هل مازال بالإمكان تجنب الحرب؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحركات عربية محمومة من أجل استباق الضربة الأمريكية ضد العراق وتقليل إمكانيات حدوث الحرب
لكن إصرار الولايات المتحدة على فرض شروط “استسلام” مهينة وتعجيزية على الرئيس العراقي تدفع إلى التوجس من مستقبل الأيام في ظل عجز عربي واضح
يواجه النظام العربى الرسمى أزمة لا سابقة لها بسبب التهديد الأمريكى بشن حرب، يبدو أنها تقترب، ضد العراق. فيرى البعض فى أداء النظام العربى تجاه هذه الأزمة، تجسيدا لعجزه وتعبيرا عن هشاشته. لكن هذا الحكم لا يأخذ فى الاعتبار طابع الأزمة ومدى تعقيدها. فالنظام العربى، مُـمثلا فى الدول الأساسية فيه مثل مصر وسورية والسعودية وغيرها، تتحرك فى ظروف بالغة الصعوبة كما لو كانت بين شقى الرحى.
ففى الوقت الذى يزداد الإصرار الأمريكى على شن هجوم عسكرى، وتسد واشنطن آذانها أمام أى نصح من أصدقائها العرب، يصعب الرهان على أن يواصل النظام العراقى المرونة التى بدأها بقبوله عودة المفتشين الدوليين على أسلحة الدمار الشامل. بل إن الأزمة الراهنة ليست إلا امتدادا لتلك التى بدأت بغزوه الكويت عام 1990 وإصراره على رفض الانسحاب بالرغم من الجهود الهائلة التى بذلها النظام العربى الرسمى آنذاك لإقناعه بأن موقفه يدفع إلى حرب لا طاقة له على مواجهتها.
ولذلك، فإن التقويم الموضوعى لأداء النظام العربى، فى هذا السياق، ينبغى ألا يغفل محددات الأزمة. فالدور الذى يقوم به هذ النظام وأقطابه لا يحدث فى فراغ، بل فى بيئة سياسية محددة إقليميا ودوليا.
وقد وصلت الأزمة فى هذه الأيام إلى منعطف يكاد يشبه ما كان عليه الوضع فى الفترة بين غزو الكويت وحرب تحريرها. فنذر الحرب تقترب، وليس فى إمكان أحد فى العالم أن يحول دون نشوبها إلا النظام العراقى نفسه، مثلما كان الحال فى أواخر عام 1990.
فرص النجاة .. شبه معدومة
ومن هنا، تركز التحركات والاتصالات الجارية بين عدد من الدول العربية على تعبئة أكبر قدر من التأييد العربى لمواصلة الضغط على النظام العراقى لدفعه إلى إبداء مزيد من المرونة فى الأيام القادمة.
فقد أثمر هذا الضغط قبوله عودة المفتشين الدوليين. ولكن الواضح أن هذا لا يكفى، وأن الإدارة الأمريكية تريد ما يشبه استسلاما كاملا من جانب حكومة بغداد. ولذلك قد يكون من الصعب أن يتمكن النظام العربى، عبر التحركات الجارية، إلى اقناع الرئيس صدام حسين بقبول كل ما سيفرضه عليه قرار جديد متوقع صدوره من مجلس الأمن.
ومع ذلك، يعلق أقطاب النظام العربى آمالا على أن تنجح فرنسا فى تخفيف حدة مضمون القرار الذى سيصدر، وعلى أن يضطر النظام العراقى الى قبول ما يفرضه القرار بعد أن أدرك للمرة الأولى أن فرص خروجه سالما من الحرب إذا نشبت قد تكون معدومة.
فقد اعتادت حكومة بغداد أن تناور فى موقفها تجاه قرارات مجلس الأمن عندما كان الخطر يصيب العراق دولة وشعبا، وليس نظامه السياسى. أما وقد صار الخطر يهدد استمرار هذا النظام، فالمفترض أن يسلك سلوكا مختلفا.
تجنب الضربة ليس مستحيلا!؟
لكن إذا كان نشوب الحرب من عدمه يتوقف على سلوك حكومة بغداد، فأى دور يبقى للنظام العربى الرسمى وتحركاته الجارية منذ أيام؟ هنا، يبرز دور النظام العربى فى اتجاهين أساسيين:
أولهما، العمل على إقناع حكومة بغداد والضغط عليها لتسلك السلوك الذى يفوت على واشنطن إيجاد الذريعة التى تحتاجها لشن الهجوم العسكرى. فلم يكن متصورا أن تقبل هذه الحكومة عودة المفتشين دون دور عربى. وليس واردا أن تواصل إبداء مرونة إلا باستمرار هذا الدور. فالرئيس العراقى، بحكم طبيعة شخصيته، يرى فى التراجع عن موقف اتخذه إهانة له أمام أركان نظامه. ولذلك، يحتاج الى من يرفع عنه هذه الإهانة عبر الإلحاح عليه. وهذا هو الدور الذى يؤديه أقطاب النظام العربى الرسمى.
ثانيهما، نقل صورة واقعية للأوضاع إلى الرئيس العراقى الذى يبدو فى كثير من الأحيان معزولا عن العالم. وهذا هو أحد أسباب الأخطاء التى يرتكبها. فعلى سبيل المثال، كان الرئيس صدام حسين مقتنعا تماما بأن الهجوم الأمريكى سيحدث حتى إذا وافق على إعادة المفتشين. ولكن أمكن إقناعه بأن هذه الحتمية لا مجال لها فى السياسة الدولية، وأن فى إمكانه أن يحرم واشنطن من ذريعة الهجوم.
وقيل له، وفق معلومات من مصادر موثوقة فى القاهرة، إن أداءه فى هذه الفترة هو الذى سيحدد مسار الأزمة. كما قيل له إن الإدارة الأمريكية تتخذ موقفا معاديا إزاء إيران أيضا. ولكن أداء النظام الإيرانى لا يترك لها مجالا للتصعيد ضده، وأنه لو كان وافق على عودة المفتشين خلال المحادثات بين العراق والأمم المتحدة فى تموز وآب الماضيين لاختلف الوضع الآن.
ويعنى ذلك، أن النظام العربى الرسمى لا يملك أى قدرة على التأثير فى الموقف الأمريكى. ولكنه ليس بدعا فى ذلك، لأن الاتحاد الأوروبى نفسه لا يملك تغيير هذا الموقف. وهذا فضلا عن أن أخطاء النظام العراقى ساهمت فى إضعاف النظام العربى الرسمى عموما، وفى إضعاف موقفه فى هذه الأزمة بشكل خاص. ومع ذلك، يظل فى إمكان هذا النظام مساعدة العراق على تجنب الحرب بشرط أن يجد مساعدة من حكومة بغداد. فتجنب الحرب قد يكون صعبا ولكنه ليس مستحيلا.
د. وحيد عبد المجيد – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.