُضعف سويسرا.

“إن مُبررات حزب الشعب مُشوَّشة ومُنافـِقة”. هكذا وصف وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس في حديث مع صحيفة “سونتاغس تسايتونغ” (نسخة 26 مارس 2006) دوافع الحزب اليميني المتشدد لطرح استفتاء شعبي ضد مُساهمة سويسرا بمليار فرنك في مسار الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للدول العشر الجديدة التي انضمت للاتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004، وهي استونيا وليتونيا وليتوانيا ومالطا وبولونيا وسلوفاكيا وتشيكيا والمجر والشطر اليوناني من جمهورية قبرص.

وبعد التذكير بأن حزب الشعب دعم دائما نهج الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، أعرب السيد دايس عن اعتقاده أن الحزب اليميني يـُبدي هذه المعارضة الواضحة لـمُجرد تحديد موقعه في الساحة السياسية تحسبا للانتخابات الفدرالية لعام 2007.

ويعتبر وزير الاقتصاد أن حزب الشعب، بصفته حزبا مشاركا في الائتلاف الحكومي، يتصرف بأسلوب غير مسؤول عندما يخاطر بالعلاقات الجيدة التي تربط سويسرا بالاتحاد الأوروبي لأسباب مرتبطة بتكتيكات انتخابية صرفة.

ويعتقد السيد دايس أن رفض تقديم المليار فرنك الذي تعهدت به برن لفائدة الاندماج الأوروبي ستكون له عواقب وخيمة قائلا: “إن شركاتنا ستجد نفسها حينئذ وسط أجواء سيئة قد تؤثر على أعمالها”.

كما أن رفض تقديم المليار السويسري قد يعرض سياسة الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي للخطر حسب الوزير، إذ يُحتمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي أو بعض دوله بالرد على ذلك برفض المصادقة على اتفاقيات شنغن على سبيل المثال.

وشدد وزير الاقتصاد السويسري في هذا السياق على أن منح مليار فرنك لدعم الاندماج الأوروبي ليس ثمن الدخول للأسواق الجديدة لأوروبا الشرقية، بل هو بادرة تعبر في نفس الوقت عن التضامن مع الدول الجديدة في الاتحاد وتخدم مصالح الاقتصاد السويسري.

“الحكومة تستغفل الشعب”

ويفترض أن تدفع سويسرا المليار فرنك على مدة خمس سنوات (200 مليون في العام). وقد عزز البرلمان الفدرالي خلال الدورة الربيعية التي اختتمت يوم 24 مارس الجاري هذا المشروع بقاعدة قانونية بعد أن وافق على القانون حول التعاون مع دول أوروبا الشرقية.

لكن حزب الشعب – الذي يرى أن الحكومة “تستغفل الشعب السويسري” – رفع يوم اختتام أعمال الدورة البرلمانية الربيعية سلاح الاستفتاء الشعبي لإجهاض مشروع منح المليار فرنك دون مقابل. ويتعين عليه تجميع 50 ألف توقيع للتمكن من اقتراح الاستفتاء على الناخبين السويسريين.

وفي مؤتمر صحفي انعقد يوم 24 مارس في برن، أكد رئيس حزب الشعب أولي ماورر أن تحرك الحزب “ليس له علاقة بالاتحاد الأوروبي”، مضيفا: “نحن نطلق الاستفتاء حول موضوع مرتبط بالسياسة الداخلية وهو شأن متعلق بالسياسية المالية المحضة”. واستطرد قائلا: “لو كانت الحكومة الفدرالية قد عوضت هذا المليار كما وعدت، لما أطلقنا هذا الاستفتاء”.

من جهته، قال نائب حزب الشعب في مجلس النواب ونائب رئيس حزب الشعب إيفان بيران (من كانتون نوشاتيل): “إن هذا القانون (حول التعاون مع دول أوروبا الشرقية، التحرير)، في الشكل الذي تم تصوّره اليوم سيُستخدم أيضا كأساس لدفع مبالغ جديدة دون توقف لبروكسل”.

وأوضح النائب أن حزب الشعب يدعم بوضوح الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، وأن الاستفتاء الذي يعتزم طرحه ضد المليار فرنك لا يهدف إلى التراجع عن خيار النهج الثنائي بل هو أداة لجأ إليها لأن البرلمان تبنى قاعدة قانونية لا تحدد بشفافية آليات دفع المُساعدات، كما أنها لا تنص على أي تعويض للمليار في الميزانية.

وشدد حزب الشعب على أن دافع لجوءه للاستفتاء يختلف بوضوح عن مبررات حزب الديمقراطيين المسيحيين و”رابطة سكان تيشينو” (ليغا) اليمينيين الذين يعارضان بدافع المبدأ تقديم مساعدات مالية للاتحاد الأوروبي.

“سويسرا ليست مدينة للاتحاد بأي شيء”

من جانبه، شدد نائب حزب الشعب في مجلس النواب أدريان امستوتس (من برن) على أن “المليار المعروض على الاتحاد الأوروبي لم يكن أبدا عنصرا من المفاوضات حول الاتفاقيات الثنائية”. وإن كانت الحكومة الفدرالية قد “تجنبت بعناية إنشاء قاعدة قانونية واضحة لهذا الإنفاق، فلأن هدفها الوحيد كان عدم إفشال التصويت لصالح اتفاقيتي شنغن/دبلن وتوسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص إلى الدول الجديدة في الاتحاد”، حسب اعتقاد النائب امستوتس الذي ردد في مناسبات عديدة أن سويسرا تحولت إلى “البقرة الحلوب” بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

أما زميله أولريخ شلوور (من زيورخ)، فقال: “إن دفع مليار وحتى أكثر في المستقبل دون أي مقابل أمر غير مقبول بالنسبة للشعب السويسري”، خاصة وأن سويسرا تقدم منذ سنوات طويلة “خدمات هائلة” للاتحاد الأوروبي، مثل الخطوط الحديدية الجديدة عبر جبال الألب. وبالتالي أكد النائب شلوور أن “سويسرا ليست مدينة للاتحاد الأوروبي بأي شيء”، مضيفا: “إذا كان البرلمان غير قادر على إضفاء التوازن على السوق بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، فيتعين إذن أن نطلب من الشعب الحسم (في المسألة، التحرير)”.

تحذير من خطر الانعزال السياسي..

من جهته، أوضح السفير الألماني الجديد في برن أندرياس فون ستيشو أن رفض الشعب السويسري (في حال تنظيم استفتاء شعبي) لمنح المليار فرنك سيضعف سويسرا ويسيء لصورتها كشريك في المُفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، معربا عن اعتقاده أن ذلك سيعزل برن سياسيا عن الاتحاد.

وفي حوار نشرته نسخة الأحد من يومية “نويه تسورخر تزايتونغ (26 مارس 2006)، أوضح السفير فون ستيشو أن “انضماما خفيفا للاتحاد الأوروبي” لا يوجد. ونوه في هذا السياق إلى أن سويسرا كانت تتمتع بكامل الحرية لعدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ما يجب معرفته الآن هو ما إذا كان ذلك الخيار “جيدا ومُجديا بالنسبة لسويسرا على المدى الطويل”، على حد تعبير الدبلوماسي الألماني الذي يعتقد أن خيار البقاء خارج الاتحاد كلف سويسرا ثمنا غاليا لحد اليوم.

وأوضح بهذا الشأن أن الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها برن مع الاتحاد الأوروبي كلفتها ميزانية كانت ستُُعفى من إنفاقها لو التحقت بالمجال الاقتصادي الأوروبي. ويذكر أن الناخبين السويسريين كانوا قد رفضوا الانضمام إلى هذا المجال في استفتاء شعبي عام 1992.

ويرى السفير الألماني فون ستيشو أنه لا يجب النظر إلى مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من زاوية اقتصادية فقط بل من منظور سياسي أيضا، مشيرا إلى أن موقف سويسرا خارج الاتحاد ربما مازال يُفهم من وجهة نظر اقتصادية، “لكن سويسرا تبتعد شيئا فشيئا من الناحية السياسية”، على حد قوله.

سويس انفو مع الوكالات

بولونيا ستكون المستفيد الرئيسي من المساهمة السويسرية في دعم المسار الاقتصادي والاجتماعي للدول العشر الجديدة في الاتحاد، إذ يفترض أن تحصل على مبلغ 489 مليون فرنك.
وتقرر دفع 131 مليون لهنغاريا، و110 للجمهورية التشيكية، و71 لليتوانيا، و67 لسلوفاكيا، و60 ليتونيا، و40 لاستونيا، و22 لسلوفينيا، و6 وقبرص (الشطر اليوناني) و3 لمالطا.
تقرر الاحتفاظ بمليوني فرك لتمويل مشاريع “تحظى بأولية عالية” لاحقا.

تأسس صندوق الاندماج الأوروبي عام 1994 بهدف تقليص التباينات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
خلال توسيع الاتحاد الأوروبي في عام 2004، طلبت بروكسل من برن تقديم مساهمة مادية على غرار باقي الدول الأعضاء في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر “إيفتا” التي تضم- إلى جانب سويسرا – كلا من النرويج وإٍيسلندا وإمارة الليشتنشتاين.
بمناسبة قمة سويسرية أوروبية في مايو 2004، تعهدت الحكومة السويسرية بتقديم مليار فرنك لفائدة الاندماج الأوروبي، على مدى خمسة أعوام (200 مليون في السنة).
خلال الدورة البرلمانية الربيعية (التي تواصلت من 6 إلى 24 مارس 2006)، وافق مجلسا النواب والشيوخ السويسريان على المشروع، لكن حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد سيلجا إلى سلاح الاستفتاء الشعبي في محاولة لإجهاضه.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية