القول الفصل بيد المحقق الفدرالي
اعلن المدعي العام السويسري فالنتين روشاخر انتهاء التحقيقات المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر، وخلص إلى أن "الدعم اللوجيستي واستغلال الساحة المالية السويسرية لدعم وتمويل القاعدة لا يمكن الاستهانة بهما".
في الوقت نفسه، أكد أن سويسرا ليست محورا رئيسيا لعمل الجماعات الارهابية.
عامان ونصف تقريبا استغرقها المدعي العام السويسري للوصول إلى تلك النتيجة، قبل أن يحول ثلاث ملفات إلى مكتب التحقيق الفدرالي لإبداء الرأي النهائي فيها.
سيكون ملف مؤسسة ندا للإدارة (التقوى سابقا) أول القضايا التي سينظرها مكتب التحقيق الفدرالي بعد بضعة اسابيع طبقا لما أعلنه المدعي العام السويسري في المؤتمر الصحفي، الذي قال فيه بأن تحقيقاته أثبتت أن تلك المؤسسة خلقت “قنوات لتمويل الإرهاب”، دون أن يضيف أية معلومات أخرى أو يسوق الادلة التي استند إليها في ذلك، وذلك ربما حرصا على سلامة سير التحقيقات في المرحلة القادمة.
وكانت الشرطة الفدرالية قد صادرت كما كبيرا من الملفات والوثائق من مقر الشركة في لوغانو (جنوب) بعد تجميد نشاطها في 7 نوفمبر 2001 بناء على توصية أمريكية، في حملة تم التنسيق فيها بين السلطات السويسرية ونظيراتها في إيطاليا وإمارة ليختنشتاين المتاخمة، وتولت سويسرا التحقيق مع 5 أشخاص من بينهم سيدة، اعلن روشاخر تحويل اثنين منهم للمثول إمام المحقق الفدرالي دون التعليق أو الإشارة إلى أوضاع الثلاثة الأخرين.
بريء هناك .. مشتبه فيه هنا!
أما الملف الثاني فيتعلق بإحدى الجمعيات الخيرية وتدعى “موفق” التي كانت، حسب رأي جهاز الادعاء السويسري، غطاءا ماليا لتنظيم القاعدة، ويقول الإدعاء السويسري أن مواطن سعودي يدعى الشيخ ياسين القاضي قام بتحويل أموال (ذكر المدعي العام الفدرالي أنها تقدر بملايين الفرنكات السويسرية) باسمها عبر أحد البنوك في جنيف، تحت عنوان “القيام بأعمال تجارية في كل من اليمن والسعودية”.
وقد نوهت صحيفة “لوتون” الصادرة صبيحة الجمعة 25 يونيو في جنيف إلى أن هيئة الدفاع عن الشيخ القاضي أكدت لها أن موكلها قد تمت تبرئته من تهم مماثلة في بريطانيا والولايات المتحدة، وأن المشروعات التي كانت تحويلات الأموال تتم بسببها قائمة بالفعل وموافق عليها بشكل رسمي من الحكومة اليمنية.
في المقابل، يبدو أن المعطيات المتوفرة لدى جهاز الادعاء السويسري دفعته للإصرار على أن بعض الأشخاص الذين تمت التحويلات المالية لصالحهم لهم علاقة بتنظيم القاعدة، وهو ما لا يراه الدفاع دليلا دامغا على صلة المواطن السعودي بتنظيم القاعدة أو أي تنظيم آخر، وكان جهاز المدعي العام قد حرص على تقديم طلبات تعاون قانوني إلى كل من المملكة العربية السعودية وألبانيا وتركيا والولايات المتحدة، إلا أنه لم يتوصل من خلالها إلى العثور على أدلة إدانة دامغة فأحال الأمر إلى المحقق الفدرالي.
متهمون .. وجنسيات عربية
الملف الثالث يتعلق بتفجيرات الرياض التي جدت يوم 12 مايو 2003، والذي كان من بين ضحاياه مواطن سويسري. فقد أظهرت التحقيقات آنذاك أن بعض منفذي العملية قاموا بالاتصال بأرقام هاتفية في سويسرا، وتحديدا بـ 36 رقما كلها على الهواتف النقالة.
ثم بدأت السلطات الفدرالية تحقيقا موسعا للبحث عن المتورطين في تهمة “تسهيل عمل منظمة إجرامية والاتصال بها”، وكشفت التحقيقات التي استمرت من شهر سبتمبر إلى ديسمبر 2003 أن تسعة أجانب من المقيمين في سويسرا سعوا إلى تهريب اشخاص إلى سويسرا ومساعدتهم في الحصول على بطاقات إقامة أو الاختفاء فيها أو اتخاذها معبرا إلى دولة أخرى.
وأشار المدعي العام إلى أن أولئك الأشخاص ينتمون إلى دول عربية مختلفة من بينها اليمن، وربما يكون منهم من هو على اتصال وثيق بتنظيم القاعدة.
وكانت الشرطة السويسرية قد قامت إثر حصولها على تلك المعلومات بحملة اعتقال وتفتيش واسعة شملت في البداية الشخص الذي قام بعملية تهريب الأفراد في نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، ثم ثمانية أشخاص آخرين في اوائل شهر يناير من العام الجاري بعد حملة واسعة شملت كانتونات جنيف وزيورخ وفو وآارغاو وبرن.
وكان المدعي العام الفدرالي قد تقدم بطلبات تعاون قضائي إلى كل من قطر واليمن والسعودية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا، قبل أن يقرر إحالة أوراق هذا الملف إلى المحقق الفدرالي.
في انتظار القول الفصل
ومن الملفت أن القناة الفرنسية في التلفزيون السويسري بثت في اليوم الموالي للندوة الصحفية تحقيقا في إطار البرنامج الأسبوعي “الزمن الحاضر Temps Présent”، اتضح من خلال تصريحات بعض المحامين أن التعامل مع أولئك المعتقلين لا يتم بشكل قانوني سليم حيث لم يتم توجيه أية تهم واضحة لهم، لذا فاستمرار اعتقال بعضهم أمر مخالف للقانون، وقد حذر بعض القانونيين الذين استضافهم البرنامج من الإفراط في استخدام هذا الأسلوب في إطار “الحرب على الإرهاب”، لأن ذلك سيؤدي إلى آثار سلبية حسب قول أحد المحامين.
كما حذرت الحلقة من الاسلوب الغير متحضر الذي استخدمته الشرطة السويسرية لترويع الآمنين سواء بحثا عن مشتبه فيهم أو أثناء إلقاء القبض عليهم، وطالب عدد من المستجوبين في البرنامج بسرعة الافراج عمن لم توجه إليهم تهم واضحة.
ويثير البيان الذي ألقاه المدعي العام السويسري فالنتين روشاخر في المؤتمر الصحفي علامات استفهام عدة، فهو لم يوجه اتهامات واضحة إلى المشتبه فيهم، ولم يبرئ ساحاتهم وحول الأمر إلى جهاز التحقيق الفدرالي، في حين أكد على أن سويسرا ليست مركزا لدعم الإرهاب وأنها ليست مستهدفة، وهو بذلك لا يعلن براءة المشتبه فيهم، وفي الوقت نفسه لم يثبت إدانتهم.
الجهاز القضائي السويسري مشهور بالنزاهة، وسمعة المدعي العام فالنتين روشاخر وتاريخه المهني يؤكدان على أنه رجل يحترم القانون، وظهر هذا واضحا في الكلمة التي ألقاها أثناء “المنتدى الدولي الأول للحرب على الإرهاب وحقوق الإنسان”، الذي استضافته جامعة لوتسيرن قبل أسبوعين، حيث ندد بالأساليب المنتهجة في الحرب على الإرهاب، وحذر من أنها لا تحترم حقوق الإنسان أو القوانين.
فلا يبقى للمتضررين سوى انتظار القول الفصل على يد جهاز التحقيق الفدرالي، وهي مرحلة جديدة يُخشى فيها من تأويل النتائج التي أعلنها روشاخر في مؤتمره الصحفي وما وصل إليه في تحقيقاته التي استغرقت عامين ونصف بشكل لا يخدم مصلحة المشتبه فيهم، ولكن من يدري، فلربما تظهر معطيات جديدة ترجح كفة برائتهم من كل ما نُسب إليهم حتى الآن.
تامر أبو العينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.