مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“في سويسرا.. هناك أيضا خاسرون بسبب الهجرة”

تعددت في الفترة الأخيرة المحاولات الرامية إلى إعادة النظر في حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا وبلدان الإتحاد الأوروبي التي بدأ العمل بها منذ عام 2002 عبر إطلاق مبادرات شعبية تتحول تاليا إلى استفتاءات وطنية. Keystone

لإقناع الغالبية العظمى من الناخبين بضرورة الحفاظ على الحدود مفتوحة مع البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، سيتعيّن على السلطات الفدرالية الإستظهار بحجج إضافية إلى جانب المبررات الإقتصادية التقليدية. ذلك هو التحذير الذي يطلقه الخبير في ملف الهجرة إيتيان بيغاي، فيما يستعد السويسريين للتصويت في ثلاث مناسبات متتالية حول هذا الموضوع.

مبادرة شعبية “ضد الهجرة المكثّفة”.. واستفتاء ضد “توسعة حرية تنقل الأشخاص لتشمل كرواتيا”.. ومبادرة أخرى “ضد الإكتظاظ السكاني” (تُعرف اختصارا بـ Ecopop): هذه الإستفتاءات التي أُعلن عنها بشأن سياسة الهجرة في سويسرا سوف تغذي بكل تأكيد الجدل في الساحة السياسية حتى موعد الإنتخابات التشريعية القادمة في خريف عام 2015.

وبالفعل، تم تحديد الموعد الأوّل. ففي 9 فبراير 2014، يُدلي المواطنون برأيهم بشأن مبادرة تقدم بها حزب الشعب (يمين شعبوي) الذي يطالب بإعادة اعتماد نظام الحصص للحد من تدفق المهاجرين ومن أجل إعادة التفاوض بشأن اتفاق حرية تنقل الأشخاص مع الإتحاد الاوروبي.   

إيتيان بيغاي، الأستاذ بجامعة نوشاتيل، ونائب رئيس اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة، يرى في حديث خاص مع swissinfo.ch أن “هذه العودة إلى الوراء، لن يكون لها بالضرورة وقع مُدوّ، فقد أثبت التاريخ القريب أن احتياجات الإقتصاد هي التي تُملي في المقام الأوّل سياسة الهجرة في سويسرا”.

swissinfo.ch: كيف تفسّرون مثل هذه الموجة من الإستفتاءات؟

إيتيان بيغاي: منذ ستينات القرن الماضي، كانت الهجرة تحتل دوريا مكانا هاما جدا في النقاش العام. ونظرا لكون سويسرا تعتمد نظام الديمقراطية المباشرة، فإن هذا يؤدي بطبيعة الحال إلى استفتاءات متكررة. وينبغي الإشارة أيضا إلى أن نسبة المهاجرين في سويسرا هي أعلى بكثير منها في البلدان الأوروبية الاخرى، وهذا ما يفسّر الصدى الكبير لهذه المبادرات.

محتويات خارجية

swissinfo.ch: هل يُمكن أن نقارن الفترة التي نعيشها بمرحلة السبعينات، التي تذكّرنا بما كان يُعرف بمبادرات جيمس شفارزنباخ ضد الكثافة السكانية للأجانب في سويسرا؟

إيتيان بيغاي: بكل تأكيد، في ذلك الوقت، كان هناك أيضا سلسلة من الإستفتاءات تخللتها توترات قوية بين صفوف السكان. وعلى غرار مبادرة حزب الشعب السويسري “ضد الهجرة المكثفة”، لم تكن مبادرات شفارزنباخ تُعير أي اهتمام لتحذيرات الدوائر الإقتصادية من العواقب السلبية لتلك الأفكار. غير أنني أسجّل هنا فارقا مهما: قبل 40 عاما، لم تكن سياسة اللجوء تمثل أي مشكلة، اماّ الآن، فمن الواضح أنها تقف خلف كل هذه المبادرات، وتُغذّي هواجس الناس.

المزيد

swissinfo.ch: في حالة قبول مبادرة حزب الشعب في الإستفتاء المرتقب ليوم 9 فبراير 2014، هل تعتقد أن سياسة الهجرة بسويسرا سوف تتغيّر جذريا؟

إيتيان بيغاي: بالإضافة إلى السياسات في مجال الهجرة، ما سيشهد هزّة قوية هي العلاقات مع الإتحاد الأوروبي. ولكن لا يجب المبالغة في تصوير النتائج الممكنة لإعادة العمل بنظام الحصص: فالهجرة لن تتقلّص بين عشية أو ضحاها. وفي الماضي، أثبت نظام الحصص أنه يفتقد إلى المرونة، فضلا عما يتميّز به من بيروقراطية ثقيلة.

والحصص التي تقترحها مبادرة حزب الشعب تشتمل على العديد من الفئات مثل اللاجئين وطالبي اللجوء والعمال ذوي المهارات المحدودة، أو حتى ذوي المهارات العالية جدا. وإذا ارتفع تدفق هذه الفئة أو الأخرى، يقترح أصحاب المبادرة تعويض الزيادة عبر تخفيض على مستوى فئة أخرى. وهذا من شانه أن يتسبب في مشكلات كبيرة للمؤسسات الإقتصادية.

إيتيان بيغاي، نائب رئيس اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة

أن يكون القصد من هذه الهجرة ازدهار الإقتصاد من أجل أن يكون في حاجة لمزيد من اليد العاملة المُهاجرة، أمر لم يعد مفهوما لدى شريحة واسعة من المواطنين

swissinfo.ch: في ثلاث مرات متتالية منذ عام 2000، نجح أنصار حرية تنقل الأشخاص في إقناع الناخبين من خلال تسليط الضوء على الفوائد التي أدت إلى ازدهار سويسرا. هل مازال هذا الخطاب مُجديا الآن؟

إتيان بيغاي: الحجة الإقتصادية لا تزال تلعب دورا هاما حتى اليوم عندما يُدلي الناخب بصوته، لكنها لم تعد كافية لوحدها. وأن يكون القصد من هذه الهجرة ازدهار الإقتصاد من أجل أن يكون في حاجة إلى مزيد من اليد العاملة المهاجرة، أمر لم يعد مفهوما لدى شريحة واسعة من المواطنين. يجب أن تكون رسالة السلطات متعددة الأوجه، وأن تشتمل بالإضافة إلى الحجة الإقتصادية على ملامح المشروع المجتمعي والأهداف بعيدة المدى.

غير أنني ألاحظ أن حجج المناهضين للهجرة التي تجد صدى لدى الناس بحكم ما يعيشونه ويُكابدونه يوميا، يعسر عليها كسب الرهان يوم الإقتراع. إن وجود درجة من الإنفتاح خاصة في ما يتعلّق بحرية تنقل الأشخاص كان دائما يحظى بدعم غالبية الناخبين. وإذا كان حزب الشعب السويسري قد أثّر خلال السنوات الاخيرة في الإتجاهات العامة لسياسات الهجرة، وهو أمر لا يمكن نكرانه، خاصة في ما يتعلّق باللجوء، فإن أصوات الناخبين كانت تميل دائما إلى ما توصي به الحكومة، أي الحل الوسط.

swissinfo.ch: ألا ترى أن السلطات أساءت تقدير الآثار السلبية للهجرة ولحرية تنقل الأشخاص (ظاهرة الإغراق في الأجور، البنية التحتية المزدحمة، الإرتفاع المحموم لأسعار العقارات والإيجارات.. )؟

إيتيان بيغاي: حتى الآن تظل فوائد الهجرة أعلى من تكلفتها بالنسبة لعموم سويسرا، لكنها لم تتمخض عن رابحين فقط. فبالنسبة للقطاع الإقتصادي عموما، من المهم بلا ريب إمكانية التوفر على يد عاملة كثيفة وماهرة، وعلى سوق شغل أكثر تنافسية. غير أن الشخص الذي يُحرم من عمل خاصة إذا كان يقطن منطقة حدودية لن ينظر إلى المسألة من هذا الجانب. من الواضح أنه حصل سوء تخطيط سياسي في مجال التعويض عن التكلفة الإجتماعية (الناجمة عن حرية تنقل الأشخاص). لذلك يتعيّن على السلطات أن تُقرّ بوجود خاسرين، وأن تأخذهم بشكل أفضل بعين الإعتبار.

swissinfo.ch: في موفى 2012، بلغت نسبة الأجانب المقيمين فوق التراب السويسري 23.26%. رقم قياسي على المستوى الأوروبي إذا ما استثنيْنا دوقية اللكسمبورغ الصغيرة. هل فقدت سويسرا السيطرة على الهجرة إلى اراضيها؟

إيتيان بيغاي: لو لم تكن هناك عمليات رقابة، لكانت الهجرة أكثر. يُوجد لدى الكثير من السويسريين انطباع بأنه تم تحرير سياسة الهجرة، وأن الأبواب أصبحت مُشرعة على مصراعيْها، في حين أن عمليات الرقابة لا زالت مشدّدة جدا على الهجرة غير الأوروبية. نحن بوضوح بصدد نظام يسير بسرعتين.

إن التدفق الكبير للعمال الأوروبيين وعدم التوازن المسجل في ميزان الهجرة يُفسّران بكل بساطة بحالة الإزدهار الإستثنائية التي تشهدها سويسرا، في الوقت الذي شهدت فيه أوروبا تطوّرات متناقضة. ومع ذلك، فمن المرجّح أنه لو كانت لدى المفاوضين السويسريين اطلاع مُسبق على ما يُخبؤه المستقبل قبل التوقيع على أولى الإتفاقيات الثنائية (مع الإتحاد الأوروبي) لاقترحوا تضمينها كوابح إضافية.

محتويات خارجية

swissinfo.ch: كيف ستكون سويسرا لو لم تكن هناك حرية لتنقل الاشخاص؟

إيتيان بيغاي: لا أعتقد أن الوضع سيكون مختلفا كثيرا. ربما كانت الهجرة القادمة من بلدان الإتحاد الأوروبي أقل بنسبة 20 إلى 30%. لقد أظهر التاريخ فعلا أن الإقتصاد السويسري ينجح دائما في الحصول على اليد العاملة التي يحتاج إليها بطريقة أو بأخرى. أما في حالة عدم وجود لاتفاقية حرية تنقل الأشخاص (بين الطرفين)، فمن المؤكد أنه سيتم تخصيص حصص مُهمة لفائدة العمال الوافدين من بلدان الإتحاد الأوروبي.   

بعد إلغاء “مرسوم نانت” في عام 1686، وصل إلى سويسرا عشرات الآلاف من اللاجئين الفرنسيين من أتباع المذهب البروتستانتي، وكانت أكبر موجة من المهاجرين شهدتها سويسرا.

حتى سنوات 1890، كانت حركة القادمين أقلّ تأثيرا على التعداد السكاني في سويسرا من حركة المغادرين.

ما بين 1888 و1910: هاجر أكثر من 260.000 شخص إلى سويسرا. وعوّض الوافدون الجدد اليد العاملة المحلية التي غادرت الكنفدرالية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 

خلال الحربيْن العالميتيْن ونتيجة للكساد الإقتصادي إثر أزمة 1929، انخفضت الهجرة إلى درجة كبيرة جدا. وكان أكثر الوافدين من السويسريين العائدين مجددا إلى بلادهم.

رافقت الطفرة الإقتصادية التي شهدتها سويسرا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية حاجة هائلة للعمالة خاصة بين عامي 1951 و1970، حيث سجلت سويسرا آنذاك قدوم أكبر موجة من المهاجرين في تاريخها بوصول 2.68 مليون أجنبي.

وضعت فترة الركود الإقتصادي في الفترة المتراوحة ما بين عامي 1974 و1976 نهاية لمرحلة الهجرة التي تلت نهاية الحرب الكونية الثانية.

إثر ذلك، ظلت نسب الهجرة غير مستقرة ومرتبطة بالوضع الإقتصادي إلى بداية الألفية الثالثة.

منذ أوليونيو 2002، تاريخ دخول اتفاق حرية تنقل الأشخاص حيز التنفيذ، زاد تعداد الأجانب في سويسرا بنسبة الثلث تقريبا.

في نهاية 2012، كانت سويسرا تستضيف 1.870.000 أجنبي، أي 23.26% من مجموع السكان المقيمين في الكنفدرالية الذين تجاوز عددهم الثمانية ملايين نسمة بقليل.

في موفى 2012 أيضا، أشارت الإحصائيات الرسمية إلى أن أكثر من 270.000 شخص يُقيمون في المناطق الحدودية (مع فرنسا وألمانيا والنمسا والليختنشتاين وإيطاليا) يعملون في سويسرا.

(المصدر: معجم تاريخ سويسرا)

 يوم 9 فبراير 2014، سوف يُدعى السويسريون لإبداء رأيهم بشأن المبادرة التي تقدّم بها حزب الشعب السويسري “ضد الهجرة المكثفة”. ويطالب نص المبادرة بإعادة اعتماد نظام الحصص للأجانب من أي فئة كانوا، من طالبي اللجوء، أو من المقيمين في المناطق الحدودية، أو الأجانب عموما.

منذ الآن، وحتى الإنتخابات البرلمانية القادمة في أكتوبر 2015، سيحسم الناخبون السويسريون الأمر بِشأن توسعة حرية تنقل الأشخاص إلى كرواتيا أم لا! بعد أن أصبحت كرواتيا عضوا بالإتحاد الأوروبي منذ أول يوليو 2013. وفيما سيناقش البرلمان الفدرالي الأمر في العام المقبل، أعلن حزب الشعب منذ فترة أنه سيدعو إلى تنظيم استفتاء حول هذه المسألة.

مبادرة لجنة البيئة والسكان (Ecopop) الداعية إلى “إيقاف الزيادة السكانية” سيناقشها البرلمان أيضا في العام القادم قبل أن يتم عرضها على أنظار الناخبين. ويدعو نص المبادرة إلى أن لا تتجاوز الزيادة الديمغرافية الناجمة عن الهجرة عن 0.2% في العام بغرض حماية البيئة والموارد الطبيعية المتاحة في سويسرا.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية