مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“قد نكون نبني أزيـــد من اللازم في هذا البلد”

بعد أن بدأ كانتون فالي في تطبيق القانون الجديد الذي يحظر تشييد إقامات ثانوية مخصصة لقضاء العطل إذا ما تجاوزت نسبة معينة، سيتوجب على السلطات المحلية تقليص المساحات المخصصة للبناء مثلما هو الحال في منتجع "فيربيي" (Verbier). Keystone

تحت ضغط المناهضين للتوسع العمراني، تريد الحكومة الفدرالية فرض إجراءات مشددة على الكانتونات من خلال مراجعة لقانون التهيئة الترابية. وهنا يوضّح المهندس المعماري ألان روملي دواعي الحد من المناطق المُعدّة للبناء، ومنح الأولوية للمراكز الحضرية.

في الثالث من مارس 2013، يصوّت السويسريون في استفتاء عام على نص سيفرض على الكانتونات والبلديات إعادة تصنيف مساحات مُبالغ فيها كانت معدّة للبناء وتحويلها إلى مساحات مخصصة للزراعة على سبيل المثال. في المقابل، أبدت الدوائر الإقتصادية عدم اقتناعها بخطة الحكومة وتقدمت باستفتاء مُناهض لما ورد في مشروعها. في الأثناء، يتوقّع بيار ألان روملي، المدير السابق للمكتب الفدرالي لتخطيط واستغلال الأراضي، والأستاذ بجامعة نوشاتيل أن تكون الحملة الدعائية “شرسة ومحتدمة”.

swissinfo.ch: هل نبني في سويسرا كيف ما كان، وأيْن ما كان؟

بيار- ألان روملي: لا هذه ولا تلك، بطبيعة الحال! وكل عملية بناء هي استثمار مُكلف، ولا سيما في سويسرا، ولكن، قد نكون فعلا نبني أكثر من اللازم. ونظرا للنقص الحاد للسكن في سويسرا، وخاصة في ضواحي المراكز الحضرية، لا نستطيع ان نقول أننا نبني بما فيه الكفاية. ولكن من دون شك، هناك الكثير من المنازل العائلية، والكثير من منازل الإقامة الثانوية، ولا يوجد ما يكفي من المساكن للإيجار، وخاصة بأسعار منخفضة.

كذلك لا يُسمح بالبناء أينما هبّ ودبّ، لأنه في هذا البلد لا يمكن البناء إلا على 6 أو 7% من المساحات، وفي فضاءات محدودة جدا. صحيح أن المراكز الحضرية لدينا متكوّنة من بلديات صغيرة، ومن قرى ونجوع، مما يعطي الانطباع بأننا قمنا ببناء أماكن عديدة، مما يساهم في تعاظم المخاوف من الزحف العمراني.  

المزيد

المزيد

زحف إسمنتي

تم نشر هذا المحتوى على معرض “مدن تحت المجهر، وطبيعة في الأفق” الذي أقيم سنة 2010 في متحف “ناتوراما” بمدينة آراو وثـق بعناية لهذه التغيرات المثيرة على مدى الخمسين سنة الأخيرة.

طالع المزيدزحف إسمنتي

ما الحل إذن؟ كيف يمكن إصلاح هذا الوضع؟

بيار- ألان روملي: علينا أن نبني بطريقة أكثر إحكاما. ونعلم أن أغلب فرص العمل توجد في المراكز الحضرية، وعلينا بالتالي تكثيف البناء في هذه المراكز من أجل الحد من الحاجة لوسائل النقل، ولاختصار المسافات. نحن نعاني حاليا من مشاكل التنقّل على عدّة مستويات: على الطريق، نظل عالقين بسبب كثافة حركة المرور، وفي وسائل النقل العمومية، نسافر وقوفا طوال الرحلات، وإذا كنت على الدراجة، فلا تأمن الوصول إلى مقصدك سالما.

هذا الأمر يقتضي كذلك أن نكون حذرين، فالوضع يختلف من مكان إلى آخر. والتهيئة الترابية تبدو أفضل وضعا في سويسرا الناطقة بالألمانية منها في سويسرا الناطقة بالفرنسية. لا أدري بالضبط لماذا؟ ربما يكون ذلك لأن السويسريين الألمان قد سبقوا غيرهم في الوعي بمتطلبات حماية البيئة والنقل، وربما لهذا السبب نجد وضع هذيْن القطاعيْن في كل من زيورخ، وبازل، وبرن اليوم أفضل حالا مما عليه الوضع في جنيف ولوزان. من ناحية أخرى، فإن التدريب على التخطيط الحضري هو أعرق وأعمق في سويسرا الناطقة بالألمانية.

توجد أيضا اختلافات بين المناطق الجبلية. لئن نجح كانتون غراوبوندن في اعتماد تخطيط جيّد، فإن الوضع في كانتون فالي يعاني من تعقيدات جمة. هذا الكانتون يحتوي على العديد من المناطق الصالحة للبناء، لأن البلديات تمتعت ولوقت طويل باستقلالية القرار، وهو الكانتون الوحيد الذي يوجد فيه 70% من السكان مالكين لمساكنهم (المعدّل العام في سويسرا 40% فقط).

1950: ولد روملي بكوفيت في كانتون نوشاتيل. درس الجغرافيا بجامعة نوشاتيل، والتهيئة الترابية والعمرانية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ.

1984- 1997: رئيس قسم التخطيط والتهيئة العمرانية بكانتون نوشاتيل.

1997- 2000: أستاذ التخطيط والتهيئة العمرانية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان.

2008- 200: مدير المكتب الفدرالي للتهيئة العمرانية.

2009: انتخب عضوا بالمجلس التنفيذي المحلّي ببلدية فال -دي- ترافيرس (نوشاتيل).

منذ 2011: أستاذ للتهيئة الترابية والتخطيط الحضري في جامعة نوشاتيل.

على المستوى الدولي، هل تعدّ سويسرا تلميذا نجيبا أم سيئا في مجال التهيئة العمرانية؟

بيار- ألان روملي: لا توجد أي مقارنة أوروبية في هذا المجال، لأنه من المستحيل تحقيقها. مع ذلك، أستطيع القول أن هولندا تقوم بتخطيط جيّد لمساحتها، وهو ما يعكس على الأرجح تقليدا قديما جدا. لقد كانوا على الدوام يواجهون مشكلة محدودية المساحات الترابية، والصراع ضد زحف البحر، ولديهم إحساس قوي بذلك، على عكس بلجيكا ربّما.

أما ألمانيا فتصرّ في الغالب على البناء المعماري المكثّف، بإستثناء مقاطعة بافاريا. وتوفّر النمسا وإيطاليا مساحات محدودة جدا. فالمدن الإيطالية، وبعد الخروج من مراكزها الحضرية، تلاحظ فوضى عارمة. أما فرنسا، فتتوفّر على أراض شاسعة، ولا نرى هذا الفائض في أماكن أخرى كثيرة. ولكن بالعودة إلى سويسرا، أودّ التأكيد على أن الوضع  ليس كارثيا على الإطلاق.

مشروع الحكومة الفدرالية يترك حيّزا للتحرّك أمام الكانتونات، ولكن في العادة هناك منافسة كبيرة في ما بينها حول الإختصاصات الممنوحة لها. وباعتبار أن البلديات هي التي تقوم بتنفيذ التخطيط العمراني. أليس من الممكن أن يحدث احتكاك بينها؟

بيار- ألان روملي: تظل الكانتونات المسؤول الأول على تخطيط الأراضي وإدارتها مثلما كان عليه الحال من قبل، ولكن الأحكام الجديدة أكثر دقة، وسوف يتمحور النقاش حول حجم المناطق التي ستخصص للبناء. فالحكومة الفدرالية لن تفرض على الكانتونات أي شيء، في المقابل، على الكانتونات الإعلان عن الإجراءات التي تنوي اتخاذها. لكن بالطبع، الإدارة الفدرالية تحيط علما بجميع المعطيات والأرقام، وتحرص بالطبع على أن تحد الكانتونات بشكل فعّال من المناطق المخصصة للبناء. وما لم تفعل ذلك، بالإمكان منعها من اعتماد مساحات إضافية للبناء.

إذا ما تم اقرار تنقيح القانون، سيكون أمام الكانتونات خمس سنوات لإعادة تصنيف المساحات المخصصة للبناء، ثم يأتي دور البلديات. كل ذلك سوف يستغرق وقتا لا بأس به، في حين أن المدافعين عن المناظر الطبيعية يطالبون بالتدخّل السريع. خاصة وأن النمو الديمغرافي يتسارع بشكل كبير..

بيار- ألان روملي: من دون شك، عملية إعادة التصنيف تتطلّب وقتا على مستوى البلديات. ولكن، في نفس الوقت، لابد من المحافظة على مساحات كافية للبناء للإستجابة لرغبات واحتياجات المواطنين، خاصة في ضواحي المراكز الحضرية. والكانتونات مفوّضة لإيجاد المساحات الكافية، ولكن التنقيح لا ينص على كيفية جعل المساحات الموجودة فعلا في مناطق جيّدة للسكن الحضري معروضة في السوق. وأذكّر هنا ان المطلوب هو الحد من المساحات المخصصة للبناء مع الإبقاء على إمكانية البناء في المساحات الموجودة في أماكن مناسبة ولابد بالتالي من حثّ مالكي العقارات على اقتناء تلك الأراضي.

في نهاية المطاف، المناظر الطبيعية إلى من تعود بالنظر؟

بيار- ألان روملي: سؤال واسع. المناظر الطبيعية لا تعود لمالك العقار (وفي كل الأحوال ليس له وحده). وفي سويسرا ووفقا للقانون المدني، كل شخص له الحق في الإستفادة من الفضاء العام. وبحسب الحالات، فإن المناظر الطبيعية هي ملك لعموم الشعب (وربما لكافة الإنسانية)، أو لمنطقة بعينها أو لمجموعة محلية. هذا الأمر يتوقّف على التصوّر الجمعي السائد: فقمة “يونغفراو” Jungfrau مثلا تختلف عن أي منظر طبيعي آخر على مستوى محلّي.

تقدمت منظمة Pro Natura بمبادرة شعبية في عام 2008 (جمعت خلالها 109.422 توقيعا) وكان عنوان تلك المبادرة “من اجل مساحة للإنسان وللطبيعة”. المنظمة تحتجّ على أوجه القصور في القانون الجاري العمل به بشان التهيئة العمرانية والصادر في عام 1980 وطالبت بتجميد المساحات المخصصة للبناء لمدة 20 عاما.

فردت الحكومة بتقديم مقترح بديل في شكل مشروع تنقيح جزئي لقانون التهيئة الترابية. وسيكون امام الكانتونات خمس سنوات لتنفيذ القانون، والحد من المساحات المخصصة للبناء، والتعويض ماديا لمالكي العقارات الذين سوف يتم اعادة تصنيف مساحاتهم الترابية على أنها مساحات زراعية، لا يسمح بالتشييد والبناء فوقها. في المقابل سيكون على مالكي المساحات او العقارات دفع ضريبة بمعدّل 20% على قيمة الأراضي التي استغلت معماريا أو وقع بيعها.

أقر البرلمان الفدرالي في صيف 2012 المشروع المضاد الذي تقدمت به الحكومة، وتسحب مبادرة المناظر الطبيعية بشرط اقرار الشعب لتنقيح القانون، وهو تنقيح يجد الدعم من الإشتراكيين وحزب الخضر.

هذا المشروع المضاد قد تم إبطاله بواسطة استفتاء دعا إليه الإتحاد السويسري للمهن والفنون (يدافع عن مصالح رجال الأعمال)، والذي تمكّن من جمع 69.277 توقيعا خاصة من داخل الدوائر الإقتصادية.

يعود القرار النهائي إلى الشعب الذي سيقول كلمته النهائية خلال استفتاء عام ينظّم يوم 3 مارس 2013.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية