سقوط مدوي للمراة واليسار في البحرين
لم تكن النساء البحرينيات لوحدهن تتظلمن من مرارة الهزيمة الانتخابية. فما يسمى ب (التيار الديموقراطي) عاش بدوره خيبة امل عميقة وهو يرى اغلب مرشحيه يتساقطون في الدور الاول من الانتخابات البلدية.
ثلاثون مرشحا، تسعة عشر منهم محسوبون على التيار الديني، واغلبهم من مرشحي جمعية الوفاق الاسلامي التي يتزعمها الشيخ عبد الامير الجمري ضمنوا فوزهم في الدور الاول من الانتخابات البلدية التي جرت يوم الخميس في البحرين.
ويعترف عبد الرحمان النعيمي، رئيس جمعية العمل الوطني الديموقراطي بحسرة، بان اثني عشر مرشحا من قائماته قد رسبوا، ولم يبق من تياره سوى ثلاثة مرشحين لدورة الخميس المقبل، ثم يستطرد “لقد رسب كل مرشحي التيار الديموقراطي، وفاز اغلب مرشحي التيار الديني”.
لكن السيد النعيمي الذي سيعكف مع انصاره على دراسة عميقة ودقيقة للفئات الاجتماعية التي اقبلت على الانتخاب وافرزت هذه النتيجة، يرى بان “ثلاثين سنة من قمع السلطة للديموقراطيين انعش التيار الديني، وها هي النتائج ماثلة امام اعيننا”، وهو الى ذلك لا يستثني ما يسميه ب “الجو العام في المنطقة” والذي يغلب عليه الميل نحو التدين بصرف النظر عن الكفاءة السياسية للمرشح.
ولا يختلف عنه الدكتور منصور الجمري، نجل الشيخ عبد الامير الجمري، زعيم الطائفة الشيعية في البحرين، حيث يرى ان المجتمع البحريني متدين في عمومه، ويكفي اشاعة ان احد المترشحين تارك للصلاة حتى يحرم من اصوات المسنين والمتدينين.
ويعترف منصور الجمري بان اليسار يملك حضورا قويا لدى النخبة، لكنه فاقد للشعبية لدى الشارع البحريني العام، ولذلك فان النتائج كانت منطقية بفوز التيار الديني بشقيه الشيعي والسني باغلب المقاعد الى حد الان. ويعتقد الجمري انه بامكان هذا التيار نيل مقعدين او ثلاثة في الدورة الثانية، لكنه يقول ان الاغلبية لن تكون شيعية في المجالس البلدية المقبلة، وذلك بسبب الخطة الناجحة التي وضعتها الحكومة في تقسيم الدوائر الانتخابية لقطع الطريق امام ظهور اغلبية شيعية في المجالس البلدية.
ويبدو ان الصراع بين اليسار بدرجات الوانه والتيار الديني بشقيه السني والشيعي كان محسوما سلفا هذه المرة، حيث يقول عبد الرحمان النعيمي “لم تكن تراودنا اوهام بالفوز الكاسح، لكن كنا نتوقع فوز اربعة من اصدقائنا على الاقل”.
غير ان حسابات البيدر كذبت حسابات الحقل، وكرست نتيجة يوم الخميس الخارطة السياسية التقليدية في البحرين، مما سيدعو اطياف اليسار للعمل فورا على اعادة رسم التحالفات بين رموزه، تحسبا للانتخابات البرلمانية المقبلة يوم 24 اكتوبر، واستخلاصا للدروس التي جاءت بها (بروفة) الانتخابات البلدية.
الاسلاميون قوة رئيسية والمراة تخسر الرهان
وفي الاثناء، بدا الفخر واضحا على رموز الاسلاميين الذين دخلوا الانتخابات البلدية بعدد محتشم من المرشحين، لكنهم استطاعوا من خلال هذه الترشيحات جسّ نبض الشارع البحريني، مما سيزودهم بثقة كبيرة في النفس يخوضون بها الاستحقاق الانتخابي المقبل والاهم في اكتوبر القادم. الا ان نشوة الفوز تلك لم تمنع الدكتور منصور الجمري من اعتبار سقوط اليسار “عنصرا ليس في صالح العملية الديموقراطية الوليدة في البحرين”!
صدمة التيار الديموقراطي ليست الوحيدة التي افرزتها الانتخابات البلدية، وقد تكون هذه الصدمة نتاجا للسقوط المدوي للمراة في هذه الانتخابات، حيث لم تنجح اي مرشحة من بين الاحدى والثلاثين سيدة اللاتي خضن غمار المنافسة، ولم يسعف الحظ ايا منهن حتى لمجرد خوض الدورة الثانية.
ويجد منصور الجمري ذلك نتيجة طبيعية لظروف موضوعية، منها عدم استعداد الجمعيات لدفع مرشحات جديرات بالفوز، لكن النعيمي يقول ان الامر “ظاهرة تستحق الدراسة خصوصا ان اغلب النساء اهدين اصواتهن الى الرجال”!
ويعتقد رئيس جمعية العمل الوطني الديموقراطي ان هذه الاستخلاصات تدفع الى وجوب بذل عمل جبار لاستنهاض المراة، ولغرس قيم جديدة في نفسيتها غير وصاية الرجل على اختياراتها الانتخابية.
وقد راج على صعيد واسع ان بعض الازواج هددوا زوجاتهن، واوصيناهن باختيار مرشحين بعينهم، الشيء الذي راى فيه البعض انحرافا عن جوهر العملية الانتخابية. ويذهب النعيمي الى اكثر من ذلك وهو يتهم التيارات الدينية البحرينية بالانغلاق والوقوف في وجه المراة، متسائلا عما اذا كان هؤلاء سليلو الثورة الايرانية حقا..”كما كنا نعتقد”!!، وعما اذا لم يكونوا في الواقع يعكسون طروحات اكثر التيارات الايرانية تشددا، لان الثورة الايرانية – في نظر النعيمي – قد حققت مكاسب للمراة في ايران.
ورغم ان الستار قد اسدل تقريبا على الانتخابات البحرينية الاولى منذ نصف قرن، فان بعض الامل يتجه الى الدورة الثانية التي سوف لن ينقصها الصراع بين الاسلاميين ومن تبقى من مرشحي (التيار الديموقراطي). ولعل النتائج النهائية تحمل بشرى صغيرة ببروز نواة تكسر هيمنة الاسلام السياسي اللافتة على الشارع البحريني.
وفي انتظار ذلك، لا تبدي السلطة البحرينية انزعاجا من النتائج وربما تعتبرها بقية طفرة من انتفاضة الشيعة سنة 1994 فيما يميل البعض الى الاعتقاد بان بندول الساعة السياسية الهائج في البحرين سيهدا بعد حين ليجد الجميع مكانه الطبيعي ضمن مسيرة الاصلاح السياسي التي بدأها الامير حمد بن عيسى آل خليفة.
فيصل البعطوط – المنامة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.