وبدأ العد التنازلي للمعركة..
لم يتبق إلا حوالي أسبوعين على موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبدأ التركيز على حشد أصوات الناخبين الكفيلة بترجيح كفة أي من المرشحين الجمهوري جورج بوش والديمقراطي جون كيري.
وكانت المناظرات التليفزيونية الثلاث بين المرشحين قد أسفرت عن المزيد من الانقسامات بين الناخبين الأمريكيين.
عندما انتهت أعمال المؤتمر القومي للحزب الجمهوري قبل عدة أسابيع، تمكّـن الجمهوريون من زعزعة ثقة الناخبين الأمريكيين في المرشح الديمقراطي جون كيري، بتصويره على أنه متذبذب وليست له مواقف متسقة، ولا رؤية واضحة إزاء كل من قضايا السياسة الداخلية والخارجية.
وسرعان ما نجح الرئيس جورج بوش في ترجيح كفّـته في استطلاعات الرأي العام الأمريكي، بحيث تقدم بنسبة 11% على منافسه الديمقراطي جون كيري، ولكن ما أن انتهت المناظرة الثالثة بين المرشحين في الأسبوع الماضي، حتى تقاربت نسب تأييد الناخبين الأمريكيين لكل من بوش وكيري بعد أن أثبت كيري جدارته في المناظرات، ونفض عن نفسه الصورة السلبية التي رسمها الجمهوريون له.
غير أن أحدث استطلاع للرأي العام الأمريكي أجرته شبكة سي إن إن ومؤسسة غالوب لقياس الرأي العام، وصحيفة يو إس توداي، أفرز ظاهرة فريدة. فقد أوضح أن الناخبين الأمريكيين يرون أن المرشح الديمقراطي جون كيري فاز بالمناظرات الثلاث، وكان الفارق بينهما في المناظرة الأخيرة 52 لكيري مقابل 39 لبوش.
غير أن نسبة 34% من الناخبين قالوا، إن المناظرة لم تغيّـر كثيرا من آرائهم حول كيري، وقالت نسبة 42% إن أداءه المتميّـز جعله أكثر شعبية لديهم، وقالت نسبة 56% إن المناظرة الأخيرة لم تغيّـر كثيرا من آرائهم حول الرئيس بوش، بينما قالت نسبة 27% من الناخبين، إن المناظرة جعلت بوش أكثر شعبية لديهم من ذي قبل.
وعندما سُـئل الناخبون عن القضايا التي أثيرت، أعربوا عن اعتقادهم بأن كيري تفوّق على بوش في إظهار قُـدرته على التعامل مع قضايا الاقتصاد، والرعاية الصحية، والتعليم، وأنه عبّـر أكثر من بوش عن مواقف مماثلة لما يريده الناخبون الأمريكيون بالنسبة للقضايا التي تهمّـهم، بل وأظهر الاستطلاع أن 61% من الناخبين الأمريكيين رأوا أن كيري عبّـر عن نفسه بوضوح أكثر من بوش، وأنه أظهر تفهّـما أكثر للقضايا المحلية التي أثيرت في المناظرة، وكان المرشح الأكثر مدعاة للتصديق والأقرب في التعبير عن القيم التي ينتمي إليها الناخبون الأمريكيون.
ورغم كل ذلك، فإن نفس الاستطلاع أظهر أن الناخبين الأمريكيين يفضلون الرئيس بوش على منافسه الديمقراطي جون كيري بنسبة 48% إلى 43%
إذا عرف السبب.. بطل العجب!
توجّـهت سويس إنفو إلى الدكتور إدموند غريب، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في واشنطن لتفسير تلك الظاهرة، فقال إنها تعكس الوضع الشاذ الذي يعيشه المجتمع الأمريكي حاليا. فرغم إيمان غالبية من الناخبين الأمريكيين بأن الأمور ليست على ما يرام بالنسبة للوضع الداخلي وكذلك الوضع في العراق، فإن الناخبين يميلون أكثر إلى الثقة في قيادة الرئيس بوش للحرب على الإرهاب.
وتُـظهر أحدث استطلاعات الرأي العام كيف أن مسألة الأمن القومي ومكافحة الإرهاب تُـعد من أولى أولويات الناخبين الأمريكيين، وازدادت نسبة من يعتقدون بأن الأمن ومكافحة الإرهاب هما أهم المشاكل التي تواجه أمريكا من 43% في أبريل الماضي إلى 55% في أكتوبر الحالي مع تصاعد إيماءات التخويف من خطر الإرهاب في كل مرة ينبّـه فيها الرئيس بوش الناخبين إلى أن أمريكا لن تصبح أكثر أمانا تحت زعامة منافسه الديمقراطي جون كيري.
ولكن الدكتور إدموند غريب يري أن الكيفية التي ستتغير بها حملات المرشحين المتنافسين على البيت الأبيض من توجّـهات الأصوات في الولايات المتأرجحة بين الحزبين من الآن وحتى 2 نوفمبر، ستختلف من ولاية إلى أخرى.
فعلى الرغم من اهتمام الناخبين في ولاية مثل أوهايو بالأمن ومكافحة الإرهاب، فإن فقدان كثير من الناخبين فيها لوظائفهم في فترة رئاسة بوش تجعلهم يتّـجهون بأصواتهم إلى جون كيري الذي اتهم الرئيس بوش في المناظرات الثلاث بأنه سيدخل التاريخ على أنه الرئيس الذي حرم العاملين الأمريكيين من أكثر من مليون وظيفة.
غير أن الوضع يختلف في ولاية مثل ويسكونسن التي تحسّـنت أحوالها الاقتصادية في عهد بوش ويهتم الناخبون فيها بشكل كبير بالأمن ومكافحة الإرهاب، مما يُـعطي بوش مزيدا من الأصوات فيها، خاصة إذا تمكّـن قبل الانتخابات من الإعلان عن اعتقال زعماء من القاعدة، سواء بن لادن أو الظواهري.
ويخلص الدكتور إدموند غريب، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في واشنطن إلى أن التدهور المستمر في الوضع الأمني في العراق، خاصة داخل المنطقة الخضراء، قد يُـسفر عن توجه المزيد من الأصوات المتأرجحة إلى كيري، خاصة بين الناخبين من الشباب الذين يعارضون الحرب ويعتزمون المشاركة بأعداد كبيرة في انتخابات الرئاسة.
أصوات “الكلية الانتخابية”
أما السيد رودس كوك، خبير انتخابات الرئاسة الأمريكية، فشرح لسويس إنفو كيف أن الولايات المتأرجحة هي التي ستحسم من الذي سيفوز بما يُـعرف بالكلية الانتخابية وعدد أصواتها 538 موزعة على 50 ولاية، حيث يتم تمثيل كل ولاية بعدد من أصوات الكلية الانتخابية مماثل لعدد ممثليها في مجلس النواب، والذي يتناسب طرديا مع عدد سكانها مضافا إليه صوتان من أصوات الكلية الانتخابية يماثل عدد ممثلي كل ولاية في مجلس الشيوخ. وبالتالي، يلزم لأي مرشح للرئاسة الفوز بمائتين وسبعين من أصوات الكلية الانتخابية.
وحسب أحد استطلاعات الرأي العام في الولايات الأمريكية، فإن الرئيس بوش سيفوز بعدد يصل إلى 257 من أصوات الكلية الانتخابية مقابل 243 لجون كيري في انتظار الولايات المتأرجحة، ومنها بنسلفانيا 21 صوتا، وفلوريدا 27 صوتا، ومنيسوتا 10 أصوات، ونيفادا 5 أصوات ونيو مكسيكو 5 أصوات، وعدد آخر من الولايات المتأرجحة سيسعى كل من بوش وكيري للفوز بها.
وحسب آخر استطلاع لآراء الناخبين في الولايات التي ستكون أرض حسم المعركة الانتخابية، وعددها 16 ولاية أجرته مؤسسة زغبي الدولية، يتفوق جون كيري بـ 81% منها، ويقول جون زغبي إنه لو أجريت الانتخابات الرئاسية حاليا، فإنه سيكون بوسع جون كيري الفوز بها بعدد من أصوات الكلية الانتخابية يصل إلى 317 صوتا مقابل 221 لبوش.
ويعتقد الدكتور إدموند غريب أن بوسع العرب والمسلمين الأمريكيين أن يكون لهم تأثير كبير في انتخابات الرئاسة في الشهر القادم إذا صوتوا ككتلة واحدة، خاصة في تلك الولايات المتأرجحة والتي يوجد بها عدد كبير من الناخبين من العرب والمسلمين الأمريكيين، مثل ميشيغان وفلوريدا وبنسلفانيا.
ويري أنه رغم عدم ارتياح غالبية من الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين لمواقف كيري من عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن أصواتا كثيرة منهم ستساند جون كيري، خاصة بعد تعهده بإدخال تعديلات على القانون الوطني الذي استهدف بشكل كبير الحقوق المدنية للعرب والمسلمين الأمريكيين بذريعة مكافحة الإرهاب، وكذلك بعد أن تعمّـد ذكر الإسلام في المناظرتين الأخيرتين، وضرورة التسامح الديني، ثم تهنئته للمسلمين بقدوم شهر رمضان وتأكيده على أن الديمقراطية في أمريكا والمجتمع الأمريكي يصبحان أقوى عندما ترحب أمريكا بالمنتمين لديانات أخرى، وخاصة التي تدعو للسلام مثل الإسلام.
وسألنا الدكتور غريب عن تفسيره لغياب مناقشة قضية الصراع العربي الإسرائيلي من الحوار في المناظرات الرئاسية، حتى تلك التي تطرقت للسياسة الخارجية فقال: “لعل هذا يرجع أساسا إلى عدم وجود خلافات كبيرة بين بوش وكيري إزاء ما يتعين عمله في عملية السلام. فالاثنان يساندان التفوق النوعي لإسرائيل على الدول العربية، ويلومان القيادة الفلسطينية على عدم إحراز تقدم في عملية السلام، ويعتبران المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي إرهابا يحق لإسرائيل قمعه، وبينما ينطلق تأييد بوش لسياسات إسرائيل من بُـعد عقائدي لا يمكن تغييره، فإن كيري لم يكن مستعدا للخوض في أي تفاصيل حول الصراع العربي الإسرائيلي قد تؤثر سلبيا على أصوات الناخبين من اليهود الأمريكيين التي تساند تقليديا المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.