“الإدارة الأمريكية ضيّـعت فُـرصة تاريخية”
لا زالت تداعيات الحرب الاسرائيلية على لبنان المهيمن على اهتمام الفاعلين السياسيين والمحللين والمراقبين.
مراسل سويس إنفو في الرباط حاور الدكتور عبد الله ساعف، المفكر الاستراتيجي المغربي ورئيس مركز دراسات الابحاث للعلوم الاجتماعية والسياسية.
لا زالت تداعيات الحرب الاسرائيلية على لبنان المهيمن على اهتمام الفاعلين السياسيين والمحللين والمراقبين، دون ان يعني ذلك ان المعنيين ومراكز البحث الاستراتيجي لم يدخلوا في خبايا تلك الحرب واثارها، ليس على لبنان وعلاقاته الاقليمية او على الدولة العبرية ومصير سلامها مع الفلسطينيين ومع الدول العربية المجاورة او البعيدة واساسا على دور وتأثير الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط وصراعاته.
واعتبر الكثير من المحللين ان الحرب التي دامت اكثر من ثلاثين يوما لم تكن حربا اسرائيلية خالصة، بقدر ما كانت حربا امريكية بالوكالة او حربا امريكية بجنود اسرائيليين، وان حزب الله الذي قاد المقاومة اللبنانية لهذه الحرب واستطاع ان يؤكد فاعليته وقدراته العسكرية، وتجاوز خطوط حمراء رسمتها اسرائيل لكل الاطراف العربية التي خاضت معها حروبا منذ 1948، كان يخوض حربا للدفاع عن مواقع ايرانية بالمنطقة ودور سوري يعتقد حزب الله انه يشكل حجرا استرايجيا في حمايته.
واستند هؤلاء الى ان الادارة الامريكية ارادت بحربها الاسرائيلية على لبنان تصفية حسابات مع اطراف عديدة تخوض معها منافسة او ازمات في ساحات اخرى، والمقصود هنا هو منافستها مع ايران في العراق وازمتها معها حول الملف النووي الايراني، وارادت واشنطن، حسب هؤلاء، زيادة محاصرتها وضغطها على سوريا لدفعها لفك ارتباطها مع ابران ولعب دور اكبر في كبح المقاومة العراقية ضد الوجود الامريكي وتقليص دعمها وتبنيها للاطراف الفلسطينية المعارضة للرؤية الامريكية بالمنطقة.
لم تكن حربا أمريكية
رؤية الدكتور عبد الله ساعف، المفكر الاستراتيجي المغربي ورئيس مركز دراسات الابحاث للعلوم الاجتماعية والسياسية لا تتماهى كثيرا مع نظريات “حرب الوكالة”، إذ يقول لسويس انفو “إن الحضور الامريكي في الحرب الاسرائيلية على لبنان كان حضورا قويا، لكنها لم تكن حربا أمريكية”، إذ لا زالت الدولة العبرية، بالنسبة للدكتور الساعف، ترفض أن تكون وكيلة وحريصة على أن تكون مصلحتها الأولى وفوق مصالح الآخرين مهما كانوا حلفاء أو أصدقاء.
ويستدل على رؤيته بالتقرير الذي أعد لصالح جامعة هارفارد حول اللوبي الصهيوني وتأثيره على القرار الامريكي، والذي يؤكِّـد أن هناك شعورا عاما في الولايات المتحدة أن إسرائيل تقدم مصالحها على ما عداها، واذا كانت هذه المصالح تتقاطع وتتماهى مع مصالح أطراف أخرى، فإن ذلك يحقّـق مكاسب إضافية للدولة العبرية ولا يُـلغي ان التحركات الاستقلالية تتمتّـع باستقلالية نسبية.
ويوافق الدكتور عبدالله ساعف على أن “الوجود والتأثير الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط يعرف انحسارا قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، بسبب تعثر مشروعها في المنطقة ومأزقها في العراق وأفغانستان، وتأزم الوضع الفلسطيني، وهو تعثر جعل شعارات المشروع بلا معنى، إن كان شعار الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد”.
وأوضح المفكر المغربي أن نتاج الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله، أسفر عن خلق دولة عراقية فاشلة، وتحويل البلاد إلى فوضى وصراعات طائفية وفئوية وسقوط العراق بأيدي الأطراف العراقية المرتبطة بإيران، وكأن واشنطن شنّـت حربا على العراق لصالح إيران، التي لا يُـنظر لها عربيا بارتياح، بالاضافة إلى المخاوف من انعكاس على الأوضاع الداخلية للدول العربية المحيطة.
وكانت واشنطن ترى أن في الحرب الإسرائيلية على لبنان وإنهاء أو على الأقل تحجيم حزب الله، الحليف الاستراتيجي لإيران، فرصة لتقليص الوجود الإيراني وتاثيره في المنطقة بأسرها، كما أن هزيمة حزب الله يعجّـل بسقوط النظام السوري الذي كان يُـنظر إليه أمريكيا على أنه ثمرة آيلة للسقوط، لا تحتاج لأكثر من هزة خفيفة.
ولاحظ الدكتور عبد الله ساعف أن تكتيكات المعركة التي اتّـبعها حزب الله وأجبر الدولة العبرية على الإنجرار فيها إلى حرب هي الاولى التي تخرج فيها الدولة العبرية “خاسرة” عسكريا وسياسيا واخلاقيا، والتماهي الامريكي مع الموقف الإسرائيلي أحرج حلفاء واشنطن في المنطقة، بما فيها الأطراف اللبنانية، وتحديدا جماعة 14 مارس التي وجدت نفسها مضطرّة للمشاركة في حالة الحرب والمقاومة وتشجعها لدفع الحكومة اللبنانية للاعتذار عن استقبال كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الامريكية في بيروت.
نحو التعددية القطبية..
وكان مسار الحرب وتصاعد المقاومة والإرباك الإسرائيلي في تدبيرها قد أحرج أطرافا عربية مرتبطة استراتيجيا بواشنطن، بعد تبنيها بداية الحرب موقفا مناهضا لحزب الله، مما هزّ موقفها واضطرارها لتغيير هذا الموقف بالاقتراب أكثر من حزب الله والابتعاد، ولو قليلا عن الموقف الامريكي، وتراجعت أوروبا عن صمتها وقبولها الضّـمني بقيادة الولايات المتحدة للتدبير الدبلوماسي للحرب، حيث أصيبت علاقتها مع واشنطن برجّـة او هزة وشجعها على إسماع صوتها متميزا عن الصوت الأمريكي.
كما أبدت روسيا الاتحادية رغبة من خلال ملاحظتها، الإرباك الامريكي إلى استحضار دور الاتحاد السوفيتي قبل انهياره على المستوى الدولي.
ويرى رئيس مركز أبحاث الدراسات السياسية الاجتماعية أن “من أهم نتائج الحرب الاسرائيلية على لبنان وتورط الادارة الامريكية في تبنّـى الموقف الإسرائيلي بتفاصيله وإصرارها على منع إصدار مجلس الأمن لقرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وضع الادارة الأمريكية في موقع المناهض للسلام العالمي والمعزول سياسيا وغير المقبول اخلاقيا، حتى من الأطراف التي كانت قريبة لها ونجاحها في تعديلات جوهرية على مشروع القرار الأولي الذي قدم”، وهو ما يرى فيه الدكتور ساعف إشارة على “بدء انتهاء مرحلة القطبية الواحدة السائدة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي”.
ويعتقد الدكتور ساعف أن “الإدارة الأمريكية التي ارتكبت أخطاء فاحشة في العراق وأفغانستان، وعدم قُـدرتها على دفع عملية السلام الشرق أوسطي وتوجّـت اخطاءها بتعاطيها العدواني مع الحرب على لبنان، قد ضيّـعت فُـرصة تاريخية أمام الولايات المتحدة لقيادة العالم”.
ويقول السيد ساعف لسويس انفو “إن العالم ذاهب الآن نحو التعدُّدية القُـطبية، وصعود القوى المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة العربية والإسلامية، وذلك بعد فشل المشروع الأمريكي في المنطقة، وتحول الديمقراطية الأمريكية الموعودة إلى سخافة وسُـخرية العالم، وتحديدا العالم العربي، الذي لم ير من المشروع الأمريكي الا دمار لبنان واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتفويت العراق لإيران، بعد تدمير بنياته ودولته”.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.