مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

وعاد المفتشون…

تعامل العراقيون بكل واقعية مع رئيس لجنة التفتيش الدولية هانس بليكس، الذي يبدو هنا رفقة وزير الخارجية ناجي صبري Keystone

حظي رئيس لجنة التفتيش الدولية على الأسلحة العراقية هانس بليكس، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لدى حلولهم بالعراق بحفاوة استقبال ملفتة.

لكن وسائل الإعلام العراقية حذرت الرجلين من المساس بالكرامة الوطنية العراقية، ودعتهما إلى التحلي بالأمانة والنزاهة.

استقبلت بغداد هانس بليكس ومحمد البرادعي بحملة صحفية دعت فيها المفتشين إلى تجنب المساس بالكرامة الوطنية العراقية، مطالبة أن يكون عمل المفتشين مهنيا ومنسجما مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما دعتهم إلى التصرف بمسؤولية قانونية وأخلاقية، مشيرة إلى أن عملهم يتصل مباشرة “بحقوق بلد ظلم كثيرا ومعاناة شعب طالت دون مسوغ”.

وألقت الصحف العراقية المسؤولية المباشرة في تجنب الحرب المحتملة على فرق التفتيش، حيث أكدت أن المسؤولية الملقاة على عاتق لجنة الانموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية أخطر بكثير من مسؤولية اليونسكوم، لجنة التفتيش السابقة، في إشارة إلى أن تقارير مفتشي الانموفيك والوكالة الدولية هي التي ستعتمد من مجلس الأمن ومن واشنطن، وهي وحدها التي ستقرر ما إذا كان العراق سيتعرض إلى ضربة عسكرية أم لا.

وحرصت وسائل الإعلام العراقية على التأكيد أن نتائج عمل فرق التفتيش الدولي ستفضي حتما إلى تأكيد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل المحظورة، مما سيضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته فيما يتعلق برفع الحصار عن العراق وإنهاء معاناة شعبه وإسقاط نظرية “خطوط العرض” التي اعتمدتها واشنطن ولندن أساسا للحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه.

الملفات المفتوحة

ويبدو أن القرار 1441 لم يضع حدا لأزمة استمرت سنوات عدة، بل أن المروِّجين له لم يقصدوا ذلك أصلا، بل قصدوا العكس من ذلك. صحيح أنه وضع مؤقتا الأزمة في ثلاجة، إلا أن شبح الحرب ما يزال قائما، بل أنه بات أقرب من ذي قبل، لأن واشنطن باتت تتسلح بهذا القرار وبما تسميه “حكم العالم” الذي عبَّر عنه أعضاء مجلس الأمن بإجماعهم، علاوة على تسلحها بمنطق القوة الغاشمة الذي تنفرد به.

وبناء على ذلك، فإن كل ملفات الأسلحة العراقية ستكون مفتوحة، وهذا يعني أن بغداد ستكون ملزمة بتقديم ما يسمى “الموازنة المادية” لكل مكونات الأسلحة العراقية وبرامجها السابقة. ولأن هانس بليكس قال إنه ليس مقبولا من بغداد أن تؤكد خلوها من الأسلحة المحظورة إنتاجا وحيازة وخزنا، فإن ملفات الأسلحة الصاروخية والكيميائية والبيولوجية، وملف البرنامج النووي العراقي ستكون عرضة للفحص والتدقيق وإعادة التقييم من جديد.

إلا انه من المؤكد أن ملف سلاح الصواريخ وملف البرنامج النووي سيكونان أقل إثارة للمشاكل من ملفي السلاحين البيولوجي والكيميائي، حيث تقول التقارير الدولية السابقة إن في هذين الملفين الأخيرين العديد من النقاط الغامضة والمساحات المجهولة التي تحتاج إلى تغطية وتوضيح، وربما سيكونان محط خلاف أو أكثر بين بغداد ومفتشي الانموفيك.

فهل تعني هذه التطورات التي تبدو ايجابية أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، أي في اتجاه تفادي الحرب؟ أم أن فصلا جديدا في الرواية العراقية يوشك على البدء؟

برغم كل الذي قيل من أن بغداد تمكنت بقبولها القرار الدولي 1441 من التقاط بعض الأنفاس استعدادا لحرب تريدها واشنطن وتسعى إليها بكل عزيمة، فإن هذا القرار شكَّل نصرا سياسيا ودبلوماسيا للولايات المتحدة وللرئيس جورج بوش شخصيا بعد نصرين سياسيين داخليين تمثلا في نجاحه بانتزاع تفويض الكونغرس له بشن الحرب ضد العراق، وفوز حزبه الجمهوري في انتخابات نصف المدة على نحو غير مسبق.

وخلاصة الأمر هو أن الولايات المتحدة التي أعاقت ذهاب المفتشين إلى العراق لحين استصدار قرار جديد من مجلس الأمن حصلت على مرادها بصدور القرار 1441.

وبصرف النظر عن مخاض مداولات الأسابيع الثمانية التي سبقت ولادة هذا القرار، فقد كانت التعديلات التي أجريت على نص المشروعين الأمريكيين، الأول المتشدد والثاني المعدَّل، لفظية وغير ذات قيمة حقيقية، لأن واشنطن ببساطة شديدة تمسكت بتفسيرها لهذا القرار واعتقدت أنها حصلت على الورقة الذهبية التي تتيح لها تنفيذ رغبتها المعلنة في ضرب العراق وتغيير نظام الحكم فيه.

وقد أقحم الساسة الأمريكيون في سياق تفسيرهم لهذا القرار، موضوع تصدي الدفاع الجوي العراقي للطائرات الأمريكية والبريطانية التي تحلق فوق مناطق حظر الطيران في شمال وجنوب العراق، مع أن الحظر الذي تنفذه طائرات هاتين الدولتين قرار منفرد لواشنطن ولندن دون تخويل من مجلس الأمن.

جولة صراع جديدة

وعلى الرغم من قبول بغداد بالقرار 1441 دون شروط،فإنه يتعين التأكيد على حقيقة أن قبول القرار شيء، وتطبيقه شيء آخر مختلف تماما. فقبول تطبيق هذا القرار بحرفيته الشديدة أشق كثيرا على العراقيين من القبول به.

ويعتقد المحللون أن فرص اصطدام الطرفين المعنيين بالتنفيذ كثيرة. فقد تمت صياغة القرار بتشدد كبير، كما أن كثير من فقراته صيغت بغموض شديد يُقصد منه حشر الأمور وتصعيدها في حالة الاستعصاء التام على التفاهم.

كما أن هذا القرار أبقى، رغم أسابيع من المداولات والاتصالات والصفقات السرية بين الأطراف المعنية داخل مجلس الأمن وخارجه، النقطة الجوهرية قائمة، وهي الاستخدام الآلي للقوة ضد العراق، في حال لم ينفذ ما جاء في قرار المجلس، وهذا يفتح باب التفسيرات والتأويلات على مصراعيه.

المناخ الجديد

وتسود قناعة لدى بعض المراقبين مفادها أن بغداد ستسعى إلى اعتماد نهج جديد في تعاملها مع مفتشي الانموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا تعود هذه القناعة إلى كون قرار مجلس الأمن رقم 1441 يمثل الفرصة الأخيرة الممنوحة لبغداد فحسب، بل، وهذا مؤشر بالغ الأهمية، لأن مناخا سياسيا آخر يتشكل في العراق منذ نحو عام.

فلم يخفِ الرئيس صدام حسين الإشارة إلى تبلور هذا المناخ حين قال مؤخرا في حوار صحفي نادر، “إن السياسة علم يكتسب بالمران والتجريب شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى”، وذلك في معرض الرد على سؤال عن سبب كون الأداء السياسي للقيادة العراقية وللرئيس صدام حسين شخصيا بدا مختلفا في هذه الأزمة عن حالات سابقة مماثلة.

فبغداد التي سعت إلى تجنب اندلاع حرب بكل ما يمكن أن تجرُّه على المنطقة من نتائج وخيمة بموافقتها على استئناف أعمال التفتيش الدولية وفق الآلية المتشددة المحددة في قرار 1441، ستعمل بكل ما أوتيت من قوة أيضا لضبط أعصابها، سعيا إلى تجنب أي مواجهة والوقوع في خانة “الخرق المادي” المصممة خصيصا في قرار مجلس الأمن لاصطيادها وتحميلها المضاعفات الخطيرة المنجرة عن ذلك.

مصطفى كامل – بغداد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية