“ألعاب الحرب” بين سوريا وإسرائيل
إنها ألعاب حرب، فسوريا وإسرائيل هما أكثر دولتين فى المنطقة أثيرت بينهما احتمالات الحرب خلال الـ 35 سنة الماضية.
لكنهما أيضا أكثر دولتين كانت تلك الاحتمالات “محكومة” تماما بينهما، خاصة فيما يتعلق بالحرب النظامية واسعة النطاق.
إنها ألعاب حرب، فسوريا وإسرائيل هما أكثر دولتين فى المنطقة أثيرت بينهما احتمالات الحرب خلال الـ 35 سنة الماضية، لكنهما أيضا أكثر دولتين كانت تلك الاحتمالات “محكومة” تماما بينهما، خاصة فيما يتعلق بالحرب النظامية واسعة النطاق، وبالتالي، فإن كل ما يجري بينهما هو استمرار لـ”ألعاب الحرب”، التي يمارسها كل طرف إزاء الآخر منذ وقت طويل، إلا إذا كان أحدهما قد قرر فجأة أن يغيِّـر قواعد اللعبة، وهي مسألة مستبعدة، حتى إشعار آخر.
إن عملية اختراق الطائرات الإسرائيلية لشمال سوريا قد أثارت احتمالات جديدة، ليس لأنها خطرة أو غير مسبوقة، لكن لأن ملابساتها كانت غامضة بدرجة تركت انطباعات غير محدّدة حول دلالاتها و”موقعها من الإعراب” في سياق الخِـبرة السابقة لمسيرة التوترات المسلحة بين الدولتين، خاصة مع قرار إسرائيل بعدم توضيح الموقف، بما لذلك من معاني، ليس فيما يتعلّـق باحتمالات الحرب، لكن بالطريقة التي تفكِّـر بها تل أبيب فيها.
آخر الحروب
إن العبارة الشهيرة التي تقرر “أن حرب أكتوبر 1973، هي آخر الحروب” (بين مصر وإسرائيل)، ترتبط عادة بالرئيس المصري الراحل أنور السادات، إلا أنها تتعلق بنفس القدر بالتفاعلات السورية – الإسرائيلية، فقد كانت سوريا تُـدرك أنها غيرُ قادرة على خوْض حرب وحدها، وفيما بعد، استقر التفكير السوري على أنه إذا لم تكن هناك حرب بدون مصر، فإنه لن يكون هناك سلام بدون سوريا، لتسيطر على خِـطابها كلمة شهيرة هي “الممانعة”.
لقد اعتمدت سياسة سوريا الدِّفاعية منذ منتصف السبعينات على تحقيق ما أسمته “التوازن الإستراتيجي”، الذي يتيح لها، في حالة تحقّـقه، شنّ مثل تلك الحرب المؤجلة، في التوقيت الذي تَـراه لاستعادة الأرض التي لم تتمكّـن من استعادتها عام 1973، مع إدراك مُـوازٍ لصعوبة تحقيق ذلك بفعل العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
كان الوجه الآخر لتلك السياسة هو أن سوريا – حسب تعبيراتها – لن تنجَـرّ إلى حرب في ظروف تختارها إسرائيل، لكنها اضطرت ذات مرّة تحت الضّـغط، إلى الانجرار نحو مواجهة نظامية جَـوية مباشرة عام 1982 خلال الغزو الإسرائيلي للبنان، وكان الثمن العسكري فادحا، فقد كلّـفها ذلك أنظمة دفاعها الجوي في البقاع وأكثر من 90 مقاتلة في يوم واحد، ولم تتجاهل هذا الدّرس بعد ذلك أبدا.
في نفس الوقت، وجدت سوريا صِـيغة عملية لمُـمارسة الحرب بوسائل أخرى “غير مباشرة” عبر جَـبهة جنوب لبنان، من خلال فصائل مختلفة استقرت في النهاية عند حدود حزب الله، الذي قضّ مضاجِـع إسرائيل لسنوات طويلة، واستمرت دمشق طِـوال الوقت في ممارسة ألعاب الحرب، بثمَـن كانت قادِرة على احتماله.
ضباب الحرب
لم يكُـن لدى إسرائيل خلال كل تلك الفترات، سبب مباشر لشنّ حرب ضد سوريا، إذا لم تشُـن سوريا حرب نظامية ضدَّها، لكن أصوات إسرائيلية كانت تتصاعد كل فترة لتُـحذِّر من أن حربا قد تكون مُـحتملة بين الطرفين، بفعل صفقات سلاح تعقدها سوريا أو تصعيد سوري غير تقليدي في لبنان أو الضغط على سوريا في اتجاهات تفاوضية أو إحراج النظام السياسي في دمشق أحيانا أو تعقيدات تل أبيب السياسية، لكن كل ذلك لم يكن جادا.
كان المعيار الجاد لاحتمالات الحرب بين الجانبين هو دائما “تحركات القوات”، ولم يحدُث أن قامت سوريا بأية اختراقات لترتيبات وقْـف إطلاق النار المستقرّة بين الطرفين في الجولان، وفي الحالات التي بدا فيها أن تحرّكات غير تقليدية تُـجرى، كما حدث عام 1996، عندما أثيرت وقائع إعداد الخنادق العسكرية السورية وتكرر في منتصف عام 2007 الحالي، لكن ظهَـر بسرعة أن ثمة تقديرات استخباراتية غير دَقيقة وعمل نظام الاتصال بين الطرفين بكفاءة، ليعود الهدوء إلى الجبهة.
لقد بَـدا كل طرف حريصا بشِـدّة على السيطرة على سُـلوكه فيما يتعلق باحتمالات الحرب النظامية، فكلمات الحرب السورية لم ترتبط بما يجعلها تتجاوز كونها نظريات، وحرب الكلمات الإسرائيلية كانت مقيّـدة من كل اتجاه، حتى أن بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الذي لا يصنّـف كمُـعتدل، قام بسحب قوات إسرائيل إلى الخلف، خلال الأزمة التركية – السورية عام 1998، حتى لا يبدو وكأنه سيُـشارك في حرب مُـحتملة (وقتها) بين الطرفين.
لكن إسرائيل أيضا طوّرت إستراتيجية لمُـمارسة ألعاب حرب خشِـنة أحيانا مع سوريا، وتصاعدت تلك الألعاب في بعض الفترات، لتصل إلى قصف رادار سوري أو موقع للجَـبهة الشعبية أو اختراق المجال الجوي السوري أو التحليق فوق قصر الرئاسة، ويبدو أن ما حدث من اختراق في شمال سوريا مؤخّـرا – أيا كان تفسيره – هو من نفس النوعية، رغم ما يحمله من دلالات إضافية.
إنزلاقات الحرب
إن مشكلة العملية الأخيرة، هي أنها – كما تمّـت الإشارة – غير مفهومة في السياق السابق، فعلى الرغم من أن اختراق مقاتلتين أو عدة مقاتلات للمجال الجوى السوري، ليس مؤشرا جادا فيما يتعلّـق باحتمالات الحرب، فالحروب لا تنشب لتلك الأسباب أو بتلك النوعية من المقدمات، لكن المشكلة هي أنه كان من المُـمكن لدى حدوثها تقديم ما لا يقل عن 6 تفسيرات مُـختلفة لأهدافها، بعضها غير تقليدي، وكل تلك التفسيرات تدفع في اتجاه أن هناك شيئا قد تغيّـر، بافتراض أن مقاتلات إسرائيل لم تضل الطريق.
إن التقديرات السائدة لدى التيارات المُـنضبطة في إسرائيل بشأن الحرب، لا تزال تَـسير في اتِّـجاه أنها قد تؤدّي إلى تدمير قوة سوريا العسكرية، لكنها لن تقود إلى حلّ أية مشكلة إستراتيجية تُـحيط بإسرائيل، سواء فيما يتعلّـق باختراقات إيران أو توجّـهات حزب الله أو علاقات سوريا الفلسطينية أو جعل سوريا نفسها أكثر عملية، بل قد تؤدّي إلى تفاقُـم غير محسوب للموقف كله، كما أن أية عملية عسكرية لن تكون بديلا في النهاية عن تسوية سياسية.
إلا أن هناك أيضا في إسرائيل من يفكِّـر فيما تُـسميه بعض التحليلات الإسرائيلية “جر سوريا إلى حرب” من خلال استفزازات لا تحتملها دمشق، بما يقود إلى توجيه ضربات جِـراحية تؤّدي إلى إجهاد سوريا وحلِّ بعض المشكلات الإستراتيجية الخاصة بتحالفها مع إيران أو دعمِـها لحزب الله.
كما أن تقديرات سوريا بشأن الحرب لم تتغيَّـر على الأرجُـح، فبعيدا عن نظريات الحرب، لا تزال سوريا تعتقِـد أن شنّ حرب نِـظامية أو حرب غير نظامية، لن يؤدّي إلى تحقيق نتيجة مضمُـونة تتعلّـق بهضبة الجولان وأن المفاوضات السياسية، بالتوازي مع تطوير التسليح وإبقاء التحالفات واستمرار الإزعاج، هي البديل الممكن في النهاية.
لكن هناك إشارات أيضا بأنها قد تقوم بتسخين الأجواء للتَّـعجيل بالاتصالات السياسية. فالمسألة تجاوزت أرض محتلّـة على الحدود إلى “محكمة دولية” قد تصِـل تأثيراتها إلى العاصمة، وعندما تصل الأمور إلى العواصم في المنطقة العربية، تُـصبح عادَةً غير مقبولة.
الأرجُـح، وفقا لكل ذلك، هو أن ألعاب الحرب لا تزال هي الصِّـيغة المُـستمرة لإدارة كل طرف علاقته مع الطرف الآخر، وإن كانت بعض تلك الألعاب قد تتّـجه نحو أشكال خطرة، ربما تهدد بالانزلاق إلى مساحة عسكرية غير مألوفة، إلا أن ما جرى بعد عملية “شمال سوريا” نفسها، يُـشير إلى أن عوامل السيطرة على التصعيد بين الجانبين لا تزال قوية، كما كانت دائما.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
دمشق 13 سبتمبر (رويترز) – قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يوم الخميس 13 سبتمبر، إن سوريا لا تفكِّـر بالرد عسكريا على الاختراق الإسرائيلي لأجوائها، لكن دون أن يؤثر ذلك على قوة موقفها.
وقال المقداد ردّا على سؤال، عما إذا كانت سوريا تدرس القيام بردّ عسكري على إسرائيل، “نحن لا ندرس أي رد، لكن لدينا توجُّـهات من خلالها نحافظ دائما على قوة الموقف السوري”.
وأكّـد مسؤولون أمريكيون أن إسرائيل شنّـت ضربات جوية ضد سوريا الأسبوع الماضي، لكنهم رفضوا التحدُّث عن الأهداف، في حين رفضت الحكومة الإسرائيلية التعليق على الغارة.
وقال مسؤولون أمريكيون وغربيون، إن الغارة الجوية الإسرائيلية، مبعثها مخاوف عسكرية من سَـعي دمشق لامتلاك أسلحة نووية أو اختبار الدّفاعات الجوية الجديدة لسوريا أو منع وصول أسلحة إيرانية لحزب الله في لبنان.
وكانت سوريا قد تقدّمت قبل أيام بشكوى إلى الأمم المتحدة حول خرق أجوائها وحذّرت من “عواقب وخيمة” إذا تغاضى المجتمع الدولي عن الانتهاكات الإسرائيلية.
ووصل إلى سوريا يوم الخميس، نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف حاملا رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس بشار الأسد، لم يعلَـن عن محتواها. ومن المقرّر أن يغادر سلطانوف دمشق في وقت لاحق يوم الخميس إلى لبنان، حيث احتدّت شدة الأزمة السياسية مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد.
وتتّـهم قوى سياسية لبنانية مُـناوئة لسوريا دمشق بالتأثير على المجريات السياسية اللبنانية وزعزعة الاستقرار السياسي في لبنان. ونفى المقداد أن تكون سوريا تلعب دورا سلبيا في لبنان قائلا بعد لقائه سلطانوف، إن دمشق لن تتدخّـل في الانتخابات الرئاسية.
وقال سلطانوف “على اللبنانيين بذل كل الجهود لاستئناف الحوار، وخاصة حول الطرق لإجراء الانتخابات الرئاسية”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.