هل يكسب بوش التأييد بعد المؤتمر العتيد؟
تشير أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي إلى ارتفاع شعبية الرئيس بوش بعد اختتام اشغال المؤتمر القومي للحزب الجمهوري في نيويورك.
فهل يعني ذلك أن حظوظ الرئيس بوش باتت أفضل في الفوز بانتخابات الرئاسة في الثاني من نوفمبر القادم؟
لمعرفة الأثر الذي تركته الكلمات التي ألقاها زعماء الحزب الجمهوري أمام المؤتمر القومي للحزب في حشد التأييد لإعادة انتخاب الرئيس بوش لفترة رئاسية ثانية، أجرت مجلة التايم الأمريكية استطلاعا لآراء الناخبين الأمريكيين خلال آخر يومين من أيام انعقاد المؤتمر في الأسبوع الماضي أظهر أن الرئيس بوش أصبح يتقدم على منافسه الديمقراطي جون كيري بإحدى عشرة نقطة.
هذا الفارق لم يسبق أن أظهرته أي من استطلاعات الرأي العام السابقة وكان آخرها أجري قبل انعقاد المؤتمر القومي للحزب الجمهوري من طرف شبكة إن بي سي بالمشاركة مع صحيفة وول ستريت جورنال وأظهر تفوق بوش بنسبة 47 في المائة مقابل 45 في المائة لجون كيري.
ويبدو أن تركيز المؤتمر على قدرة الرئيس بوش على القيادة في وقت تعرض فيه الأمن القومي الأمريكي لهجمات سبتمبر الإرهابية قد حشد له المزيد من الأصوات حيث أعربت نسبة 57 في المائة ممن استطلعت آراؤهم في استطلاع مجلة تايم عن ثقتهم في قدرة الرئيس بوش على قيادة الحرب ضد الإرهاب مقابل 36 في المائة لمنافسه الديمقراطي جون كيري.
ورغم أن المؤتمر حاول زحزحة الوضع الاقتصادي السئ بعيدا عن القضايا التي تركزت حولها كلمات زعماء الحزب، فإن الاستطلاع كشف عن مفاجأة أخرى هي أن 47 في المائة من الناخبين الأمريكيين أعربوا عن ثقتهم في قدرة بوش على تحسين الوضع الاقتصادي مقابل 45 في المائة لجون كيري.
وبشكل عام أعرب 52 في المائة من الناخبين خلال أسبوع انعقاد المؤتمر القومي للحزب الجمهوري عن مساندتهم لجورج بوش مقابل 41 في المائة قالوا إنهم يؤيدون جون كيري وقالت نسبة 3 في المائة إنهم سيصوتون للمرشح المستقل رالف نادر.
تقييمات الخبراء
وفي محاولة لتحليل أثر المؤتمر في حشد التأييد لبوش التقت سويس إنفو بخبيرين هما السيد رودس كوك المحلل السياسي الأمريكي وخبير شئون الانتخابات الأمريكية والدكتور سامر شحاتة أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون في واشنطن.
السيد كوك أعرب عن اعتقاده بان الارتفاع في شعبية الرئيس بوش “يعكس تركيز الحزب الجمهوري على إبراز أفضل ما لديه للناخب الأمريكي وسيدوم ذلك الارتفاع عدة أيام أو أسابيع، ولكن المؤتمرات بالنسبة للناخب الأمريكي غالبا ما تكون مثل أكلة صينية تبدو دسمة وتحقق الشعور بالشبع الذي لا يطول وسرعان ما سيشعر الناخب الأمريكي بالجوع والخواء بعد فترة قصيرة من الزمن”.
الدكتور سامر شحاته يختلف مع هذا التحليل ويرى أنه “رغم التسليم بحقيقة أن الارتفاع في شعبية مرشح كل حزب غالبا ما يتلاشى بعد أيام، فإنه ولسوء الحظ تدل المؤشرات على أن حظوظ الرئيس بوش ستكون أفضل من كيري في انتخابات الرئاسة القادمة لأن من سيساندون كيري لا يؤمنون بأنه قائد أفضل ولكنهم سينتخبونه لمجرد الرغبة في التخلص من جورج بوش”. وقال الدكتور سامر شحاته: “إن من سيحسم معركة انتخابات الرئاسة هم أصحاب الأصوات المتارجحة بين بوش وكيري”.
ويتفق السيد رودس كوك مع الدكتور شحاته في أهمية الأصوات المتأرجحة في ترجيح كفة من سيفوز لكنه يري أن “هؤلاء الناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن سيعطون أصواتهم لم يتغير موقفهم بعد سماع الخطب الرنانة في المؤتمر القومي للحزب الجمهوري وينتظرون المناظرات التي ستقام على الهواء بين بوش وكيري ليصلوا إلى قرار”.
محاولات لتخطي الجدل
من جهته اعتبر الدكتور سامر شحاتة أن تركيز الخطاب السياسي للمؤتمر على كفاءة الرئيس بوش في التعامل مع الإرهاب وحماية الأمن القومي الأمريكي كان فعالا وخاصة عندما استخدم الحزب الجمهوري السناتور الديمقراطي زيل ميللر للهجوم على دعوة كيري للتعامل بلطف للانتصار في معركة الحرب على الإرهاب حيث استقطبت هذه الانتقادات تأييد العديد من الأمريكيين الذين يؤيدون تعامل الرئيس بوش بلا هوادة مع الإرهاب بغض النظر عن آراء الأمم المتحدة أو الدول الغربية مثل فرنسا.
في المقابل، رأى السيد رودس كوك المحلل السياسي الأمريكي أن تركيز الجمهوريين على قدرة الرئيس بوش على قيادة الحرب على الإرهاب محاولة لتخطي الجدل حول القضايا الأخرى التي يهتم بها الناخب الأمريكي مثل الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم وغيرها.
وقال: “إنه فيما يتعلق بخطاب السناتور الديمقراطي ميللر أمام مؤتمر الجمهوريين والذي وصفته الواشنطن بوست بأنه كان من نوع القنابل القذرة فإنه كان مجرد إضافة إلى ما يحب الجمهوريون سماعه ولا يدخل محتواه في نطاق وسائل إقناع الناخبين المترددين وهم كما قال ليسوا موجودين بكثرة لا في ولايات الجنوب ولا في الولايات المعروفة تقليديا بتصويتها للجمهوريين وإنما يتركز الناخبون المترددون في الولايات الصناعية والولايات الساحلية حيث يكون الناخبون أكثر تعليما وثقافة وحنكة بالمقارنة مع من يمكن أن يتأثروا عاطفيا بكلمات ميللر الرنانة”.
ونبه السيد كوك إلى جانب آخر في عملية استغلال الجمهوريين للمشاعر الوطنية بالربط بين محاربة الإرهاب والشعور بالوطنية وإثارة النعرة القومية الأمريكية بعكس الديمقراطيين الذين ركزوا على أجندة تتعامل مع كافة القضايا الهامة الأخرى والتي تفتقر إلى امكانية استغلال المشاعر أو التأثير على العواطف والوجدان.
ولاحظ السيد كوك أنه رغم تركيز مؤتمر الحزب الجمهوري على محاربة الإرهاب فإن كلمات الخطباء خلت من أي إشارة إلى أسامة بن لادن الذي لا يزال حرا طليقا بعد مرور ثلاثة أعوام على هجمات سبتمبر الإرهابية وبرر ذلك بأن طبيعة المؤتمرات الحزبية تقتضي أن تركز زعامات كل حزب على الصور الناصعة والإنجازات والجوانب الإيجابية لذلك كان من الطبيعي ألا يقر الحزب الجمهوري الحاكم بفشله في العثور على أسامة بن لادن.
أين أسلحة الدمار الشامل؟
لقد اعتمد الرئيس بوش على الربط بين الحرب المريكية على الإرهاب والحرب على العراق استنادا إلى زعمه بوجود أسلحة للدمار الشامل بحوزة النظام العراقي السابق وأنه نظرا لوجود علاقة لذلك النظام بتنظيم القاعدة فإن العراق بات يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي فهل نسي الناخبون الأمريكيون تلك المزاعم التي لم يستطع الرئيس بوش تقديم دليل واحد على صحتها؟
يجيب الدكتور سامر شحاتة أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون فيقول:”بكل أسف تظهر معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية أن معظم الأمريكيين نسوا أو تناسوا كل الأكاذيب عن وجود أسلحة دمار شامل بالعراق والتي تم استخدامها لتبرير حرب راح ضحيتها مئات من الأمريكيين وأهدرت أموالا قاربت مائتي ألف مليون دولار”.
وبرر الدكتور شحاتة ذلك بسببين: أولا، تجاهل الإعلام الأمريكي لدوره في البحث عن إجابات للأسئلة عن مبررات الحرب على العراق أو أين هي تلك الأسلحة؟. وثانيا، أن موقف جون كيري إزاء ما يجب عمله في العراق لا يختلف كثيرا عن موقف بوش وبالتالي ليس بوسعه توجيه انتقادات عميقة تكشف للناخبين الأمريكيين زيف سياسة بوش في العراق. وقال :”إنه حتى الخسائر اليومية في أرواح الجنود الأمريكيين وفشل عملية القوات الأمريكية في النجف لم تؤثر سلبا على شعبية بوش”.
أما السيد رودس كوك فيعتقد أن الناخب الأمريكي لم يتناسى أكاذيب بوش فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل ولا المشهد الدرامي الذي ادعى فيه بوش فوق حاملة طائرات أمريكية أن الحرب قد انتهت وأن المهمة قد أنجزت في العراق، ولكنه يرى في المقابل أن المشكلة هي أن الناخبين الأمريكيين انقسموا إلى قسمين متساويين تقريبا أحدهما يناصر بوش ويتغاضى عن كل أخطائه ومنها أسلحة الدمار الشامل المزعومة أما النصف الآخر فإنه يشكل المعسكر المضاد لبوش والذي سينتخب كيري لمجرد الرغبة في الخلاص من بوش وبالتالي فإن “قضية مبررات دخول الحرب في العراق لم تعد تحدث فارقا في مسألة من سيكون القائد الأكثر مصداقية في البيت الأبيض” حسب قوله.
الحسم بيد المترددين
ويخلص السيد رودس كوك خبير الانتخابات الأمريكية إلى أن من سيقرر الفائز بانتخابات الرئاسة القادمة هو الجانب الذي سيكون “أكثر فعالية في حشد أصوات الناخبين خاصة المترددين منهم وإقناعهم بالتوجه فعلا إلى صناديق الاقتراع حيث أن معظم الناخبين حددوا بالفعل من سينتخبون وهم ليسوا بحاجة للانتظار مدة الشهرين القادمين وحتى موعد انتخابات الرئاسة والعبرة ستكون بمن يستطيع ترجيح الكفة بأكبر عدد ممكن من أصوات من لم يقرروا بعد من سينتخبونه رئيسا” حسب تعبيره.
ويتفق الدكتور سامر شحاته مع هذا التحليل ويقول إنه “إذا تعثر الرئيس بوش في المناظرات التي ستجرى بينه وبين كيري على الهواء فإن من شان ذلك ان يفقده كثيرا من الأصوات المتارجحة”، ولكنه يعتقد أن فرص الرئيس بوش في الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة ستكون أفضل لسببين:
أولا: أن كيري لا يحظى بالتأييد لمقوماته كمرشح يمكن أن يكون رئيسا أفضل وإنما لمجرد التغيير والخلاص من الرئيس بوش، كما انه لا يتمتع بشخصية قيادية جذابة مثل بيل كلينتون او حتى المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس السناتور جون إدواردز.
ثانيا: لأن الناخبين الأمريكيين باتوا يعتقدون بان مواقف جون كيري من كثير من القضايا الهامة غير واضحة ويلفها الغموض والضباب.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.