هل عصفت كاترينا بشعبية بوش؟
يمر الشعب الأمريكي بحالة من الذهول والصدمة إزاء الطريقة التي عالجت بها إدارة بوش إعصار كاترينا المدمر ويعتزم أعضاء من الكونجرس إجراء تحقيق في قصور أداء الحكومة الفدرالية في تقديم خدمات الإنقاذ والمساعدات السريعة لضحايا الإعصار.
فهل ستقضي “كاترينا” على ما تبقى من شعبية بوش؟
تابع ملايين الأمريكيين آثار إعصار كاترينا المدمر على شاشات التليفزيون وهم واثقون من أن حكومة أقوى وأغنى دولة في العالم ستكون قادرة على أن تدفع بتلك الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية الضخمة لمد يد العون إلى عشرات الآلاف من الضحايا الأمريكيين، خاصة في ولاية لويزيانا التي غمرت مياه الفيضان مدينتها الشهيرة نيو أورلينز.
ولكن مرت أيام دون أن تتحرك السلطات الفيدرالية للحيلولة دون تعرض ضحايا كاترينا بأعداد بلغت مئات الالآف للجوع والعطش والنهب والسلب بل والاغتصاب في بعض الأحيان.
وسرعان ما تحولت مشاهد معاناة ضحايا إعصار كاترينا، الذي دمر مئات الالآف من المنازل وتسبب في نزوح أكثر من ثمانين ألف أمريكي إلى ملاجئ مؤقتة، إلى ما وصفه مراسلو شبكات التليفزيون الأمريكية أنفسهم بأنه “موقف أسوأ بكثير مما شاهدوه بأعينهم في مناطق الكوارث وملاجئ النازحين في أفقر دول العالم الثالث”!
وفجأة تحولت مأساة إنسانية بسبب إعصار مدمر إلى أزمة سياسية للرئيس بوش الذي انهالت عليه الاتهامات من الديمقراطيين بأنه أخفق في إظهار قدرته على قيادة الولايات المتحدة في ظرف بالغ الحرج، ولم يأخذ الإعصار مأخذ الجد منذ اليوم الأول بحشد الموارد الملائمة لتقديم خدمات الإغاثة فور وقوع الضرر، بل لم يقطع إجازته في تكساس فور اتضاح حجم الكارثة فيما لم يعد نائبه ديك تشيني من إجازته في وايومينغ إلا بعد ستة أيام من وقوعها، بل وتعالت أصوات الانتقاد حتى من داخل الحزب الجمهوري وإن كانت قد ركزت على انتقاد إدارة الرئيس بوش والوكالات الفدرالية وليس على قدرة الرئيس على القيادة.
وبدأت صرخات الغضب من تلكؤ السلطات الفيدرالية في مواجهة كارثة قومية بانتقادات وجهها عمدة مدينة نيو أورلينز راي نيجن وهو يصرخ وتنهمر من عينيه الدموع: “تحركوا من كسلكم وافعلوا شيئا بعد أن عجزتم حتى عن معرفة ما الذي وقع في المدينة، فالسكان يموتون بينما يعقد المسؤولون في حكومة بوش المؤتمرات الصحفية ويدورون في حلقة مفرغة، وإذا لم يتحركوا ويبذلوا أقصى ما في وسعهم لإنقاذ المواطنين من ضحايا الإعصار فسيدفعون الثمن”.
ضجة في الكونجرس
وإزاء تصاعد الغضب الشعبي في أمريكا بسبب الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس بوش مع آثار إعصار كاترينا، وارتفاع سعر جالون البنزين إلى أكثر من ثلاثة دولارات لأول مرة في تاريخ أمريكا بسبب تلكؤ بوش في اتخاذ قرار بضخ كميات من مخزون الاحتياطي الاستراتيجي من البترول للتعويض عن توقف معامل تكرير البترول في ولايات الجنوب التي ضربها الإعصار، قرر عضوان في مجلس الشيوخ فتح تحقيق خاص يوم الأربعاء القادم (7 سبتمبر) عندما يعود مجلس الشيوخ من عطلته الصيفية، فيما وصفاه بالإخفاق الكبير الذي اتسمت به استجابة حكومة الرئيس بوش غير الكافية لمعاناة ضحايا الإعصار والقصورالخطير في الاستعداد له.
وقال العضوان، وهما السناتور الجمهوري سوزان كولينز رئيسة لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ والسناتور جوزيف ليبرمان أبرز الأعضاء الديمقراطيين باللجنة، إنهما سيطالبان الحكومة بتقديم ردود تتعلق بأسباب حدوث ذلك الإخفاق الكبير، وفي نفس الوقت، سيركزان على ما يمكن للكونجرس عمله لضمان فعالية عمليات الإنقاذ وتقديم معونات الإغاثة لضحايا كاترينا. واقترح بعض أعضاء الكونجرس تشكيل لجنة تحقيق مستقلة كتلك التي تولت التحقيق في القصور الذي سبق هجمات سبتمبر الإرهابية قبل أربعة أعوام.
أما النائب الديمقراطي روبرت ويكسلر، فقد وصف تعامل الحكومة الفدرالية مع ما خلفه إعصار كاترينا بأنه “يبعث على الشعور بالخزي القومي”. ووصف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب روي بلنت ما قدمته الحكومة الفدرالية من مساعدات، وما وفرته من قوات وصلت متأخرة للمناطق المتضررة بأنه “غير مقبول بل ويعد فشلا من الناحية العملية وخاصة الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ التي لم تكن لديها خطة متكاملة للتعامل مع سيناريو الآثار التي خلفتها كاترينا”.
وعلق نيوت جنجريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي، على أداء الحكومة الفدرالية في التعامل مع آثار إعصار كاترينا بالقول أنه “يشكك في كل عمليات التخطيط التي تقوم بها وزارة الأمن الداخلي والقيادة الأمريكية الشمالية خلال السنوات الأربع الماضية”.
وفيما نبهت صحيفة الواشنطن بوست في افتتاحية لها إلى أنه كان يتوجب على الرئيس بوش إرسال وحدات الحرس الوطني الأمريكي إلى نيو أورلينز فورا بعد أن ضربها الإعصار وليس بعد خمسة أيام تعرضت فيها لأعمال النهب والسلب وجرائم الانفلات الأمني، صرح نائب السفير العراقي في الأمم المتحدة فيصل إسترابادي بأن تأخر تحرك الحرس الوطني الأمريكي لمنع النهب والسلب في نيو أورلينز يذكره بقصور القوات الأمريكية في بغداد قبل أكثر من عامين في التصدي لأعمال النهب واسعة النطاق في بغداد.
ومن جانبها، تذكرت السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن باربرا بودين والتي خدمت في سلطة التحالف في عام 2003 كيف أن دونالد رامسفلد قال آنذاك إن النهب في بغداد “شئ مؤسف يحدث في المجتمعات الحرة”! وتساءلت عما إذا كان يمكن لرامسفلد أن يبرر النهب في نيوأورلينز لسكان المدينة بنفس المنطق.
كاترينا تثير التمييز العنصري
ولعل أخطر ما تمخض عن الجدل السياسي الدائر في الولايات المتحدة حول قصور إدارة بوش في التعامل مع آثار إعصار كاترينا هو تحول الانتقادات إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة بمواصلة نوع ما من التمييز العنصري ضد الأمريكيين السود.
فقد أنحى العديد من زعماء الأمريكيين السود باللائمة على الرئيس بوش وإدارته حين برروا بطء الاستجابة للكارثة بأن كاترينا ضربت مناطق غالبية سكانها من الأمريكيين السود الفقراء. وقال القس جيسي جاكسون، زعيم حركة الحقوق المدنية: “إن هناك توجها تاريخيا لعدم المبالاة بآلام الفقراء والسود في أمريكا بحيث أصبح الأمريكيون معتادين على تقبل معاناة السود”.
وسرعان ما تأكد هذا الانطباع حين تابع الأمريكيون مشاهد الدمار والمعاناة في كل من لويزيانا ومسيسيبي، أفقر ولايتين في أمريكا، حيث كان كل الضحايا تقريبا من الأمريكيين السود والفقراء الذين لا يمتلكون سيارات يجلون بها بعيدا عن خطر الفيضانات وهم يشكلون ثلث سكان المناطق المنكوبة في الجنوب.
ولذلك قال القس جيسي جاكسون: “يالها من مفارقة، فمدينة نيو أورلينز التي حطت على سواحلها السفن التي جلبت العبيد من إفريقيا قبل 262 سنة لا زالت تشهد استمرارا لتراث طويل من العبودية والتمييز العنصري”.
كما قالت النائبة الديمقراطية كارولين كيلباتريك، من تكتل النواب السود في الكونجرس: “أشعر بالخزي والعار لأن تتصرف أمريكا بهذه الطريقة”. وشاركها في ذلك النائب إلايا كمنجز الذي صرح: “أقول للرئيس بوش إن الله لن يرضى عن الطريقة التي استجابت بها الحكومة الفدرالية لمعاناة ضحيا كاترينا”.
وسارع المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان إلى الرد فنفى أن يكون السبب في بطء الاستجابة هو أن معظم الضحايا من السود والفقراء، وقال إن الأولوية الأولي كانت إنقاذ الأرواح ومن كانوا بحاجة إلى المساعدة.
غير أن البروفيسور ألان ليكمان خبير تاريخ الرئاسة الأمريكية يرى أن ما حدث في لويزيانا أثار جدلا على مستوى الولايات المتحدة ستكون محصلته النهائية تقليص قدرة الحزب الجمهوري على التواصل مع الأقليات، وخاصة الأمريكيين السود، وستترك آثارا سلبية مستديمة على تراث الرئيس بوش. واستشهد على ذلك بمقولة شهيرة للرئيس الأمريكي الراحل هيربرت هوفر:”ينال الرئيس الأمريكي التقدير عندما تكون الأجواء مشرقة، ويلاحقه اللوم والانتقاد إذا عكرت الأمطار الأجواء”.
وفي حالة الرئيس بوش كان هناك الكثير الكثير من المطر!
شعبية الرئيس تتراجع
ومع تراجع شعبية الرئيس بوش إلى أدنى مستوى لها منذ أربعة أعوام بسبب تدهور الأوضاع في العراق وارتفاع أسعار البنزين إلى مستويات قياسية، جاءت مشاكل الإخفاق في التصدي السريع لآثار كاترينا لتلقي بالمزيد من الظلال القاتمة على مصداقية الرئيس بوش الذي اتهمه النواب السود في الكونجرس بالإهمال، واتهمه النائب الديمقراطي تشارلز رانجل بأنه مسؤول عن تمزيق النسيج الاجتماعي الأمريكي بالجمع بين المغامرات العسكرية والحروب في الخارج، وبين تقليص الانفاق على الخدمات الاجتماعية المحلية وتخفيض الضرائب لمصلحة الأغنياء، وقال: “سيحاول الرئيس بوش أن يحول مأساة ضحايا الإعصار إلى نصر سياسي بتفقد المناطق المنكوبة، ولكنه سيواجه في نهاية المطاف مشاكل سياسية حقيقية”.
وفي محاولة لاحتواء مشاعر الإحباط، اضطر الرئيس بوش – وعلى غير عادته- في مواجهة أخطاء حكومته إلى الاعتراف بعدم كفاية الجهود التي بذلتها الوكالات الفدرالية لمواجهة ما خلفه إعصار كاترينا وقال: “إن النتائج غير مقبولة”، كما أعلن عن تخصيص أكثر من عشرة مليار دولار لمساعدة ضحايا الإعصار في إعادة بناء حياتهم، وقرر إرسال سبعة آلاف جندي إضافي للمساعدة في عمليات الإغاثة كما أمر بسحب 300 طيار أمريكي من أفغانستان والعراق للمشاركة في عمليات الإغاثة في نيو أورلينز التي غمرتها مياه الفيضانات.
ولكن بوش لم يقدم أي تفسير لبطء الاستجابة. ويعتقد البروفيسور لاري ساباتو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا، أن الرئيس ربما سيلجأ إلى تحميل عدد من المسؤولين في الوكالات الفدرالية المسؤولية عن الإخفاق في التخطيط والتعامل مع آثار الإعصار ليحمي مصداقيته التي تقوضت، وقال: “إن تأخر الرئيس في الاستجابة لدمار كاترينا يذكر الأمريكيين بأنه أمضى يوما بطوله قبل أن يرسم ملامح الاستجابة لهجمات سبتمبر قبل أربعة أعوام وراح اللوم بعد ذلك ينهال على وكالات المخابرات والأمن الفدرالية دون أن يوجه إصبع الاتهام إلى بوش بالتقصير”.
ويرى المحللون السياسيون أن اللطمة الأكبر لمصداقية بوش قد تأتي فيما بعد عندما يكشف النقاب عن الأعداد الحقيقية لمن لاقوا حتفهم من الأمريكيين بسبب الإعصار، خاصة عدد الذين ماتوا بسبب الجوع أو العطش لتأخر وصول إمدادات الإغاثة أو الذين ماتوا لنقص الرعاية الصحية ممن كانوا مسنين أو يعانون من أمراض القلب والسكر وضغط الدم والفشل الكلوي.
ويبقى مشهد أخير تجدر الإشارة إليه وهو أن التورط الأمريكي في العراق ألقى بظلاله على المسرح الأمريكي فيما تابع الأمريكيون مسلسل كاترينا، فكل الأسباب التي طرحها الأمريكيون لتفسير بطء الاستجابة الفدرالية تطرقت إلى الحرب في العراق: “لقد كان إشراك جنود الحرس الوطني في الحرب هو السبب في عدم تواجدهم في لويزيانا عندما كانت الحاجة ماسة إلى دورهم”..، “لقد تأخرت الاعتمادات الفدرالية بسبب الانفاق الضخم على الحرب في العراق”..، ثم عندما وصلت القافلة العسكرية يوم الجمعة الماضي (2 سبتمبر) إلى نيو أورلينز، قال الجنرال الذي قاد القافلة لجنوده: “لا تُشهروا أسلحتكم فنحن لسنا في العراق”!…
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.