الهجرة السرية .. معضلة أوربية؟
حمل برلوسكوني إلى العقيد القذافي رسالة ايطالية عاجلة اختزلت الهواجس الأمنية التي سيطرت على روما طوال الصيف بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين على سواحلها.
ويعتقد الايطاليون أن أراضيهم، مع السواحل الاسبانية، هي المناطق الأوروبية الأكثر عرضة لـ”اجتياح” المراكب التي تقل المهاجرين من شمال أفريقيا.
وبعدما توصلت السلطات الإيطالية في سنة 2000 الى اتفاق اطاري مع تونس، التي لا تبعد سواحلها عن ايطاليا أكثر من خمسين ميلا في بعض المناطق، لاحظوا أن النتائج لم تكن في المستوى المؤمل. فقد تضمن الاتفاق منح زوارق سريعة للدرك الوطني التونسي لخفر السواحل (يبلغ طولها 1300 كلم) ومعدات متطورة للمراقبة والرصد ليلا ونهارا اضافة لتسيير دوريات بحرية مشتركة في المياه الدولية بين البلدين.
لكن على رغم العمليات الكثيرة التي نفذها حراس السواحل التونسيون لضبط محاولات اجتياز مضيق صقلية على متون سفن صيد صغيرة أو متوسطة الحجم، مازال عدد المراكب التي ترسي سرا وبشكل شبه يومي على سواحل جزيرة “لامبيدوزا” أكبر من قدرة الايطاليين على “التحمل”.
ومما زاد من حنقهم ارتفاع أعداد مراكب المهاجرين غير الشرعيين المنطلقة من السواحل الليبية خلال الفترة الماضية وبخاصة من زوارة محملة بمهاجرين من البلدان الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى بالاضافة للتونسيين والمغاربة الذين باتوا يشعرون بأن الهجرة انطلاقا من شواطئ بلدانهم أصبحت محفوفة بالمخاطر.
وشكل تنامي الهجرة في فصل الصيف بفضل تحسن الأوضاع المناخية مصدر قلق واسع ليس فقط لايطاليا واسبانيا وانما لمجمل بلدان أوروبا الغربية التي تشعر أنها أضحت مهددة بـ”غزو” المهاجرين غير الشرعيين الآتين من الجنوب. وبدافع من هدا الشعور بـ”الخطر” زار وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي مؤخرا نظيره الايطالي وبحثا في خطة عاجلة مشتركة لمجابهة تنامي الهجرة غير المشروعة.
وأسفر البحث عن صيغة سرعان ما باركها نظراؤهما في البلدان الأوروبية الأخرى المعنية بالظاهرة تمثلت في إقامة معسكرات في شمال أفريقيا لتجميع المهاجرين غير الشرعيين الأفريقيين على اعتبار أن البلدان المغاربية صارت في أنظار أوروبا “معبرا للمهاجرين غير الشرعيين الآتين من جنوب الصحراء”.
قناعة جماعية و.. معسكرات!
وقد تلقف المفوض الأوروبي الجديد للعدل والشؤون الداخلية والأمن، الايطالي روكو بوتيليوني، الفكرة وأعلن قبل أشهر من تسلم مهامه الجديدة في بروكسل تبنيه لها مشددا على ضرورة بلورة موقف أوروبي موحد من مسألة الهجرة. والملاحظ أن بوتيليوني هو من الوزراء الرئيسيين في حكومة سيلفيو برلوسكوني حيث شغل منصب وزير الشؤون الأوروبية مند سنة 2001.
ومن رأي بوتيليوني أن قرار اقامة معسكرات الايواء ينبغي أن يتخذ على صعيد الاتحاد وأن تساعد المفوضية الأوروبية على ادارة تلك المعسكرات، التي ستكون خارج الأراضي الأوروبية، وتحديدا في “بلدان المعابر” من دون تسمية بلد أو بلدان بعينها.
والأرجح أن برلوسكوني حمل مشاريع دقيقة بهذا الشأن لعرضها على القذافي ولا يمكن أن يطرح هدا النوع من المشاريع من دون تقديم اغراءات للبلد المعني أقلها امداده بزوارق متطورة لحراسة السواحل وتسيير دوريات حراسة مشتركة واعانته على تركيز معسكرات الايواء وتجهيز القوات البحرية بمعدات حديثة، وهدا الباب الأخير يمكن أن يشكل مدخلا لليبيا للوصول الى التكنولوجيا الدقيقة التي حرمت منها طيلة سنوات الحظر الدولي الذي استمر من سنة 1992 الى 1999.
ولا يستبعد أن تكون الأفكار الايطالية مقدمة لعرض مشروع أوروبي متكامل على بلدان شمال أفريقيا تتم صياغته في اجتماع مرتقب لوزراء داخلية بلدان الضفة الشمالية للمتوسط أي ايطاليا وفرنسا واسبانيا ومالطا أو ربما وزراء الداخلية الأوروبيون جميعا. وقد أكد مصدر دبلوماسي ايطالي لسويس إنفو أن ما عبر عنه المفوض الأوروبي بوتيليوني من أن الهجرة غير المشروعة “تشكل قنبلة موقوتة بالنسبة للكيان الأوروبي” تعكس قناعة جماعية لا يختلف معها أي بلد.
ومما يؤكد هذا الرأي أن مواقف الوفود الأوروبية التي شاركت في اجتماع وزراء داخلية بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة بمجموعة 5+4 والذي استضافته العاصمة التونسية في الربيع الماضي كانت متطابقة تماما حيث اعتبرت أن أكبر تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة يأتي من الارهاب والهجرة غير المشروعة، ملمحين الى أن البلدان المغاربية المشاركة (الجزائر وتونس والمغرب وليبيا) لا تتخذ ما يكفي من الاجراءات لمكافحة الظاهرتين.
مخاوف المجتمع المدني
مع ذلك سجل المراقبون موقفا اسبانيا يسعى للتعاطي مع المهاجرين غير الشرعيين بأسلوب مختلف منذ وصول الاشتراكيين الى سدة الحكم في أعقاب انتخابات مارس الماضي، إذ أعلنت وزيرة الدولة للهجرة كونسويلو رومي عن خطة واسعة لادماج المهاجرين غير الشرعيين الذين استطاعوا الحصول على عقود عمل تمكن من تسوية أوضاعهم القانونية يبدأ تنفيدها اعتبارا من شهر أغسطس الجاري.
وتعتبر اسبانيا من أهم البلدان التي يتدفق عليها آلاف المهاجرين غير الشرعيين سنويا مخاطرين بحياتهم، وكثيرا ما تعبث الأمواج الهادرة بمراكبهم الصغيرة فتقضي عليهم قبل بلوغ سواحل الأندلس أو جزر الكاناري.
وطبقا لاحصاءات أوروبية لقي 81 مهاجرا غير شرعي حتفهم على مقربة من سواحل اسبانيا مند مطلع العام الجاري في مقابل نحو ثلاثين على مقربة من سواحل الجزر الايطالية. لكن روما أكدت أن 23 % من المهاجرين الدين يدخلون الأراضي الأوروبية بصورة غير شرعية يمرون عبر اسبانيا، وعليه طلبت مدريد من الاتحاد الأوروبي اعتمادات خاصة لمساعدتها على مراقبة الحدود وتسهيل ابعاد المهاجرين غير الشرعيين.
وفي سياق متصل، تبدي منظمات حقوق الانسان قلقا واضحا من الخطط التي تستهدف التخلص من المهاجرين غير الشرعيين وهي تقدر عددهم بمليون شخص من أصل 2.5 مليون مهاجر يعملون اليوم في اسبانيا وحدها.
وأبدت مسؤولة العلاقات الخارجية في رابطة حقوق الانسان التونسية السيدة سهير بلحسن مخاوف كبيرة من الخطط الأوروبية التي يجري اعدادها حاليا معبرة عن خشيتها من أن تكون حزمة الاجراءات المقترحة مهينة للكرامة ومنافية لحقوق الانسان. وقالت لسويس إنفو إنها ستعرض الأمر أيضا على “الاتحاد الدولي لروابط حقوق الانسان” (مقره باريس) التي هي عضو في قيادته.
وهده المخاوف ليست جديدة فقد نظمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في الربيع الماضي في مقرها بتونس لقاء ضم جمعيات أوروبية وروابط مغاربية وجها لوجه وخرج ممثلو المجتمع المدني في الضفتين بمذكرة حضت الحكومات المعنية على توخي أساليب انسانية في التصدي لظاهرة الهجرة غير المشروعة والبحث عن صيغ لتسوية أوضاع أكبر عدد ممكن منهم.
لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الحكومات الأوروبية ماضية حسبما يبدو في مشروع اقامة المعسكرات العازلة غير عابئة باحتجاجات المدافعين عن حقوق الانسان في بلدانها أو في بلدان الضفة الجنوبية من المتوسط.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.