مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا ينبغي أن نفشل في إقامة جسور ثقافية”

swissinfo.ch

كل عام يحل المتنبي ضيفاً على سويسرا، وكل عام يحتفي به مبدعون عرب وسويسريون وأجانب، يلتقون - من خلاله ومعه - في مهرجان المتنبي الشعري العالمي.

مدينة زيورخ احتضنت موفى الأسبوع الماضي للمرة الرابعة مهرجان المتنبي الشعري، في بادرة تهدف إلى خلق حوار بين الثقافات.

“لأننا كثقافة عربية فننا الأول الشعر، أردنا أن نُعرف به، واخترنا أن يكون (ذلك) باسم المتنبي. المتنبي شاعر العربية الأول، وبجموحه كان أكثر من خير سفير ليمثل هذه الثقافة. فاخترنا الشعر واخترنا المتنبي”.

هكذا كانت البداية قبل أربع سنوات بالتحديد. تحول بعدها الزواج بين الشعر والمتنبي إلى مهرجان ثقافي، ينعقد كل عام في مدينة زيورخ، ويشارك فيه شعراء ومثقفون عرب ودوليون، والهدف من كل ذلك إزالة اللون الباهت للوجود الثقافي العربي في سويسرا الناطقة باللغة الألمانية.

“كتبت الدكتورة ميري شنايدر ذات مرة في مهرجان المتنبي الأول، أن هذه المؤسسة وهذا المهرجان أجبرونا(أجبرانا) على أن ننظر على أن هناك في الثقافة العربية شئ أخر غير الرقص الشرقي..، أو الدونر كباب (أكلة تركية)..”.

ولأن الهدف هو إظهار عمق الثقافة العربية، والحديث لازال للشاعر علي الشلاه رئيس المركز الثقافي العربي السويسري ومدير مهرجان المتنبي الشعري العالمي، كان من الضروري تقديم جوانبه المتعددة للجمهور الأوروبي الناطق باللغة الألمانية تحديداً.

“أدركنا (مع الوقت) أن (الشعر) ينبغي أن لا يظلم الفنون الأخرى، فصرنا نختار في كل عام موضوعة للمهرجان تصاحب الشعر بفن أخر. هذا العام كان الشعر والفن التشكيلي، في العام القادم سيكون الشعر والموسيقى، وفي العام الذي يليه الشعر والمسرح”.

من كل قطر شاعر.. بتمويل عربي شبه معدوم!

عتبت صحيفة السفير اللبنانية على مهرجان المتنبي لهذا العام “أن لبنان لم يكون موجوداً” فيه. لكن ذاك العتب، على حد رأي الشاعر الشلاه، مردود عليه لسببين، أولهما معياري والثاني مالي.

“نحن نحاول أن نمثل البيئات الثقافية العربية، مشرقاً ومغرباً. نحن لا نستطيع وإمكانياتنا لا تسمح بأن ندعو من كل قطر عربي شاعرا، ولذلك نحن نقوم بالتالي: في كل عام ندعو من المغرب العربي ثلاثة، ومن المشرق العربي ثلاثة، ثم في العام الذي يليه نحاول أن نغير. نحافظ على البيئات الثقافية ونغير الدول، ويظل الفيصل الأخير جودة وإبداع المبدع المشارك”.

العامل المالي يلعب أيضاً دوره، كما هو واضح من حديث الشاعر الشلاه. فرغم الدعم الكبير الذي يلقاه المهرجان من الجانب السويسري، وعلى الأخص من وزارة الخارجية وإدارة الثقافة والفرع السويسري لليونسكو ووزارة الثقافة ومنظمة بروهلفتسيا والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ومدينة زيورخ.. الخ، يقف الدعم العربي له خجلاً هزيلاً.

“الأصدقاء السويسريون على كرمهم يفترضون أن الجانب العربي يقوم بنصف هذا التمويل، لكن هذا غير متوفر لنا، نحن لا نعتمد على أية جهة سياسية رسمية عربية. نحن نعتمد فقط الأمور الثقافية، ولذلك لم يكن ممكنا أن تظهر جهة سياسية عربية لدعم المهرجان لأننا لن نرضى بذلك. (كما) أن الجهات الثقافية العربية، التي يمكن أن تدعمنا، مشغولة إما بمشاريع أخرى أو هي غير قادرة أصلاً على دعمنا”.

ولذلك، يحاول منظمو المهرجان اختصار نفقاته إلى أقصى حد ممكن: “نختصر كل ما هو غير ضروري.. لصالح ما هو ضروري، ولصالح إضافة أسماء أخرى”.

على سبيل المثال، عمد بعض أفراد الجالية العربية في مدينة زوريخ إلى طبخ طعام الضيوف بدلاً من توفيره في الفندق، في الوقت الذي قام فيه بعض “الزملاء من المشهد الثقافي العربي” بدعم المهرجان بصورة شخصية.

الدعم العربي الجديد الذي لاقاه المهرجان هذا العام يتمثل في مشاركة بعض وزارات الثقافة العربية بدفع تذاكر أدباءها، كما فعلت وزارة الثقافة التونسية مع الأديب الممثل لها.

“مادمنا قد فشلنا سياسياً فلنتجنب الفشل ثقافياً”

إقامة الجسور بين الثقافة العربية ونظيراتها العالمية، على حد رأي الشاعر الشلاه، ينبغي أن تنأى بنفسها عن “الطريقة الفجة المباشرة في استجداء تفاعل الآخرين معنا”. بدلاً من ذلك، يجب أن تنطلق من مبدأ الحوار والتحاور.

كان مثيراً للاهتمام، على سبيل المثال، ذلك التعاطف الكبير الذي أظهره المبدعون الدوليون المشاركون في المهرجان مع مفردات القضايا العربية الرئيسية.

“كانت هناك قصائد من الشاعرة الإسبانية روزانا أكواروني منيوف بالتعاطف مع قضيتي العراق وفلسطين، رغم أننا لم نطلب ذلك، ولا نسأل عن هذا، ولا نسأل الشعراء ماذا سيقرءون، لكنها قرأت نصوصاً بهذا المعنى. كما عبر في البداية الشاعر الياباني تاجين تاندو عن تعاطفه مع القضية الفلسطينية.

“والشاعرة نوراه زباتا بريل من بوليفيا، وهي شاعرة معروفة من أمريكا اللاتينية ومن الجيل الأكثر شهرة فيه، تناولت هي الأخرى الحضور الثقافي العربي في جانبه الإيجابي في ثقافات أمريكا اللاتينية، وأثنت على الثقافة العربية”.

هذا هو ما يسميه الشاعر الشلاه ب “النتاج الطبيعي للحوار”، ذلك الذي ينبثق من لقاء الأخر وفهمه. ف”إذا كنا قد فشلنا كعرب في أن نجمع رأيا عاماً سياسياً مع قضايانا، فلا ينبغي أن نفشل في أن نقيم جسوراً ثقافية مع مثقفين قد يغيرون قناعات أمم بأكملها مع مر الأيام”.

إلهام مانع – سويس إنفو

مهرجان المتنبي الشعري العالمي الرابع:
عقد في زيوريخ ما بين 10 و 13 يونيو 2004.
كان موضوع الدورة الرابعة: “الشعر والفن التشكيلي”.
شارك فيها مبدعون من الكويت والبحرين وليبيا وتونس والعراق وقطر والأردن وسوريا ومصر واليمن.
كما ساهم فيها شعراء ومبدعون من إيطاليا وسويسرا وأسبانيا وبوليفيا واليابان.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية