مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العرب غير جاهزين لموعد كانكون

يبدو العالم العربي، حكومات ومنظمات أهلية، شبه غائب عن الاستعدادات الجارية لاجتماع منظمة التجارة العالمية في كانكون بالمكسيك في شهر سبتمبر القادم swissinfo.ch

لم تبق سوى فترة وجيزة عن موعد الاجتماع الذي سيعقد بمدينة "كانكون" المكسيكية لمواصلة التفاوض حول المسائل التي لا تزال عالقة ضمن أجندة منظمة التجارة العالمية.

وفيما تستعد الحكومات ومعارضو العولمة في شتى أنحاء العالم لجولة كانكون، لا زالت الرؤية غير واضحة في العالم العربي حكومات ومجتمعات مدنية.

انعقدت بالقاهرة مؤخّـرا ندوة دعا إليها “مكتب الدراسات العربية والإفريقية” بالتعاون مع “الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية” للبحث في آثار سياسات منظمة التجارة العالمية على الدول النامية عامة، والبلدان العربية خاصة.

وإذا كان العرب لم يجعلوا حتى الآن من التحديات الضخمة التي تطرحه عليهم العولمة أولوية قصوى في اهتماماتهم، وإذا كانت حصتهم من التجارة العالمية تكاد لا تصل إلى 4%، فلا يعني ذلك أن المنطقة العربية بقيت بعيدة عن اهتمامات القابضين على اقتصاديات العالم.

فالمنطقة كانت مسرحا لمحطات هامة في مسيرة تركيز آليات ومسارات النظام العولمي. ففي مدينة مراكش، برزت المنظمة العالمية للتجارة للوجود، وفي الدوحة، يُـذلت جهود هائلة
لإخراج المنظمة من المأزق الذي وجدت نفسها فيه على إثر الفشل المدوّي لاجتماع (سياتل) بالولايات المتحدة.

وقد انضمت إلى المنظمة 12 دولة عربية، من بينها 9 أعضاء مؤسسين، وخمس دول أخرى تقدمت بطلب انضمام بعضها منذ فترة طويلة (الجزائر في عام 1993)، ولم تبق سوى الصومال وجزر القمر والعراق التي لم تفصح بعد عن رغبتها في الانضمام.

المشاركون في الندوة أشاروا إلى “معضلات كثيرة” تعاني منها الدول العربية. من أهمها أن حكومات هذه الدول اختارت حتى الآن البحث عن الحلول الفردية بعيدا عن أي تنسيق إقليمي فيما بينها، مما أضعف قدرتها على التفاوض وتغيير بعض الشروط المجحفة لصالحها أو الحدّ من آثارها السلبية.

انخراط رسمي وغياب شعبي

من جهة أخرى، اتّـخذت الحكومات قرارها بالانخراط في المنظمة دون استشارة مجتمعاتها المدنية، التي تكاد تكون مغيبة تماما عن القضايا المصيرية المطروحة في البلدان العربية، بل إن الحكومة المصرية، حسبما فُـهم من مداخلة لمستشار وزير الصناعة لشؤون التجارة الخارجية (د.أحمد غنيم)، لا تزال تشقها خلافات هامة إلى حد الآن حول كيفية التعاطي مع القضايا المطروحة على جدول أعمال الاجتماع القادم لمنظمة التجارة العالمية.

وقد استعرض الدكتور احمد غنيم جملة من الصعوبات التي تواجه الحكومات العربية وتحرمها من أن تصبح مؤثرة داخل المنظمة. من بينها عدم امتلاك الكثير من ممثليها لناصية اللغة الإنجليزية، حيث أن اللغة العربية ليست من اللغات الرسمية المعتمدة في منظمة التجارة العالمية، بل إن غالبية هؤلاء “يفتقرون إلى المعرفة الدقيقة بالجوانب الفنية في اتفاقيات وأساليب عمل المنظمة”، حسب تعبيره. وأضاف قائلا “نحن مواجهون في العالم العربي غالبا بوضع يتم فيه تناول القضايا على أساس شخصي وليس على أساس وضعية مؤسسية شفافة وواضحة”.

واختلف المشاركون في تقييم الآثار المترتبة على انضمام الدول العربية لمنظمة التجارة العالمية. ففيما يتعلق بالزراعة التي فرضت المنظمة في اجتماع الدوحة إدخالها ضمن القواعد العامة للمنافسة، يرى الدكتور سمير أمين أن فتح أسواق الجنوب أمام الصادرات الفلاحية للشمال “لن يفضي إلا إلى مضاعفة مشاكل الفلاحين”، واعتبر أن فوائده “لا تُـقارن بالمرة بالتدمير الذي سيحدثه”.

أما أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، د.حسن كريم، فقد أكد من جهته على أن الأقطار العربية ستكون في مقدمة المناطق المتأثرة من تحرير التجارة في المواد الزراعية، التي ستؤدي إلى “ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة الواردات، وعجز الميزان التجاري، وتفاقم المديونية بفعل ازدياد القروض الممنوحة من الهيئات الدولية، وبالتالي، زيادة التبعية الغذائية للخارج”، إلا أنه لاحظ أن دولا مثل تونس وسوريا والمغرب ومصر قد تستفيد من تحرير القطاع الزراعي.

الوعي الاجتماعي العربي.. ضعيف!

هذا الوضع المرتبك على الصعيد الرسمي زاد في إضعاف دور المنظمات غير الحكومية العربية التي تسعى منذ فترة قريبة إلى احتلال موقع لها ضمن الحركات المناهضة للعولمة في شتى أنحاء العالم.

فهذه المنظمات تفتقر للقدر الأدنى من المعلومات والرؤية المشتركة والتنسيق فيما بينها. وقد طغت في ندوة القاهرة نبرة الهجوم على الرأسمالية والعولمة وسياسة الولايات المتحدة، مما دفع أحد المشاركين إلى المطالبة بتجاوز الطابع الأيديولوجي، والخطب الحماسية، وبذل الجهد لمناقشة القضايا المطروحة بأكثر موضوعية من أجل تمكين ممثلي المجتمع المدني العربي من اقتراحات وتوصيات عملية تساعدهم على المشاركة بفعالية في هذا الصراع الذي اكتسى في السنوات الأخيرة طابعا كونيا.

لهذه الأسباب، وجد المشاركون أنفسهم مضطرين إلى تأجيل الإعلان عن تشكيل “منتدى اجتماعي عربي” يكون شبيها بمنتديات إقليمية فعالة عديدة. وقد تبين لهم بأن مقدمات ضرورية لم تتوفر بعدُ، وأن استشارات موسعة لا تزال ضرورية، وأن وعيا اجتماعيا بقضايا العولمة يجب توفيره، حتى لا يقع تقديم العربة على الحصان.

في المقابل، اتفق المشاركون على مواصلة التركيز على مطالبة حكوماتهم بالديمقراطية والشفافية ومحاربة الفساد وعدم التضحية بالمكاسب الاجتماعية، التي يعتبرونها أدوات ضرورية وشروطا أساسية للتخفيف من تداعيات العولمة على الأغلبية الساحقة من سكان المنطقة العربية.

ويقول منسق الشبكة العربية، زياد عبد الصمد، إن “مفهوم المجتمع المدني مقلوب في دولنا. فبدلا من أن تعمل النخب للدفاع على مصالح الفئات الشعبية وعن المجتمع ككل، نرى أن المجتمع المدني يتجنّـد للدفاع عن الفئات الحاكمة”. واعتبر أنه “لن تستتب الأمور ما لم يُعاد النظر في القوانين التي تضمن استقلالية وسلامة عمل منظمات المجتمع المدني”.

صلاح الدين الجورشي – القاهرة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية