مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يعود رفسنجاني أم تحدث المفاجأة ؟

إيرانيون يمرون أمام ملصقات دعائية لمرشحين في سباق الرئاسة ، طهران يوم 15 يونيو 2005 swissinfo.ch

تقترب الانتخابات الرئاسية الايرانية من ساعة الحسم الكبرى التي قد تضع ايران على سكة طريق جديد.

وتؤشر معظم المعطيات المتوفرة إلى توقعات بعودة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني مرة أخرى الى سدة الحكم، لكن المفاجآت غير مستبعدة تماما.

رفسنجاني القادم من أصولية دينية تتواءم مع التجدد ولاتنحرف عن الاصول، لايشك بفوزه المرتقب رغم اخفاقه الكبير في الحصول على مقعد من 30 مقعدا (حصة طهران) التي تنافس فيها مع الاصلاحيين في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2000.

وفي هذا الواقع لم يتأخر رئيس مجلس مصلحة النظام (وهو منصبه الحالي) في الاجتماع الى رئيس مكتب رعاية المصالح الامريكية في ايران (أي السفير السويسري في طهران السيد فيليب فولتي)الذي وصف الحوار الذي دار بينه وبين رفسنجاني بأنه كان في غاية الاهمية.

وبما أن السفير السويسري في طهران لعب في السابق دوراً هاماً للتوسط بشأن انضمام ايران الى منظمة التجارة العالمية، ولعب عدة مرات كقناة اتصال هامة بين طهران وواشنطن حيث نقل رسائل من الجانبين، فان لقاءه برفسنجاني تم توقيته ليتزامن مع التسخين الانتخابي الذي عادة ما يسبق يوم الاقتراع.

وقد تعمد رفسنجاني الادلاء بتصريحات لافتة عن العلاقات الايرانية الأمريكية إذا فاز في الانتخابات، معترفا بأن الولايات المتحدة قوة عظمى وقائلا بطريقته الذرائعية “إن احدا لايستطيع أن يتجاهل الدور الأمريكي”، وملمحا الى دوره هو في فرملة التطلعات الأمريكية عندما قال: “المهم هو كيف نعمل لمنعها (أمريكا) من القيام بمغامرات في ايران”.

وبدت لهجة رفسنجاني مرنة جدا حيال العلاقات مع الولايات المتحدة بما يشير الى أنه ربما يكون حصل على ضوء أخضر من آية الله علي خامنئي، الولي الفقيه وأعلى سلطة في نظام الجمهورية الاسلامية، وهذا ما تعكسه أيضا تصريحات السفير السويسري الذي أيد الحديث حول سيطرة رفسنجاني و نفوذه داخل ايران بما جعله قادرا على أن يتصور أن رفسنجاني “يستطيع ايجاد تغيير في السياسية الخارجية الايرانية نظراً لتمتعه بالسيطرة والنفوذ علي كافة مؤسسات الدولة الايرانية”.

وحين سئل رفسنجاني: «ماذا ستفعلون اذا قامت امريكا باتخاذ خطوة ايجابية؟»، أجاب: “كما قلت في السابق اذا تأكدنا من رغبة الامريكان بابداء حسن النية فنحن نبحث هذا الموضوع من طرفنا وسنستعد للدخول الي المباحثات الثنائية الرسمية والمباشرة”.

وتساءل رفسنجاني: “ماذا يمكننا ان نفعل لتنقية الجو من الالتهاب والتوتر المسيطر داخل ايران وأمريكا.. هناك سنوات عديدة من الدعايات المغرضة وإن اشخاصا وجهات خصوصا اللوبي الصهيوني في أمريكا قد تسببوا بتضليل الرأي العام الامريكي وتوجد عندنا نفس المشكلة في ايران”.

ودعا رفسنجاني الى تغيير الرآي العام في البلدين لضمان مصلحتهما قائلا: “يمكن ذلك من خلال الخطوات التي تقوم بها الولايات المتحدة والخطوات التي نتخذها إزاء تلك التطورات وبالزيارات المتعددة لنظهر اننا نتوجه نحو حل المشكلة”.

إذن، وطبقا لما ورد في هذه التصريحات، يمكن توقع تبادل زيارات رسمية وفتح حوار مباشر بين الجانبين إذا ما فاز رفسنجاني في انتخابات الرئاسة.

انفتاح على الأجيال الشابة

في الشأن الداخلي، تحدث رفسنجاني الى الشبان والشابات حول الموضة والعلاقات بين الجنسين والحجاب، وقال: “إن الشباب احرار باختيار نوع ملابسهم ولونها، ولكن يجب أن تكون هناك ملابس، لا أن يكونوا عراة”.

وقد حرص رفسنجاني كغيره من المرشحين على مخاطبة هذا الجيل الذي رجح كفة الرئيس الحالي محمد خاتمي، وأنصاره الاصلاحيين في انتخابات 1997، و2000 و2001، لكن اخفاق الاصلاحيين في تحقيق ماوعدوا به، والقناعة التي وصل إليها معظم الايرانيين حول قوة المحافظين ونفوذهم، غيرت المعادلة في انتخابات البرلمان العام الماضي التي مني فيها التيار الاصلاحي بهزيمة ساحقة، بما يرجح توقعات العديد من المراقبين حول نتائج السباق الانتخابي الحالي لغير مصلحة الاصلاحيين.

وقد بثت التلفزة الايرانية شريطا دعائيا عن رفسنجاني في إطار الحملة الانتخابية التي انتهت يوم الأربعاء 15 يونيو، صُـمّـم بهدف اجتذاب الشبان والشابات الذين يشكلون النسبة الاكبر من الناخبين الإيرانيين.

وفي نفس السياق، تجاوز الشيخ الرئيس كل “المحرمات” عندما حاور نحو عشرين شابة وشابا متحررين الى حد بعيد من القيود التي يفرضها النظام الاسلامي عليهم. اذ بدا عدد كبير من الشبان بشعر طويل، بينما وضعت الفتيات على رؤوسهن مناديل بالوان زاهية تكشف قسما من الشعر.

وفي هذا اللقاء، وجه رفسنجاني عدة رسائل حول النهج المنفتح الذي سيسير عليه داعيا الى الالتزام بحريات منضبطة بقوله: “إن الصداقة بين الفتيات والشبان أمر جيد، ولكن اذا ارادوا الذهاب الى ابعد من ذلك، فعليهم ان يبلغوا عائلاتهم بالامر ولا يجب ان يقدموا على شيء يناقض الاسلام”. كما بدا متساهلا في مسالة تطبيق القوانين قائلا: “لقد قمت بامور خلال شبابي لا اجرؤ على البوح بها حتى الآن”.

وبرأي عارفين في طهران، فان سياسة رفسنجاني الداخلية ستكون أكثر انفتاحا من عهده الرئاسي السابق، رغم تلميحه بأنه ربما لن يفوز حيث قال: “إن قسما من الناخبين مستاء من الانتخابات (…) بعضهم مستاؤون من عمل السلطة والآخرون يرفضون صلاحية مجلس صيانة الدستور في قبول المرشحين او عدمه. حتى أن بعضهم انحرفوا عن الثورة”.

من هو رفسنجاني ؟.

ومع أن معظم المراقبين يعتبر أن الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني بعقوده السبعين يظل المرشح الأوفر حظا في السباق الرئاسي بايران، إلا أن ذلك لا يحول دون حدوث مفاجآت.

ورفسنجاني القادم من قرية بهرمان من توابع اقليم رفسنجان المشهورة بزراعة الفستق، راجت شائعات حول ثروته الخاصة ودور أبنائه الخمسة في صفقات تجارية خصوصا مع عدي نجل الرئيس السابق صدام حسين.

وقد نفى رفسنجاني اخيرا ان يكون جمع ثروته بعد الثورة التي شارك في قيادتها الى جانب استاذه الامام الخميني الراحل، واصر على التأكيد بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه إّذا عاد الى الرئاسة في تحسين أداء الاقتصاد الايراني .. المريض.

درس رفسنجاني العلوم الدينية على يد آية الله الخميني وخلفيته المعزول آية الله حسين علي منتظري، وهو ايضا يُتهم بلعب دور في اسقاطه لصالح الولي الفقيه الحالي آية الله علي خامنئي.

كان مقربا جدا من الخميني ومن نجله الراحل أحمد، وتولى أغلب المناصب القيادية في الهيكل السياسي للجمهورية الإسلامية، ويُنسب اليه الفضل في إنهاء الحرب التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988 مع العراق وتدبير صفقات سرية لمبادلة الرهائن الأمريكيين في الثمانينات، وأنه كان من اقنع حزب الله لبنان بالمشاركة في العملية السياسية والحياة النيابية، ومن المنتظر أيضا أن يساهم في أي مشروع له صلة بنزع سلاح الحزب بعد مرحلة الانسحاب السوري من لبنان.

ورفسنجاني الذي يوصف من قبل الايرانيين بـ(أمير كبير ايران)، للتعبير عن تطلعاته نحو البناء والاعمار (مثلما كان الحال مع الإصلاحي الإيراني الشهير أمير كبير، الذي كان رئيساً للوزراء في أوائل عهد ناصر الدين شاه في منتصف القرن التاسع عشر)، تولى الرئاسة في الفترة من 1989 الى 1997، وهو يفضل اقامة علاقات مفتوحة مع الخارج وتحرير اقتصاد البلاد الذي تهيمن عليه الدولة. ويرأس حاليا مجمع تشخيص مصلحة النظام وهو أعلى سلطة ترسم السياسات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية.

رفسنجاني الحالم بولاية رئاسية ثالثة في ظل تحديات داخلية وخارجية حصل على دعم ثمين من المسؤولين في الداخل عن الملف النووي لحل أزمته المستعصية مع الغرب ومع الولايات المتحدة، التي وجه لها اشارات ايجابية مثلما فعل مع جيل الشبان والشابات.

متشددو المحافظين لايريدون رفسنجاني

على صعيد آخر، تُبدي أوساط مختلفة في ايران مخاوف من أن يتعرض الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الى اغتيال يزيحه من الحياة في ضوء استمرار عملية الاغتيال السياسي التي يتعرض لها عشية الانتخابات الرئاسية القادمة.

وبينما أخفقت رابطة مدرسي الحوزة العلمية في مدينة قم بايران في الخروج بموقف محدد إزاء دعم ترشيح الرئيس الايراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، يستمر صدور بيانات ومنشورات ليلية ضد رفسنجاني من متشددي المحافظين لحمله على الانسحاب من السباق الانتخابي المقرر يوم 17 يونيو الجاري، أو تشجيع مرشح آخر للفوز.

ففي آخر اجتماع للرابطة (التي تضم كبار آيات الله المشرفين على المؤسسة الدينية المحافظة في قم)، حصل رفسنجاني على 12 صوتا فقط من مجموع 32 كانوا حاضرين، في استفتاء تجريه الرابطة منذ نحو شهرين لاتخاذ موقف واضح لدعم رفسنجاني أو مرشح آخر في الانتخابات.

وبموجب النظام الداخلي للرابطة يتعين على رفسنجاني الحصول على ثلثي أعضاء الرابطة أي على 36 من مجموع 55 عضوا، هم مجموع أعضاء الرابطة التي تمثل التيار اليميني المحافظ في الحوزة الدينية.

وتقول مصادر داخل الرابطة إن رفسنجاني لم يحصل حتى الآن الا على 18 صوتا من العدد الكلي لأعضاء الرابطة، ما يعني أن رفسنجاني الذي كان على الدوام في رأس اهتماماتها، سيكون هذه المرة محروما من دعمها الذي عادة ما يؤثر على أصوات الناخبين الموالين للمحافظين.

وتشير مصادر الى أن الرابطة كانت وضعت آمالها على وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي الذي غاب عن السباق مفضلا الانسحاب، وأنها بالتالي تميل الى دعم رئيس مؤسسة الاذاعة والتلفزيون السابق علي لاريجاني المولود في النجف الأشرف بالعراق.

وخلال الحملة الانتخابية تزايدت اعتداءات ميلشيات شبه عسكرية وأصحاب اللباس المدني(وهم من متطرفي المحافظين)، والتي استهدفت المراكز الانتخابية والمؤيدين لرفسنجاني، في وقت أعلن عن عمليات تجسس واسعة قام بها موالون لخط التشدد في التيار المحافظ ضد مركز رفسنجاني الانتخابية.

وفي الأيام الأخيرة من الحملة الإنتخابية، وزعت في مدينة قم (خصوصا في الليل) منشورات مذيلة بتوقيع مكتب آية الله مصباح يزدي وهو يميني متشدد، أعلن أنه لن يدعم رفسنجاني ومثيرا حول شخصيته المعتدلة تساؤلات للتأثير على الجو الانتخابي لدى المحافظين.

ويُتهم مصباح يزدي وهو من كبار منظري التيار المحافظ بشن حملة غير عادلة على رفسنجاني، ربما لسفك دمه في مرحلة تالية من قبل متشددين يعتبرون يزدي مرجعا دينيا لهم ويعملون بآرائه.

وكان يزدي أتهم سابقا بأنه وراء التشجيع على محاولة اغتيال سعيد حجاريان الذي يوصف بمهندس الحركة الاصلاحية، عبر التنظير لثقافة العنف في البلاد.

وفي سياق له صلة، عُلم من مصادر ايرانية مطلعة أن غلاة المحافظين يبذلون جهدا استثنائيا لمنع رفسنجاني من الفوز بالانتخابات ،إذ أكدت هذه المصادر أن محافظين متشددين قاموا مؤخرا بجولات في الأقاليم الايرانية لحث الناخبين على عدم التصويت لصالح رفسنجاني.

وكشفت المصادر أن عضوا بارزا في حزب المؤتلفة الاسلامية، الذي يمثل رآس الحربة في جناح المحافظين المتشددين أكد بالفعل وجود خطة لمنع رفسنجاني من العودة مجددا الى الرئاسة في الانتخابات المقبلة.

وينافس رفسنجاني في الانتخابات المقررة يوم 17 من الجاري قائد قوات الأمن الداخلي المستقيل محمد باقر قاليباف، ورئيس مؤسسة الاذاعة والتلفزيون السابق علي لاريجاني، ويعمل متشددو المحافظين على منع رفسنجاني من الفوز في السباق، وهددوا باستخدام الحرس الثوري وباقي العسكريين والقوات المسلحة والميليشيات، لتحقيق هذا الهدف.

وتُبدي أوساط مختلفة في ايران مخاوف من أن يتعرض رفسنجاني الى اغتيال في ضوء استمرار عملية تسقيطه سياسيا عشية الانتخابات.

التفجيرات .. هل هي انتخابية؟

من جهة أخرى، أثارت التفجيرات التي ضربت مدنا في ايران عشية الانتخابات الرئاسية، اكثر من سؤال عن الجهة التي تقف خلفها والأهداف.

واتهم رفسنجاني الولايات المتحدة ومن أسماهم بـعملاء النظام العراقي السابق وانصاره، بالوقوف وراء هذه التفجيرات، رغم تبني عدد من المنظمات العربية الانفصالية المسؤولية عنها. وقال رفسنجاني إنه لا يستبعد أن تكون امريكا تدعم عملا مثل هذا وحذر من “الانجرار خلف دعوى قومية ونزعات عنصرية”، حسب تعبيره.

وتفتش وزارة الاستخبارات من جهتها في دفاترها القديمة، للتأكد مما اذا كانت منظمة مجاهدي خلق ضالعة في التفجيرات، في إطار مخطط يهدف الى خلط الأوراق، كما حصل في تفجيرات طائفية وقعت منذ سنوات خلت في اقليم زاهدان ذي الأغلبية السنية.

لكن المنظمة التي تعيش أوضاعا صعبة بعد انهيار نظام صدام حسين الذي رعاها وأقام لها معسكرات وقواعد داخل الأراضي العراقية، نفت صلتها بالامر، وذلك لا يعني بالضرورة أنها بعيدة بالفعل عما يجري حاليا من تطورات مثيرة في ايران.

وبشأن تفجيرات طهران تحديدا قال وزير الاستخبارات الإيراني علي يونسي إن الوقت مبكر لتحديد الجهة التي نفذتها.

ومن شأن نفي ” مجاهدي خلق” للتفجيرات التي لقيت ادانة دولية واسعة، وتبني جهات عربية لها، زيادة الغموض حول الجهة الحقيقية التي تقف خلفه.

نجاح محمد علي – دبي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية